هل تحالف أمين الحسيني والملك فيصل ضد "الشقيري"؟

24 ابريل 2019
+ الخط -
في مطلع الستينيات من القرن الماضي بدأت الأنظمة العربية، وعلى رأسها مصر، تستشعر ظهور عدد لا بأس به من التنظيمات الفدائية الصغيرة التي تتبنى الكفاح المسلح خياراً وحيداً لتحرير فلسطين، وللالتفاف على هذه التنظيمات وللتقليل من تأثيرها على الساحة العربية والفلسطينية، كلفت الأنظمة العربية في مؤتمر القمة العربية الأول في القاهرة 17 يناير/ كانون الثاني 1964 أحمد الشقيري مندوب المملكة العربية السعودية الأسبق في الأمم المتحدة، بالاتصال بالدول الأعضاء في الجامعة العربية والشعب الفلسطيني، بنية الوصول إلى إقامة قواعد سليمة لتنظيم الشعب الفلسطيني، وتمكينه من القيام بدوره في تحرير وطنه وتقرير مصيره.

ورغم تسلح أحمد الشقيري بقرار القمة العربية إلا أنه واجه عدداً لا حصر له من الصعوبات التي كادت تفشل تبلور الكيان الفلسطيني المنشود؛ الذي عرف في ما بعد بمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن هذه المصاعب معارضة كل من الحاج أمين الحسيني والملك فيصل فكرة الكيان الفلسطيني بشكل قاطع، فكلاهما له رؤيته ومبرراته الخاصة لرفض حتى فكرة الكيان الفلسطيني، فالأول رأى بها تهديداً شخصياً له، والأخر رأى فيها تحديًّا شخصيًّا لا يمكن السكوت عنه.


فالحاج أمين الحسيني رأى في قيام منظمة التحرير الفلسطينية تهديداً لمكانته ومستقبله السياسي، فهو يعتبر نفسه الزعيم التاريخي والوحيد للشعب الفلسطيني، ويعتقد أنه الأحق برئاسة الكيان الفلسطيني الجديد الذي لا داعي له ما دامت الهيئة العربية العليا التي هو رئيسها موجودة، وعلى هذا الأساس كان من أشد المعارضين الفلسطينيين لقيام منظمة التحرير الفلسطينية، ولربما قد ساهم عدم عرض القادة العرب فكرة إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عليه في زيادة تعنته اتجاهها.

وقد سعى الحاج أمين الحسيني بشتى الطرق لعرقلة قيام منظمة التحرير الفلسطينية، فبعث ببرقية إلى الملك الأردني حسين يحذره من أن الكيان الفلسطيني الجديد سوف يشكل خطراً على وحدة المملكة الأردنية، كذلك عقد الحاج أمين الحسيني مؤتمراً صحافياً في بيروت أعرب فيه عن أن مشروع الكيان الفلسطيني حسب وصفه سوف يسهل تصفية القضية الفلسطينية.

وقد دعم الملك فيصل مواقف الحاج أمين الحسيني المعارض لنشأة منظمة التحرير الفلسطينية، وحسب مذكرات الشقيري فقد حاول أحمد الشقيري بصدق استمالة الحاج أمين الحسيني دون جدوى، إلى حد أنه عرض على الحاج أمين الحسيني رئاسة المجلس الوطني.

أما عن الملك فيصل فقد رأى في تكليف شخص أحمد الشقيري بالعمل على تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية تحديًّا وتهميشاً شخصيًّا له، إذ انقلبت الصداقة بين الرجلين رأساً على عقب، بسبب مماطلة أحمد الشقيري برفع ملف حرب اليمن إلى مجلس الأمن الدولي للبت فيه، بعد التدخل المصري لجانب الثورة اليمنية ضد الإمامة التي تدعمها المملكة العربية السعودية، وهذه المماطلة اعتبرها الملك فيصل خرقاً لا يمكن التساهل معه، مما دفع الملك فيصل وقتها لإنهاء عمل أحمد الشقيري كمندوب للمملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة، ومما زاد الطين بلة بين الرجلين هو اختيار أحمد الشقيري بعد فترة قصيرة من عزله من قبل عبد الناصر ليكون مندوب فلسطين في جامعة الدول العربية، بدلاً من أحمد حلمي عبد الباقي الذي وافته المنية عام 1963.

ففي 28 مايو/ أيار 1964 افتتح المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول في القدس برعاية الملك الأردني حسين، بحضور ومشاركة من كل الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، باستثناء المملكة العربية السعودية التي قاطعت المؤتمر، ومنعت كذلك الفلسطينيين المقيمين لديها من المشاركة فيه، بسبب اعتراض الملك فيصل على شخص أحمد الشقيري كما أوضحنا سابقاً.

وحينما عقد مؤتمر القمة العربية الثاني في الإسكندرية 5 سبتمبر/ أيلول 1964، سعى الملك فيصل الذي كان رئيس جلسة مؤتمر القمة لعرقلة اعتراف الدول العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية، إذ أعرب الملك فيصل أن أحمد الشقيري تجاوز الصلاحيات التي أوكلت له بخصوص الكيان الفلسطيني أمام القادة العرب.

إلا أن أحمد الشقيري وقتها لم يمهل الملك فيصل الكثير لإبداء اعتراضه، فقال بكلمة مؤثرة متسائلاً: (لأننا شعب من اللاجئين تنكرون علينا حقنا في أن ننشئ كياننا كما نريد إنشاءه.. لقد أنشأتم كياناتكم كما أردتم ولم يتدخل في شؤونكم أحد.. فلماذا هذا التدخل في شؤوننا.. لقد رفضنا الاحتلال البريطاني والوصاية منذ زمن طويل.. فهل تفرضون علينا الوصاية الآن لأننا أصبحنا لاجئين مشردين في الوطن العربي؟).

وحسب مذكرات أحمد الشقيري في كتابه من القمة إلى الهزيمة.. مع الملوك والرؤساء، فقد ذكر ما يؤكد مثل هذا التحالف بين الحاج أمين الحسيني مع الملك فيصل، فيقول: (وكان جلوسي على طرف المائدة، قريباً من كرسي الرئاسة، فرأيت العرائض الزنكوغرافية التي كان الحاج أمين الحسيني قد أعدها للتنديد بالشقيري وبأسلوبه في إنشاء الكيان الفلسطيني).
4F8E0C37-3F8E-44E8-B648-FE320CF4039B
هيثم الجرو

مدون وقاص فلسطيني حاصل على شهادة في التاريخ والآثار من الجامعة الإسلامية بغزة، يحضّر رسالة الماجستير في التاريخ المعاصر بجامعة "إسطنبول مدينيت" في تركيا.