هل بدأ الربيع العراقي؟

15 أكتوبر 2019
+ الخط -
يختلف العراق عن بقية جيرانه العرب، فتداعيات احتلاله الأميركي عام 2003، وما رافقها من انهيار سلطة الدولة والتغلغل والنفوذ الخارجي، ناهيك بحالة الانتقال السياسي التي رافقت الاحتلال، أسبابٌ منحت العراق صفة الاختلاف عن بقية جيرانه العرب، وبالتالي لم يكن على ذات خط دول الربيع العربي، سواء في صفحتها الأولى عام 2011، أو الصفحة الثانية مع بدايات العام الجاري. غير أن كل أسباب الثورة كانت متوفرة في العراق، بل ربما كانت أكبر، إلا أن أدوات القمع فيه كانت تختلف، فالعراق تحوّل، بعد 2003، بلدا ثيوقراطيا، بعد أن سعت أحزاب الإسلام السياسي الشيعية إلى استنساخ التجربة الإيرانية، مستفيدة من دور المرجعية الدينية في إحباط أي عمل ثوري جماهيري، قد يسعى إلى المطالبة بالحقوق، هذا بالإضافة إلى التحولات التي صادفت سنوات ما بعد الاحتلال، سواء المتعلقة بالحرب الطائفية التي تفجرت بين عامي 2006 و2008، أو ما أعقبها من ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) واحتلاله مدنا عراقية شمالاً وغرباً.
وبعد عامين أو أكثر من نهاية قصة "داعش"، واستعادة كل المدن التي سقطت تحت هذا التنظيم، وجد العراقي نفسه يدور في الدوامة نفسها التي اعتاد عليها عقب 2003، فالخدمات ظلت رديئة، والوظائف شحيحة، والبطالة في تزايد، والأحزاب تتقاسم المغانم، والفساد وصل إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، فما كان أمام الشباب العراقي إلا أن يخرج في تظاهراتٍ للمطالبة بالحقوق، إلا أنها هذه المرة كانت مختلفة. وخمسة أسباب تجعل من هذه التظاهرات تختلف عن سابقاتها في بغداد أو البصرة، أو حتى التي شهدتها المدن "السّنية" إبّان حكم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي:
أولا، لم تكن التظاهرات هذه المرّة حزبية، فقد بدأت على شكل دعوات على مواقع التواصل 
الاجتماعي، من دون أن تتبنّاها أي جهة سياسية أو تيار ديني، كما سابقاً. ومن هنا، يمكن عدّها تظاهرات شعبية عفوية. ثانيا، اقتصرت التظاهرات على المدن الجنوبية "الشيعية" وبغداد، بمعنى أنها تظاهرات جمهور أحزاب السلطة والتيارات الدينية التي غالباً ما كانت تقدّم الدعم للعملية السياسية وأحزابها. ثالثا، غالبية المتظاهرين هم من فئة الشباب غير المتحزّب، والذي كبر ونشأ وترعرع في عراق ما بعد 2003. بالتالي، فإن الحديث عن أي أجندات خارجية، كما حاولت بغداد ترويج ذلك، أو وقوف حزب البعث وراء تلك التظاهرات، كان بلا معنى. رابعا، بدأت هذه التظاهرات مطلبية ثم تحولت سياسية، بمعنى أنها كانت تطالب بالوظائف ثم الخدمات، قبل أن تتحوّل مطالبات سياسية بعد استخدام الرصاص الحي وبكثافة ضدها منذ اليوم الأول، فكان أن تحولت المطالب إلى رفض العملية السياسية بالكامل، والمطالبة بمحاكمة كل أحزاب السلطة. خامسا، هذه المرة الأولى التي تتجاوز التظاهرات في العراق خط المرجعية الدينية الذي طالما كان يعتبر خطاً أحمر، فبعد القمع الكبير الذي تعرضت له، وصمت مرجعية النجف عنه، وجد المتظاهرون أنفسهم بلا أي غطاء، حتى غطاء المرجعية التي طالما اعتقدوا أنها حام للشعب، فكان أن علا صوت المتظاهرين، مهاجمين المرجعية الدينية ورموزها، في تحوّل مفصلي في مسيرة عراق ما بعد 2003.
مما تقدم، يمكن القول إن تظاهرات الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي سيكون لها ما بعدها، فحتى الحلول الترقيعية التي سارعت إليها السلطة في بغداد لا يبدو أنها ستكون مقنعة للمتظاهرين، وخصوصا أن عمليات القمع والقنص والقتل التي تعرّضوا لها لا يمكن أن تمر مرور الكرام، فخلال ستة أيام فقط وصل عدد شهداء التظاهرات في بغداد والمدن الجنوبية إلى أكثر من مائتين، عدا عن سبعة آلاف مصاب، بعضهم بإصابات مميتة، في حين تشير تقديرات إلى وجود أكثر من ألف معتقل، بينما كان ما تعرّضت له وسائل الإعلام العاملة في بغداد خسارة أخرى للسلطة في بغداد التي ظلت تقدّم نفسها مدنيةً ديمقراطيةً تتعهد بحماية الرأي، فقد اضطر مئات من الإعلاميين لمغادرة بغداد، بعد ما تعرّضت له مكاتبهم وقنواتهم الإعلامية من تخريب وتدمير على يد قوات أمنية، تضاف إلى ذلك التهديدات التي كانت تصل إلى عشرات منهم.
الأخطر أن التظاهرات كشفت عن وجود جهة أخرى يمكن أن تدير المشهد السياسي والأمني في العراق، في حال تعرّض لأي تهديد، وهي، كما ذكرت تقارير إعلامية وتسريبات، فصائل الحشد الولائي التي تدين بالولاء للولي الفقيه في إيران، وهي الجهة التي يبدو أنها كانت وراء عمليات استهداف المتظاهرين بهذا الشكل الدموي، فقد قال رئيس الجمهورية، برهم صالح، بعد أربعة أيام من انطلاق التظاهرات، إنه لم يكن هناك أي أوامر للقوات الأمنية بإطلاق النار، واتهم جهةً أخرى لم يسمها بالتسبب في ذلك.
توقفت التظاهرات بسبب القمع الكبير والدموي الذي تعرضت له، ولكن هذا ليس كل شيء، فتنسيقيات الثورة العراقية أعلنت، في بيانات لها، أنه سيتم تأجيل التظاهر إلى ما بعد أربعينية الإمام الحسين التي تصادف يوم 19 أكتوبر، متوعدة السلطات بتظاهراتٍ أخرى، وهو ما يدفع إلى القول إن الربيع العراقي قد حل، وإنْ في غير موعده العربي.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...