18 سبتمبر 2017
هل انتحر الجنرال؟
دخل مكتبه، ونظر إلى مساعده، وقال: للإله الحمد، قمنا بالانقلاب الأسهل في التاريخ، سيُدرس ما فعلناه في كُتب الانقلابات المُحكمة. على الرغم من أن الاجتماع لم يحضره سوى اثنين من رفقائي الجنرالات، إلا أنه كان جيداً. اتفقت مع رفقائي الجنرالات على ثلاثة أمور، وتعمدت أن لا أذكر الرابعة، وقد مرت. اتفقنا على أن يكون ولاؤهم كاملاً لي، وأن لا يدخلوا في تحالفات مع المدنيين، وأن لا يقوموا بانقلاب ضدي. سأل المساعد: وما الرابعة؟ قال الجنرال الكبير: أن لا نسجل لبعضنا مناقشات ومكالمات، كما فعلنا مع الرئيس السابق. التسجيلات تفعل ما لا يمكن أن تفعله المؤامرات.
في مكتب آخر جانب القاعة الرئيسية، دخل الجنرال ونظر إلى مساعده، وقال إن الاتفاق مع الجنرال الكبير مرّ كما أردت. سأل المساعد: كيف؟ أجاب: اتفقنا على ثلاثة أمور، وتعمدت عدم ذكر الأمر الأخطر والأهم. سأل المساعد: ما هو؟ قال: أن لا يسجل بعضنا لبعض أحاديث، وأن لا نستخدمها ضد بعضنا. التسجيلات تفعل ما لا يمكن أن تفعله وسائل الإعلام المُسيطر عليها.
في مكتب ثالث، بجانب مكتب الجنرال الكبير، دخل الجنرال وضحك ضحكة صفراء، وقال لمساعده: تم الاجتماع بالضبط كما خططت له. لم نذكر ولم نتفق على ماذا سنفعل بالتسجيلات التي سيتم تسجيلها في غرف القصر التي ملأناها أجهزة تسجيل، في عهد المدنيين السابق. التسجيلات تفعل ما لا تفعله المؤسسات الدينية الخاضعة لنا.
في أحد المطاعم الشعبية، جلس أربعة أشخاص، طوال القامة وبُنياتهم عريضة، ونظروا إلى
بعضهم، ثم ضحكوا بصوت مرتفع جداً، جعل كل نزلاء المطعم ينظرون إليهم باستغراب. أومأ أحدهم لباقي المجموعة، وقال: يا جنرالات، قمنا بعمل عظيم. لم نحضر الاجتماع مع الجنرال الكبير، كنت أخشى أن يطلب منا أن ننزع أجهزة التنصت التي زرعت في كل ركن من أركان القصور والمؤسسات. كان سيكون شاقاً أن نفعل ذلك، حيث أعتقد أن هذا الجنرال لا يمكنه الاستمرار فيما اتفقنا عليه قبل شهور. لا أعتقد أنه سيطيع أوامرنا، وأعتقد أنه سيعتقد في نفسه القدرة على حكمنا، وسيصدق أن له كاريزما، كما تروج وسائل الإعلام والمؤسسات الدينية التي نسيطر عليها. ستعمل التسجيلات ما لا تستطيع الجيوش المدربة القيام به.
بعد شهور، حدث في البلاد والعباد الكثير. لم يستطع الجنرال الكبير أن يُخرج الناس من الفقر، وزاد الفقراء فقراً، وهرب الأغنياء من البلاد، وسيطرت حفنة صغيرة كمبرادورية وعسكرية على ثروات البلاد. أصبح العامة يتحدثون بدون خوف عن الوعود الكاذبة التي أطلقها الجنرال الكبير، يوم جلوسه على عرش البلاد. وعن تلك المؤسسات الدينية التي استخدمت الدين في إضفاء قدسية على الجنرال الكبير وحكمه. أصبح العامة يتحدثون أن لا حاجة لهم، بعد الآن، لدور العبادة والكهنة. وأن عليهم أن يبحثوا عن دين جديد، حيث لا يوجد احتكار لفهم الدين عند الكهنة. تحدث العامة في كل ركن في البلاد عن قوات الدرك، واستخدامهم أسلحتهم من دون رادع لقتل المواطنين في الشوارع. تحدث العامة عن رجال القضاء الذين ملأوا الأرض جوراً وظلماً، وأصدروا أحكاماً على المواطنين والمواطنات بالإعدام وبالسجن المؤبد، وبالغرامات التي لا يمكن للمواطنين الفقراء تحملها. حولوا الناس إلى عبيد.
نظرت الجدة إلى أحفادها، وقالت: في تلك الأيام، خرجت مجموعة تسجيلات على "فيسبوك" للجنرال الكبير، وهو يتحدث باحتقار عن شعبه، وباحتقار عن حلفائه في المؤامرة الكبيرة، ويستخدم ألفاظاً نابية يصف بها الجميع. تحرك عدد صغير من شعب المواطنين باتجاه مبنى الدرك يطالبون بالانعتاق من سيطرة دولة الجنرالات والكهنة والرأسماليين والمثقفين. لكن سرعان ما انضم إليهم آخرون. خرج هؤلاء الآخرون من كونهم عبيداً، وانضموا إلى شعب المواطنين (هذا ما تم توهمه). توسعت دائرة شعب المواطنين في أيام قليلة، وامتلأت الشوارع بهم. وخرج جنرالات في الراديو يعلنون انتحار الجنرال الكبير، وتركه رسالة يعتذر فيها للحلفاء والشعب عن أخطائه التي ارتكبت رغماً عنه، ويدعوهم إلى التوحد حول المؤسسة الأكثر استقرارا.. مؤسسة الجنرالات.
لم نعرف إذا كان الجنرال الكبير قد انتحر أو قُتل. لم نعرف إذا كانت الرسالة كتبت بيده، أم كتبها آخرون. ما نعرفه أن كتلة شعب المواطنين المتوهمة تفككت، وانسلخ منها، مرة ثانية، شعب العبيد. وعاد المواطنون أقلية، ينادون في الناس أنه لا يمكن الوثوق في الجنرالات. لكن، لم يسمع أحد.
يا أعزائي، شعب العبيد ليسوا الفقراء وغير المتعلمين، وإنما هم هؤلاء الناس الذين لا تستقيم كينونتهم، إلا بوجود سيد يتحكم بهم، ويأمرهم فيطيعونه، حتى لو كان حكمه ليس رشيداً. كانوا من المثقفين ورجال الدين والقضاء والإعلام والسياسيين وأشباه المناضلين. مرّت أجيال ولم نتعلم الدرس. في كل مرة يحكم جنرال، ثم نسمع أنه انتحر، أو قُتل، أو تنحى ليحكم جنرال آخر.. وآخر.. وآخر.
كنا أغبياء في أننا صدّقنا أن الجنرالات يمكن أن يحموا حريات المدنيين، ويقبلوا أن يطيعوا أوامرهم. في الواقع، تآمرنا، نحن المدنيين، على أنفسنا، وضد بعضنا، ولولا هذا ما حدث لنا ما حدث. قد يكون في الجيل الثالث أمل، فيفعل ما لم نفعله، ويقتل الجنرال الذي بداخله، أولاً، ويحرر الآخرين من عبودية السيد الجنرال. قد يكون هذا الجيل أفضل في ثقته بنفسه، وبُعده عن اختيار قياداتٍ إلا منه، فلا يوجد مناضل من جيل سابق، غير ملوث فكرياً أو عقدياً. كل من عاصر حكم الجنرالات حمل في جيناته أمراضهم من تعصب واستبعاد واستغلال وضيق أفق وفقر مخيال ونخبوية بغيضة.
لم تنته القصة.
في مكتب آخر جانب القاعة الرئيسية، دخل الجنرال ونظر إلى مساعده، وقال إن الاتفاق مع الجنرال الكبير مرّ كما أردت. سأل المساعد: كيف؟ أجاب: اتفقنا على ثلاثة أمور، وتعمدت عدم ذكر الأمر الأخطر والأهم. سأل المساعد: ما هو؟ قال: أن لا يسجل بعضنا لبعض أحاديث، وأن لا نستخدمها ضد بعضنا. التسجيلات تفعل ما لا يمكن أن تفعله وسائل الإعلام المُسيطر عليها.
في مكتب ثالث، بجانب مكتب الجنرال الكبير، دخل الجنرال وضحك ضحكة صفراء، وقال لمساعده: تم الاجتماع بالضبط كما خططت له. لم نذكر ولم نتفق على ماذا سنفعل بالتسجيلات التي سيتم تسجيلها في غرف القصر التي ملأناها أجهزة تسجيل، في عهد المدنيين السابق. التسجيلات تفعل ما لا تفعله المؤسسات الدينية الخاضعة لنا.
في أحد المطاعم الشعبية، جلس أربعة أشخاص، طوال القامة وبُنياتهم عريضة، ونظروا إلى
بعد شهور، حدث في البلاد والعباد الكثير. لم يستطع الجنرال الكبير أن يُخرج الناس من الفقر، وزاد الفقراء فقراً، وهرب الأغنياء من البلاد، وسيطرت حفنة صغيرة كمبرادورية وعسكرية على ثروات البلاد. أصبح العامة يتحدثون بدون خوف عن الوعود الكاذبة التي أطلقها الجنرال الكبير، يوم جلوسه على عرش البلاد. وعن تلك المؤسسات الدينية التي استخدمت الدين في إضفاء قدسية على الجنرال الكبير وحكمه. أصبح العامة يتحدثون أن لا حاجة لهم، بعد الآن، لدور العبادة والكهنة. وأن عليهم أن يبحثوا عن دين جديد، حيث لا يوجد احتكار لفهم الدين عند الكهنة. تحدث العامة في كل ركن في البلاد عن قوات الدرك، واستخدامهم أسلحتهم من دون رادع لقتل المواطنين في الشوارع. تحدث العامة عن رجال القضاء الذين ملأوا الأرض جوراً وظلماً، وأصدروا أحكاماً على المواطنين والمواطنات بالإعدام وبالسجن المؤبد، وبالغرامات التي لا يمكن للمواطنين الفقراء تحملها. حولوا الناس إلى عبيد.
نظرت الجدة إلى أحفادها، وقالت: في تلك الأيام، خرجت مجموعة تسجيلات على "فيسبوك" للجنرال الكبير، وهو يتحدث باحتقار عن شعبه، وباحتقار عن حلفائه في المؤامرة الكبيرة، ويستخدم ألفاظاً نابية يصف بها الجميع. تحرك عدد صغير من شعب المواطنين باتجاه مبنى الدرك يطالبون بالانعتاق من سيطرة دولة الجنرالات والكهنة والرأسماليين والمثقفين. لكن سرعان ما انضم إليهم آخرون. خرج هؤلاء الآخرون من كونهم عبيداً، وانضموا إلى شعب المواطنين (هذا ما تم توهمه). توسعت دائرة شعب المواطنين في أيام قليلة، وامتلأت الشوارع بهم. وخرج جنرالات في الراديو يعلنون انتحار الجنرال الكبير، وتركه رسالة يعتذر فيها للحلفاء والشعب عن أخطائه التي ارتكبت رغماً عنه، ويدعوهم إلى التوحد حول المؤسسة الأكثر استقرارا.. مؤسسة الجنرالات.
لم نعرف إذا كان الجنرال الكبير قد انتحر أو قُتل. لم نعرف إذا كانت الرسالة كتبت بيده، أم كتبها آخرون. ما نعرفه أن كتلة شعب المواطنين المتوهمة تفككت، وانسلخ منها، مرة ثانية، شعب العبيد. وعاد المواطنون أقلية، ينادون في الناس أنه لا يمكن الوثوق في الجنرالات. لكن، لم يسمع أحد.
يا أعزائي، شعب العبيد ليسوا الفقراء وغير المتعلمين، وإنما هم هؤلاء الناس الذين لا تستقيم كينونتهم، إلا بوجود سيد يتحكم بهم، ويأمرهم فيطيعونه، حتى لو كان حكمه ليس رشيداً. كانوا من المثقفين ورجال الدين والقضاء والإعلام والسياسيين وأشباه المناضلين. مرّت أجيال ولم نتعلم الدرس. في كل مرة يحكم جنرال، ثم نسمع أنه انتحر، أو قُتل، أو تنحى ليحكم جنرال آخر.. وآخر.. وآخر.
كنا أغبياء في أننا صدّقنا أن الجنرالات يمكن أن يحموا حريات المدنيين، ويقبلوا أن يطيعوا أوامرهم. في الواقع، تآمرنا، نحن المدنيين، على أنفسنا، وضد بعضنا، ولولا هذا ما حدث لنا ما حدث. قد يكون في الجيل الثالث أمل، فيفعل ما لم نفعله، ويقتل الجنرال الذي بداخله، أولاً، ويحرر الآخرين من عبودية السيد الجنرال. قد يكون هذا الجيل أفضل في ثقته بنفسه، وبُعده عن اختيار قياداتٍ إلا منه، فلا يوجد مناضل من جيل سابق، غير ملوث فكرياً أو عقدياً. كل من عاصر حكم الجنرالات حمل في جيناته أمراضهم من تعصب واستبعاد واستغلال وضيق أفق وفقر مخيال ونخبوية بغيضة.
لم تنته القصة.