تونس واليوم التالي

19 ديسمبر 2014

تونسي منخرط في الدعاية الانتخابية في مدينة سليانة (11ديسمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

السؤال الذي أطرحه، في هذه المقالة، مبنيّ على التجربة المصرية، ويتمحور حول مدى استعداد معسكر الثورة في تونس إلى اليوم التالي؟ أي بعد الأحد 21 ديسمبر/ كانون الأول 2014، والذي ستعلن فيه نتيجة الانتخابات الرئاسية، بعودة النظام القديم للسيطرة على مقاليد الحكم بالآليات الديمقراطية أو أنه سيتم إعادة الثقة في مرشح ينتمي إلى ثورة الياسمين؟

أولاً: علينا فك الارتباط بين الانتخابات الرئاسية والثورة التونسية، فالانتخابات ليست استفتاءً على الثورة. وهذا الربط يضر بالمخيال الثوري والروح الثورية، أكثر ممّا يفيد، واستخدامه في الحملة الانتخابية لتحفيز الناس على التصويت للمنصف المرزوقي خطأ لا بد من الرجوع عنه. فالثورة باقية ما بقيت روحها وشعاراتها خالدة في نفوس الناس. هؤلاء الناس الذين ينتمون إلى شعب المواطنين.

ثانياً: علينا أن نتفق أن الثورة في تونس، ودول الربيع العربي كلها، لم تحكم يوماً ما، ويخطئ مَن يعتقد غير ذلك. والدور الذي قام به المرزوقي، في الفترة السابقة، هو تحييد منصب رئيس الجمهورية في الفترة الحرجة من الاستقطاب السياسي العلماني الإسلامي، وجعله خارج نطاق الصراع السياسي، بقيامه باللاشيء سياسياً.

تشكلت، في الفترة السابقة في تونس، كتلة مهمة من المواطنين من الأعمار والطبقات والجهويات كافة، انخرط بعضها في الماكينة الانتخابية للمرزوقي، وبعضها لم ينضم له، ولن يصوّت له، ولا للباجي قايد السبسي، لعدم اقتناعهم بما قدمه، وما يمكن أن يقدمه لتونس في الفترة المقبلة. هذه الكتلة تملؤها طاقةٌ، عنانها السماء، ورغبة في القضاء على النظام السابق، فكراً وعملاً، ولديها من الإخلاص ما يجعلها مؤهلة للقيام بكل ما يمكن القيام به، من أجل الحصول على تونس حرة ديمقراطية، صالحة للحياة الكريمة، ليس للتونسيين فحسب، بل أيضاً لكل إنسان حر. تنتمي هذه الكتلة الحرجة اليوم، وهي بالملايين، للثورة وقيمها، وترى في ذاتها الأمل الوحيد للحفاظ، ليس فقط على ذاكرة الثورة التونسية، بل وذاكرة الثورة العربية برمتها، بعد الهزيمة الكبيرة التي مُنيت بها في دول الربيع العربي. هذه الكتلة الحرجة والحاملة للثورية، في فكرها ووجدانها، تقبع خارج دوائر مؤسسات الدولة (المخزن)، وهي لا تزال تعمل في سياق ثوري، لا يمكن للنظام السابق في تونس، على الرغم من فوزه بأغلبية مقاعد البرلمان، السلطة التشريعية، أن يقضي عليها، ولا على قدرتها في حشد دوائرها المتسعة، للحد من عودة إلى النظام بشكله القديم، أو أن يتلون في أشكال مختلفة.

ليس أمام الكتلة الثورية، ومَن يمثلها، سوى التحضير لليوم التالي، وإلا سوف يلاقون مصير الكتلة الحرجة في مصر، والتي لم تكن بالواقعية الكافية، لتحضر لسيناريوهات ما بعد السقوط.

لدينا هنا سيناريوهان: الأول فوز الباجي قائد السبسبي بالرئاسة، وهذا لا يعني هزيمة الثورة، بل يعني استمرار الروح الثورية في المجتمع، إن كان هناك إعداد جيد لليوم التالي، بمعنى جهوزية المشروع البديل الذي سيحمي الماكينة الثورية والاجتماعية والاقتصادية من الوقوع في الإحباط والتسليم. هذا ما حدث للكتلة الثورية المصرية، بعد 3 يوليو/ تموز 2013، فمنهم مَن اعتقل، ومنهم مَن نُفي طواعيةً، لفقدانه الأمل في التغيير، ومنهم مَن انتحر، لكي ينعتق من الحياة برمتها، بعودة رأس جديد لنظام بن علي للسلطتين، التشريعية والتنفيذية، والمشروع لا يمكن أن يكون حزباً سياسياً.

في الحقيقة، ضاعت الكتلة الثورية الملتفّة حول المرشح الرئاسي عبد المنعم أبو الفتوح، والتي كانت واعدة، وضاع هو شخصياً بسبب ضعف مخيالهم السياسي، وانحسار أفقهم في تكوينية الحزب السياسي. الحزب السياسي سيؤدي إلى فقدان الكتلة المدنية واستبعادها، وهي التي لا تنتمي فكرياً إلى أيديولوجيا حزبية، فالكتلة الحرجة عابرة أفقياً لكل التنظيمات الموجودة، حيث تجد فيها السلفي، والنهضاوي والاشتراكي والليبرالي وغير المؤدلج، وبالتالي، تكوين حركة اجتماعية لديها مشاريع محددة في قضايا محددة وواضحة (أمثلة: قضية الفساد، قضية إصلاح المؤسسة الأمنية، إصلاح الإعلام ومراقبة سياساته المعادية للثورة والداعمة لسياسات نظام الاستبداد وغيرها)، تنتظم فيها مكونات الكتلة الحرجة الثورية بآليات واضحة، وبمهام واضحة، سيكون هو التكوين الأفضل لاستيعاب مكونات الكتلة ودوائرها المرتبطة، ويعني، إذن، الحفاظ على كل العناصر الموجودة في هذه الكتلة.

السيناريو الثاني، فوز المنصف المرزوقي برئاسة تونس، وهو لا يعني فوز الثورة بالضرورة، ففوزه سيتم بهامش ضئيل عن مرشح النظام القديم، ما يعني وجود أعداد من الشعب التونسي غير مقتنعة به قائداً للمرحلة. ومن ناحية أخرى، سيعمل في وضع تقف فيه مؤسسات الدولة ضده، وليس معه البرلمان، ولا السلطة التنفيذية التي سيتم تشكيلها من تحالفات حزب نداء تونس، الحاضنة السياسية لمؤيدي النظام القديم، والمتطرفين من تيار اليسار، والذي يطلق عليهم اليسار الاستئصالي الراغب في إزاحة تيار النهضة، ولو بوسائل غير ديمقراطية. إذن، لا يمكن المنصف المرزوقي القيام بدور الحافظ للروح الثورية والكتلة الثورية بمفرده، ولن يتم ذلك، أيضاً، إلا بتشكيل المشروع الحاضن والمستوعب كل الكتل المكونة لكتلة المواطنين الذي من خلاله يمكّنه من التمكين للإصلاح، ومحاصرة أي محاولة لعودة النظام، من خلال تشريعات برلمان وسياسات حكومة تحالف "نداء تونس".

إذن، مشروع تشكيل التيار الجماهيري الحافظ للكلتة الثورية ضرورة في السيناريوهين، والتأخر في الإعداد لانطلاق هذا المشروع "الحركة الاجتماعية المنظمة" إلى ما بعد تمكن عودة النظام القديم يعني انتحاراً سياسياً لممثلي التيار الثوري، وإنهاء تماسك الكتلة الحرجة الثورية.

حفظ الله الثورة وتونس

EB663898-3457-459C-B1E2-A40FE222DCB7
نجوان الأشول

كاتبة مصرية، رئيسة المركز العربي لتحويل النزاعات والتحول الديمقراطي، باحثة دكتوراه في الحركات الاجتماعة والإسلامية بالجامعة الأوروبية، عملت باحث دكتوراه في المعهد الألماني للدراسات الدولية. تنشر مقالات بالعربية والانجليزية.