هل الذهب ملاذنا الآمن حقاً؟

18 يناير 2016
الذهب يعرف طلباً مرتفعاً (Getty)
+ الخط -
مع انهيار أسواق الطاقة العالمية، التي تعاني من تخمة المعروض، وارتفاع الطلب النسبي على الذهب، مستفيداً من كونه ملاذاً استثمارياً آمناً في أوقات الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، هوت العقود الآجلة لخام برنت إلى مستوى متدنٍ للغاية بالمقارنة مع المعدن النفيس. فقد ارتفعت أوقية الذهب أكثر من 4% هذا العام إلى نحو 1100 دولار، في حين تراجعت العقود الآجلة لخام برنت أكثر من 15% إلى ما دون الـ 32 دولاراً للبرميل، وبالقرب من أدنى مستوى له في 12 عاماً.

بحسبة بسيطة، تشتري أوقية الذهب اليوم نحو 35 برميلاً من النفط، وهو الرقم الأكبر منذ عام 1988، متجاوزة المعدل التاريخي بكثير الذي لا يتجاوز 16 برميلاً لأوقية الذهب الواحدة. وعند الأخذ بالاعتبار الاتجاهات التاريخية على المدى الطويل، فإن برميل النفط الخام عليه أن يتداول ضُعف سعره الحالي تقريباً من أجل الحفاظ على علاقاته النسبية التاريخية مع الذهب.
ومع تداول الذهب قرب أعلى مستوياته في شهرين، فإن سعره الحالي يشتري نحو 79 أوقية من الفضة، والتي تعتبر النسبة الأعلى منذ نصف عام تقريباً، حيث لم يتم تجاوز هذه النسبة في العقدين الماضيين إلا في خمس مناسبات سابقة، وفي كل مرة كانت فترة التجاوز لا تستمر لأكثر من ثلاثة أشهر. أما متوسط هذه النسبة، منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي إلى يومنا هذا، فيبلغ نحو 55 مرة، ومن أجل أن تنخفض النسبة الحالية، المرتفعة للغاية، إلى مستويات قريبة من متوسطها التاريخي، فعلى أسعار الفضة إما أن ترتفع بنسبة أعلى من الذهب، أو أن تنخفض بنسبة أقل منه.
في الواقع، أصبح الذهب أفضل حالاً خلال الفترة الأخيرة نتيجة لاضطراب الأسواق العالمية والتوترات الجيوسياسية في كل من الشرق الأوسط وآسيا، وهو ما دفع المستثمرين للبحث عن ملاذ آمن بعيداً عن الفضة التي تراجعت بسبب استئثار الاستخدامات الصناعية، المتراجعة عالمياً، بنصف الطلب، مقارنة مع 11% بالنسبة للذهب. رغم ذلك، يُظهر التاريخ أن الذهب، خلال فترة الأزمات، لم يكن قادراً على تجاوز هذه النسبة لفترة طويلة من الزمن.
على سبيل المثال، عندما بلغت نسبة أوقية الذهب إلى الفضة ذروتها في أغسطس/آب الماضي، إلى ما يقرب من 81 مرة، ارتفعت الفضة بنسبة 15% في الشهرين التاليين مقارنة بارتفاع بلغ 4%، فقط، للذهب خلال نفس الفترة.
وحتى عندما تمكن الذهب من تجاوز هذه النسبة على مدى شهرين، أيضاً، خلال ذروة الأزمة المالية العالمية في عام 2008، عادت الفضة لتتفوق على الذهب في السنة التي تلتها. هذا مؤشر هام يعطي دلالات واضحة بأن، قريباً جداً، سيبدأ المستثمرون بالنظر إلى مخاطر ارتفاع التقييم النسبي بين هاتين السلعتين والتي، عندها، ستبدأ الفضة بتحقيق مكاسب مهمة على حساب الذهب.
وبعيداً عن التحليل التقني واتجاهات الأسعار التاريخية، فإن التوقعات باستمرار مجلس الاحتياطي الاتحادي في رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة من شأنه أن يُخفت بريق المعدن الأصفر، الذي لا يقدم عائداً على استثماراته، ويقلل بالتالي من جاذبيته الاستثمارية، ما قد يكون عاملاً مثبطاً على المدى القصير للمستثمرين الذين يفضلّون الاستثمار بالذهب.

إضافة إلى ذلك، فقد جاءت بيانات الوظائف الأميركية الأخيرة أفضل بكثير من المتوقع، ما يدعم الرأي القائل بأن الاحتياطي الاتحادي قد يجد سبباً كافياً لرفع أسعار الفائدة بمعدل ثابت، نسبياً، طوال عام 2016، وبالتالي، فإن الارتفاع المتوقع على قيمة الدولار سيزيد من الضغوط على أسعار العقود الآجلة للذهب. فالذهب، مثل غيره من السلع الأساسية المقومة بالدولار، يتحرك عادة في الاتجاه المعاكس للدولار، لأن ارتفاع الدولار يجعل الذهب أكثر تكلفة بالنسبة للتجار الذين يتعاملون بعملات أخرى.
وعلى جانب الطلب العالمي، فإن القلق المتنامي بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين يمثل مشكلة رئيسية، إذ أن الصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مستورد للمعادن. وفي حين أن المخاوف من هذا التباطؤ جعلت أسعار الذهب ترتفع في البداية، إلا أن عمليات بيع واسعة على المعدن النفيس، فيما بعد، أثبتت أنها أكثر قوة وصلابة. ومن المهم هنا أن نتذكر بأن نحو 91% من الطلب الفعلي يأتي من خارج الولايات المتحدة، ومعظمه في الأسواق الناشئة، مثل الصين والهند، وأن في كثير من الاقتصادات الأخرى، مثل روسيا وبيرو وجنوب أفريقيا وكندا والمكسيك والبرازيل، لا يزال الذهب يشهد في الواقع ارتفاعاً في الطلب.
(خبير اقتصادي أردني)
المساهمون