هل اقتربت نهاية العالم؟

05 مارس 2020
+ الخط -
(1) 
ثروة 1% من أغنى أثرياء العالم تفوق ثروات بقية العالم مجتمعة، يعني 1% يمتلكون أكثر من 99% من سكان العالم.
حين يتحدّث قادة العالم وزعماؤه عما يسمونه الإرهاب والتطرّف والتعصب والعنف وبقية مصطلحات القاموس المعاصر تخرس ألسنتهم عن التفوه، ولو بكلمة، عن قانون التوحش الذي يحكم العالم، فينتج مثل هذه المعادلة التي لا تنتمي إلا لعالم على شفا جرف هار.
لم تمر البشرية جمعاء بمثل هذه الظروف من الظلم والفحش على مدار كل تاريخها، وكل هذا بفضل النظام الذي فرضه منتصرو ما بعد الحربين العالميتين، الأولى والثانية، على "الناس المتعسين" الذين ربما لم يشاركوا لا في الحرب الأولى ولا الثانية.
بقية الأرقام صادمة في تفاصيلها. وعلى الرغم من أنها تعود إلى ما قبل سنتين تقريبا، وفقا لتقارير نشرتها منظمة أوكسفام الخيرية البريطانية، إلا أن الاعتقاد الأكيد أنها ازدادت قتامةً وتوحشا، فلم تندلع، منذ أعلنتها، أي ثورات كونية تقلب المعادلة، بل ازداد الفقراء فقرا، وتدهورت أحوال من كانوا يقيمون في "الوسط".
(2)
تقول تفاصيل الأرقام إن ثروات 62 شخصا من أغنى أغنياء العالم تعادل جميع ثروات نصف 
سكان العالم الأفقر. "بدلا من تأسيس اقتصاد من أجل ازدهار سكان العالم أجمع والأجيال المقبلة، خلقنا اقتصادا لنسبة 1% من الأثرياء". هكذا تحدثت تقارير "أوكسفام". ووفقا لبيانات حصلت عليها المنظمة، تبين أن ثروات نسبة قائمة الـ1% الأغنى في العالم انخفضت بين عامي 2000 و2009 قبل أن ترتفع تدريجيا. تشير الأرقام المأخوذة من عام 2015 إلى أن نسبة الثروة التي تمتلكها القائمة فاقت ما كانت تمتلكه من قبل، بحسب تقرير عام 2000.
ويظهر تقرير آخر لمنظمة أوكسفام الفجوة الكبيرة في توزيع الثروة في العالم، وتركزها مع القلة القليلة. ويبين أن 3.5 مليارات شخص في العالم لا يملكون أي ثروة، بل إن كثيرين منهم مثقلون بالديون. بينما يمتلك أغنى 1% من السكان 48% من الثروة في العالم، ومن بينهم 35 مليون مليونير يمتلكون 44% من الثروة العالمية!
الأرقام الصادمة كثيرة، وربما يقول قائل إن الفقر والعوز يتركز فقط خارج العالمين الأول والثاني، لكن الواقع يقول شيئا آخر، فقوانين التوحش التي سنّها مجرمو الحرب، وزعت "الكارثة" على كل بقعة في هذا العالم، ففي دول الاتحاد الأوروبي مثلا يقع 120 مليون شخص تحت خط الفقر، ويعيش 28 مليون طفل في عائلات لا تستطيع أن توفر لهم الاحتياجات الأساسية من مأكل ودواء وتعليم وسكن. وفي المقابل، 40% من الثروة في أيدي 1% من الأغنياء الأوروبيين، بحسب ما كشفت عنه نقاشات داخل البرلمان الأوروبي عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في القارة!
أما في البلاد التي تحكم العالم، وتسرق ثرواته، فللفقر والجوع أنيابٌ لا تقل شراسة عن جوع أفقر القارات: أفريقيا، يرد في كتاب "من يحكم أميركا؟" للكاتب ويليام دومهوف، أن توزيع الثروة في أميركا يكشف جشع الطبقة الغنية في المجتمع ونفوذها. فإن 1% (طبقة الأثرياء) يملكون ما يقرب من 34% من الثروة في الولايات المتحدة، بينما يملك 80% ما يقارب 16% منها فقط. وأظهرت دراسة أعدها مركز بيو للأبحاث، نُشرت في يناير/كانون الثاني 2015، أنه في عام 1970 كان كل ثلاثة دولارات من أصل عشرة تستحوذ عليها العائلات الأكثر ثراءً في الولايات المتحدة. أما الآن فإن تلك العائلات تستحوذ على خمسة دولارات من أصل كل عشرة. وفي يونيو/حزيران 2016، أظهر تقرير لإدارة الضمان الاجتماعي، وهي وكالة حكومية أميركية مستقلة، أن نصف العائلات الأميركية تقريباً ليس لديها أي مدّخرات مالية، وعليها اقتراض المال، أو بيع بعض الممتلكات، حتى تتمكن من تغطية أي إنفاق طارئ. كما أوضح التقرير أن مقابل كل مائة دولار كانت تدّخرها عائلة متوسطة عام 2001، انخفضت المدخرات الآن إلى 72 دولاراً.
(3)
ليون برخو، أستاذ جامعي وباحث وإعلامي سويدي، من أصل عراقي، نشر مقالا استقى عنوانه 
"نهاية العالم"، من مقال نشرته مجلة نيوساينتست (New Scientist). يحمل الشق الأول منه العنوان ذاته، ويتنبأ الثاني بفناء الحضارة الغربية، وأحدث صدى كبيرا في الصحافة الغربية. ويذكر برخو أن مقال المجلة ركز على الحضارة الغربية، وأتى من الأدلة والبراهين والأمثلة ما يجعل نهاية هذه الحضارة قادمة لا محالة، وأن اللوم على أصحابها، وليس على ما أتت به الكتب الدينية أو ما يروّجه أصحاب نظريات الفناء أو نهاية الدنيا. ويضيف: أعيش في الغرب، وألاحظ في السنين الأخيرة خشية كبيرة من أن الحضارة الغربية صارت على شفا الهلاك والنهاية. المشكلة الكبرى التي يواجهها الغرب التي قد تؤدي إلى فناء حضارته الحديثة تكمن في أن هذه الحضارة جعلت عيش الفرد الواحد مكلفا جدا من عدة أوجه، منها المعاشية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، مكلفة إلى درجة أن الأرض ومصادرها لم يعد بإمكانها تحمّل عبء تكلفتها.
ما تحدّث عنه برخو هو أحد أهم جوانب المشكلة التي نعاني منها في الشرق، فقد أصبحنا "غنيمة" للغرب، باعتبارنا أحد "المصادر الطبيعية" على الأرض، التي يتوجب عليها توفير الرفاهية لحكام العالم الأول وشعوبه، وفق تقسيماتهم، فهم من يضعون قوانين الأرض، (معادلة مجلس الأمن مثلا والفيتو)، وهم الذين يصنفون الدول إلى مارقة أو متمردة، ويصنفون الأديان والأمم إلى متطرفين أو معتدلين، وهم من يملكون كل أو جل الثروات، ويتحكّمون بها، (إذا أصيب رئيس الولايات المتحدة بالمرض مثلا، اهتزت بورصات العالم). وفي الجملة، سدنة الغرب ومجالس "حكمائهم" من ظهر منهم ومن بطن، يمتلكون مفاتيح دمار أو عمار الأرض والبشرية جمعاء، ولهذا نرى ذلك الاختلال الكارثي في معادلة الثروة، وتركّزها في أيدي ثلة قليلة من البشر، (1% يمتلكون أكثر مما يمتلك الـ99%)، ورأينا أيضا كيف يعيش نحو نصف سكان الأرض على أقل من دولارين يوميا للفرد، وهذا معيار الفقر المطلق العائد إلى نقص الدخل. ويعيش حوالي خمس السكان على أقل من دولار يوميا للفرد، وهذا حد الفقر المدقع. ورأينا كيف تتوزع خريطة الفقر على كل الدول، وإنْ كان حظنا في الشرق والجنوب هو حظ الأسد، (نسبة متوسط الدخل في الدول الغنية إلى الدول الفقيرة 37:1%).
هذه المعادلة غير قابلة للاستمرار، على المديين المتوسط والبعيد، وهو ما ينذر بحدوث تغيرات 
جذرية، تعيد المعادلة إلى وضعها الطبيعي، ولعل هذا ما يشير إليه العلماء، حين يتحدثون عن "نهاية العالم"، وهو في الحقيقة نهاية قانون التوحش وبداية قانون العدالة. وهذا ليس ضربا بالغيب، بقدر ما هو استقراء علمي واقعي، فالعالم يموج اليوم بالتغيرات الكونية، والانفجار المعرفي لم يبق شيئا مستورا، والشعوب الجائعة لا يمكن لها أن تبقى في انتظار الموت، فيما تُنهب ثرواتها وتهدر كرامتها من أجل أن تبقى على قيد الحياة.
حين نستقرئ واقع الفقر والجوع في عالمنا "المتقدم" جدا، ينصرف الذهن إلى واقعتين كونيتين، لم يشهدهما تاريخ البشرية، إلا قبل نشوء قانون التوحش الغربي: الأولى حينما دار عمال الخليفة المسلم في الأمصار يبحثون عن فقير، فلم يجدوا أحدا لأخذ مال الزكاة، فكان كل رعايا الخليفة مكتفين، والثانية حينما نادى منادي الخليفة انثروا القمحَ على رؤوس الجبال، حتّى لا يقال جاعَ طيرٌ في بلاد المسلمين.. وهذا هو الفرق بين قانون التوحش السائد اليوم وقانون العدالة الذي سيسود ولو بعد حين.