هل استعجل النظام إعلان الانتصار في دير الزور؟

07 سبتمبر 2017
2600 غارة روسية دعماً للنظام بدير الزور(جورج أورفليان/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن النظام السوري كان مستعجلاً يوم الثلاثاء، شأنه شأن حليفيه الروسي والإيراني، لإعلان ما يسميه "انتصار" دير الزور، وهو تطور سرعان ما تحول لمادة تضخيم إعلامي. وأثار النظام ضجة إعلامية واسعة "ابتهاجاً" بما قيل إنه رفع للحصار الذي فرضه تنظيم "داعش" على قوات نظام بشار الأسد في مطار دير الزور العسكري، وبعض الأحياء الملاصقة به، إضافةً إلى موقع "اللواء 137"، لما يزيد عن 3 سنوات. وجنّد النظام وسائل إعلامه لتصوير الأمر وكأنه طرد "داعش" من المدينة، وللترويج لما وصفه بـ"الانتصار الاستراتيجي". وتم التعامل مع الحدث يوم الثلاثاء وكأن الأمر قد أنجز، أو كأنه "انتصار تاريخي" للأسد، فيما تشير المعطيات الميدانية إلى أن "الانتصار بفك الحصار" لم يتجاوز التقدم الجزئي الذي لم يستمر.

كان التصوير ينقل من الصحراء حيث لا معلم واضحا للمنطقة، سوى ما قاله المذيع أو المقاتلون وعلى رأسهم العميد عصام زهر الدين، قائد "اللواء 104 حرس جمهوري"، والذي لمع نجمه في قمع المناهضين للنظام، واقتحام مناطق المعارضة، بأن "ما يظهر أمامنا هو الساتر الترابي للواء 137". وتقاسم المذيعون الأدوار، فأحدهم كان يقف إلى جانب زهر الدين ينتظر وصول القوات، وعندما سأل الأخير عن المسافة التي تفصلهم عنهم أجابه بأنها 2800 متر. والمذيع الآخر وهو شادي حلوة، أظهر بثه وجود بضعة مقاتلين يسيرون على طريق غير معبدة، ويعرض على مسافة بعيدة عنه نسبياً، أقل من 20 عسكرياً، قال إنهم يتجهون لملاقاة القوات المحاصرة في قاعدة "اللواء 137"، عبر ثغرة في الساتر الترابي. وتم تصوير لقاء المقاتلين والعناق المتبادل والهتافات للأسد، في ظل تحليق مكثف للطيران الحربي والمروحي الذي كان يقصف محيط المكان.


وقال الناشط الإعلامي عامر هويدي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "فك الحصار عن دير الزور لم ينجزه النظام سوى على وسائله الإعلامية، ومن تبعه من وكالات، فالعملية كلها تمت في مسافة لا تتجاوز ثلاثة كيلومترات بالقرب من قاعدة اللواء 137، وبحماية الطيران الحربي والمروحي، وعاد التنظيم وأطبق الحصار على اللواء 137، بعد غياب الطيران، عبر استخدام 4 مفخخات، إضافة إلى قتل عشرات من القوات النظامية"، بحسب قوله. ولفت إلى أن "التنظيم علق على مدخل دير الزور نحو 30 رأسا وجثة تعود لعناصر قوات النظام". وأضاف أنه و"بأكثر من خمسة اتصالات مع أحياء الجورة والقصور بدير الزور، تبين أنه لا يوجد أي تغير في مناطق السيطرة في مدينة دير الزور، وكل المناطق التي تم تصويرها هي تخضع لسيطرة النظام، حتى الاحتفالات داخل المدينة كانت مدفوعة من المليشيات"، بحسب تأكيده. وذكر أن "المعلومات الواردة حتى يوم (أمس الأربعاء)، لا تفيد بوجود تقدم جديد لقوات النظام بعد سيطرته على منطقة الشولا، التي تبعد عن المدينة نحو 22 كيلومتراً، ولا تزال الأوضاع غامضة"، على حد تعبيره. واعترف الجنرال الروسي سيرغي سوروفيكين بأن الفضل في تقدم قوات النظام السوري في دير الزور، يعود إلى الغطاء الجوي الروسي، وذلك عندما قال لوسائل إعلام روسية أمس الأربعاء، إن الطائرات الروسية نفذت أكثر من 2600 غارة في الأسبوعين الماضيين دعماً لتقدم قوات النظام السوري في دير الزور.

ورأى متابعون أن "وضع تنظيم داعش سيئ وهو ينهار بشكل متسارع، ويبدو أن هناك قرارا روسيا-إيرانيا، ضمن توافق دولي مع الأميركيين، للوصول إلى مدينة دير الزور، في حين لم يبق أمام قوات النظام والمليشيات الإيرانية، المدعومةً روسياً من الجو وعلى الأرض، عوائق تذكر للوصول إلى مدينة دير الزور والبدء بمعركة طرد داعش منها". وذكر مراقبون أن "ما تبقى أمام قوات النظام عبارة عن منطقة صحراوية مكشوفة يتفوق بها النظام وداعموه، ما تسبب بانسحاب التنظيم إلى داخل المدينة التي قد تشهد المعركة الحقيقية، في حال كان التنظيم جدياً في التمترس بالمدينة ومقاومة القوات المتقدمة".

وأكدت مصادر معارضة في دمشق، طلبت عدم كشف هويتها، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لقد أصبح جلياً أن المعارك التي تدور في سورية هي خاضعة بشكل شبه مطلق للتفاهمات الدولية، وخاصة بين الأميركيين والروس الضامنين للجهات الموجودة على الأرض، من فصائل معارضة إلى قوات النظام والمليشيات الإيرانية والموالية لها". وأضافت المصادر أنه "استناداً إلى ذلك، تتم على ما يبدو إعادة توزيع المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيمات الإرهابية، مثل داعش". وتابعت أن "هذا الأمر أصبح واضحاً عقب سماح الأميركيين للمليشيات الإيرانية والموالية للأسد بالوصول إلى منطقة الوعر في الريف الجنوبي لدير الزور على الحدود العراقية-السورية، وبالتالي قطع الطريق على الفصائل المعارضة في البادية من التوجه إلى الدير، وفتح طريق يصل إلى إيران، عبر مناطق سيطرة الحشد الشعبي في العراق، بسورية ولبنان حيث مقر حزب الله اللبناني"، وفق المصادر نفسها.

ورأت مصادر المعارضة أن "الطريق البري من الحدود الإيرانية مروراً بالعراق نحو الحدود السورية ثم اللبنانية، هو أحد أهداف إيران في سورية، إضافةً إلى أن مدينة دير الزور إحدى أغنى المدن السورية بالثروة النفطية". ولفتت إلى أنه "من الناحية العسكرية هناك تحالف استراتيجي اليوم بين روسيا وإيران، إذ أن مليشيات الأخيرة هي اليوم القوة الضاربة، في حين تحولت قوات النظام في غالبيتها إلى قوات تثبيت المناطق المسيطر عليها". وأوضحت المصادر أن "الروس فشلوا حتى اليوم بإحياء المؤسسة العسكرية التابعة للنظام، إنْ كان من ناحية التحاق السوريين بها جراء انعدام الثقة، أو من جهة أن تمتلك عقيدة قتالية"، بحسب المصادر.