هكذا تهرَّب 106 ألف ثري من الضرائب عبر "HSBC"

10 فبراير 2015
أحد أفرع مصرف "إتش إس بي سي" في سويسرا(Getty)
+ الخط -
زلزال مالي يضرب أوروبا حاليا، بسبب فضيحة المصرف البريطاني إتش إس بي سي، والتي تتعلق بمصير أكثر من 180 مليار يورو (230 مليار دولار)، تمثل قيمة إجمالي حسابات تعود لعشرات الآلاف من الشخصيات العالمية المرموقة، التي تعمدت استغلال المصرف في التهرب من ضرائب بمليارات الدولارات. وتعود الفضيحة إلى سنتي 2006 و2007.
وتعالت أصوات، المسؤولين الغربيين، بعد نشر هذه البيانات، للمطالبة بملاحقة المتورطين، وعلى رأسهم مصرف إتش إس بي سي سويسرا.
ولم يسبق أن ثارت شُبهات حول مصرف إتش إس بي سي سويسرا، تحديدا، لكن أفرع المجموعة البريطانية في بلجيكا وفرنسا، خضعت بالفعل لتحقيقات سابقة في فضائح مشابهة.
ويتعلق الأمر بنظام تهرّب ضريبي واسع، أتاحه المصرف في سويسرا، حسب ما نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية، التي استطاعت الحصول على أرشيفات رقمية لدى إتش إس بي سي، الفرع السويسري، سرَّبَها، سنة 2009، موظف سابق في المصرف يُدعى هيرفي فالسياني، لمصلحة الضرائب الفرنسية.
وتكشف البيانات، شبكة تهرب ضريبي لأكثر من 106 آلاف عميل دولي، و20 ألف شركة أوفشور لمبالغ مالية تصل إلى 180 مليار يورو. وفيما يخص فرنسا، فقط، فإن عدد المتهمين بالتهرب الضريبي يصل إلى 3000 شخص لمبلغ يتجاوز 5.7 مليارات يورو.
وتتمثل طريقة عمل هذا المصرف، في قيام مديري الحسابات التابعين له، بالبحث، بصفة غير قانونية، عن زبائن مفترضين، راغبين في إخفاء أموالهم والتهرب من بعض الضرائب، مثل الضريبة الأوروبية ESD (الضريبة على الادخار)، التي تم فرضها سنة 2005. ولهذا الغرض يلجأ مصرف HSBC في سويسرا، إلى مؤسسات أوفشور، مرتكزة، عموما، في دولة بنما أو الجزر العذراء البريطانية.
ومراكز أو مصارف الـ "أوفشور"، هي المصارف الواقعة خارج بلد إقامة المُودِع، وتكون غالبًا في بلدان ذات ضرائب منخفضة أو مؤسسات مالية لا تخضع للرقابة الدولية. وتتميز هذه المصارف بمزيد من الخصوصية، وهو مبدأ وُجد مع قانون المصارف السويسرية 1934، فضلا عن تمتعها بضرائب منخفضة أو معدومة، وسهولة الوصول إلى الودائع، وهي مزايا يحتاجها العملاء، لا سيما للحماية من عدم الاستقرار السياسي أو المالي في بلدانهم الأصلية.

ويسمح المصرف لزبائنه بسحب أموال ضخمة، بشكل منتظم، وبشكل خاص العملات الأجنبية، التي لا تستخدم في سويسرا. ولا يعدو هذا الأمر أن "يكون مشابها لما كان يحدث في هذا المصرف الخاص قبل الأزمة المالية، والذي لم تعد الحكومات تريده اليوم". كما يقول أرون ميلمان، وهو محلل في مصرف الاستثمار كاناكورد غينيوتي.
ويضيف ميلمان بأن "تصرفات مصرف إتش إس بي سي ليست مختلفة، جوهريا، عن تصرفات المصارف الأخرى المنافسة".
وتوضح هذه الفضيحة التي كشفتها قوائم الموظف السابق فالسياني، وجود العديد من تجار السلاح والمخدرات والكثير من مموّلي المنظمات الإرهابية.
وإن ما يفقأ العين هو تنوع المستفيدين من هذا المصرف. إذ يوجد أطباء فرنسيون يريدون تبييض مبالغ مالية لن يعلن عنها ضريبيا، وتجاز ألماس بلجيكيون. كما تكشف صحيفة لوموند، أن الكثير من العائلات اليهودية التي وضعت أموالها ومدخراتها في مكان آمن في سويسرا أثناء صعود النازية في أوروبا تم تشجيعها من قبل هذا المصرف، على الانخراط في نظامه المُريب.
وإذا كانت هذه الفضيحة قد أصابت في مقتل المصرف البريطاني، الذي أعلن عن "اعترافه وتحمله مسؤولية ما حدث في موضوع احترام قوانين وإجراءات المراقبة" إلا أنه تذرَّع بـ "استقلالية" فرعه السويسري.
وأكّد المصرف أن ما حدث من أخطاء يعود إلى الماضي، إذ "منذ سنة 2012 طوّر المصرف سياسة شفافية جديدة تسمح بإغلاق أي حساب مصرفي يثبت أن الزبون لم يُؤدّ واجباته الضريبية".
وهكذا انتقل عدد الحسابات من 30.412 ألف حساب في عام 2007، إلى10.343 ألف حساب فقط في عام 2014.
وحسب التقرير الصادر لعام 2013 عن مؤشر "فايننشيال سيكرسي إندكس"، فإن الثروات الخاصة المودعة في مراكز "أوفشور"، ولا تخضع لضرائب أو تُجبى منها ضرائب ضئيلة تتراوح بين 21 إلى 23 مليار دولار.
ووفقاً للتقرير الذي نشرته أخيراً " فايننشيال سيكرسي إندكس"، فإن الأموال غير الشرعية التي تتكون من أموال الجريمة والمخدرات والعصابات والساسة الفاسدين، التي تتحرك بين الدول سنوياً، تقدر بنحو 1.5 تريليون دولار.
وتنتهي معظم هذه الأموال إلى حسابات سرية في مراكز مالية معينة.
ويشير التقرير الى أن على رأس هذه المراكز سويسرا ولكسمبورج وهونج كونج وجزر الكيمان وسنغافورة.
وقال التقرير إن هذه المراكز تتمتع بحماية قانونية عالية تجعل من الصعوبة التعقب وتتبع الأموال، وبالتالي تستفيد عصابات الجريمة المنظمة والساسة الفاسدون وبطانتهم من هذه القوانين في تحويل أموال المخدرات أو الرشى والعمولات وإخفائها بعيداً عن أعين الرقيب.
وفي جزر الكيمان مثلاً، فإن مجرد السؤال عن معلومة مالية في المصارف، حول حجم الحسابات أو الودائع، يعد خرقاً لـ "السرية المصرفية" يعاقب عليه القانون.

وتضمنت قوائم الضالعين في هذه الفضيحة الكبرى، شخصيات مرموقة عالميا وعربيا، من بينهم ملكا الأردن والمغرب، وسلطان عُمان، وأمير البحرين، ووزير الصناعة المصري السابق رشيد محمد رشيد، وبلحسن طرابلسي أكبر رجل أعمال تونسي في عهد بن علي، والأمير بندر بن سلطان، ورامي مخلوف ابن خال بشار الأسد.
كما تورد الصحيفة أنه بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001 حدد المحققون شبكة تمويل للإرهاب تتضمن ما يقرب من عشرين شخصا من كبار المانحين لتنظيم القاعدة. وبعد 13 سنة كشفت هذه القوائم التي أزيح الستار عنها في إطار عملية سويس ليكس أن قسما من هذه الشخصيات وضع أمواله في مصرف إتش إس بي سي في سويسرا.
هل كان المصرف يعرف أن بعض هؤلاء ساهموا في تمويل الإرهاب؟ في معظم الأحوال، الجواب نعم، إذ لم يكن على المصرف إلاّ أن يقرأ الصحف، كما تقول صحيفة ألمانية. الكل كان يعرف. ولكن المال ليست له رائحة، كما يقولون.
وتصدرت الولايات المتحدة، قائمة المتهربين من الضرائب لدى "إتش إس بي سي سويسرا"، في ظل إصدار واشنطن قواعد ضريبية جديدة خصوصا قانون (فاكتا)، وهو قانون امتثال حسابات الأميركيين في الخارج للضرائب الأميركية، والذي أقرته واشنطن عام 2010، ودخل حيز التنفيذ عام 2014.
ويُلزم هذا القانون، المصارف الأجنبية بإبلاغ دائرة الضرائب الأميركية بحسابات وأصول زبائنهم الأميركيين.
ونظرا للتعقيدات الإدارية الناجمة عن هذا القانون، بات هؤلاء الزبائن يشكلون عبئا يُثقل كاهل هذه المصارف، بحيث أصبح من الصعوبة بمكان فتح حساب أو الاحتفاظ به خارج الولايات المتحدة، خصوصا أن العقوبات لا تشجع على مخالفة القانون، إذ تنص على حجز 30% من الاستثمارات الأميركية للمصارف.
ووافق ما لا يقل عن مائة ألف مصرف في أكثر من 100 بلد، بينها فرنسا وسويسرا ولوكسمبورغ، كلها اختارت الامتثال.
ومنذ إقرار المبادرة الأميركية، بدأت بعض الدول البحث عن عائدات مالية للسنوات العجاف، وخصوصا في ظل الضغوط التي يمارسها الرأي العام الذي يعارض فرض ضرائب جديدة.
ويقترح مدير مركز "موسكو للدراسات الصناعية"، فلاديسيف انيزوميتسيف، إلغاء مراكز "الأفشور" وإنشاء وكالة تقييم دولية للفساد في دول العالم المختلفة، وحرمان مواطني الدول الفاسدة من فتح حسابات في المصارف الغربية، حتى يتمكن العالم بكفاءة من محاربة أموال الرشوة والفساد وسرقة أموال شعوب العالم النامي.
وقال انيزوميتسيف، في مقال نشره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية والشؤون الخارجية ومقره واشنطن، قبل أسابيع، إن إلغاء مراكز "الأوفشور" سيحرم رجالات السياسة وكبار المديرين في الدول النامية من تحويلات أموال الرشوة والتسهيلات والعقود التجارية إلى حسابات لا يتم تدقيقها أو رقابتها في مصارف هذه المراكز. ويذكر أن إنجيل غوريا، الأمين العام لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، قدر كلفة الفساد السنوية على الاقتصاد العالمي بنحو تريليون دولار.
ووضعت صحيفة لوموند المعلومات تحت تصرف الشبكة الدولية للصحافيين الاستقصائيين في واشنطن، التي خضعت لتحليل 150 صحافيا تقريبا من 50 وسيلة إعلامية. وشملت الوثائق معلومات شخصية حول الزبائن وملاحظات المصرفيين وتحركات الحسابات.
وقالت الوزيرة الاشتراكية السابقة في الحكومة السويسرية، ميشلين كالمي، أمس: "أنا مستاءة جدا. مطلوب فتح تحقيق كحد أدنى"، مضيفة أن صورة سويسرا تضررت إلى حد كبير نتيجة هذه القضية.
وأكد وزير المالية الفرنسي ميشال سابان أنه ينبغي عدم التساهل مع "متهربي الماضي".

المساهمون