يوجد في برميل النفط نفس كمية الطاقة التي يستهلكها الإنسان على شكل سعرات حرارية في عشرة أعوام من العمل اليدوي. ويحتوي النفط، أيضاً، على أكثر من ضعفي الطاقة المتوفرة في الفحم، ونحو 2.5 ضعف الطاقة في مادة الخشب، فهو السائل الذي يمكن نقله بسهولة إلى جميع أنحاء العالم، والذي يزوّد مركباتنا بالوقود من أجل تسهيل تنقلاتنا المستمرة من مكان إلى آخر.
شهدت الولايات المتحدة الأميركية عصرها الذهبي للنمو الاقتصادي والازدهار خلال السنوات
الـ 25 التي تلت الحرب العالمية الثانية. مع ذلك، كان العصر الذهبي بمثابة ظاهرة فريدة استثنائية من غير المرجح أن تتكرر. إذ كانت اقتصادات وجيوش أوروبا واليابان في حالة خراب بعد عام 1945، في حين كانت الولايات المتحدة القوة الكبرى الوحيدة التي نجت من الحرب، ما منحها ميزة تنافسية هائلة.
علاوة على ذلك، كانت الولايات المتحدة من أوائل الدول في العالم التي تحولت بشكل كامل نحو الصناعات البترولية، وهي ميزة تنافسية أخرى.
في منتصف القرن الماضي، أنتجت الولايات المتحدة أكثر من نصف إنتاج العالم من النفط الخام، ما جعلها تحقق اكتفاءً ذاتياً من الطاقة، إضافة إلى الفائض في موازناتها العمومية. فقد كانت تكساس، أكبر ولاية أميركية منتجة للنفط، تسيطر على السعر العالمي من خلال هيئة السكك الحديدية التابعة لها، مستفيدةً من انخفاض سعر النفط حينذاك.
بدأ ذلك يتغير مع نهاية حقبة الستينيات. فمن جهة، أدى النهوض التدريجي لأوروبا واليابان وتحولهما لقوى اقتصادية عالمية إلى تحد للهيمنة التجارية الاقتصادية الأميركية. من جهة أخرى، ساهمت التكاليف الباهظة لمكافحة انتشار الشيوعية، خصوصاً في فيتنام، في إضعاف الاقتصاد الأميركي، حينها بدأت علامات الإنهاك تظهر عليه بوضوح.
اقــرأ أيضاً
في عام 1970، بدأ الاقتصاد الأميركي يدخل براثن الكساد الأمر الذي دفع الرئيس الأميركي السابق، ريتشارد نيكسون، إلى اتخاذ خطوات جذرية بما في ذلك وضع نهاية لحقبة دعم الدولار باحتياطيات من الذهب. محاكاة منها للإجراء الأميركي، قامت بقية الدول التي كانت جزءاً من "اتفاقية بريتون وودز" بفعل الشيء ذاته، ما تسبب بأكبر انخفاض عالمي لسعر العملات في التاريخ.
في مطلع السبعينيات، أصبحت الولايات المتحدة تنتج النفط عند طاقتها الإنتاجية القصوى حيث بلغ إنتاجها ذروته في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1970، قبل أن يبدأ بعد ذلك بالانخفاض.
شكّل الوضع الجديد لأسواق النفط فرصة لا تعوض بالنسبة لمنظمة أوبك، والتي طالما
اعترضت على التخفيض "المصطنع" لأسعار النفط كنتيجة للسياسة "الإغراقية" التي كانت تنتهجها الولايات المتحدة. والآن، فإن أوبك أصبح لديها النفوذ الكافي لتفعل شيئاً حيال هذا الأمر.
عام 1973، أعلنت منظمة أوبك فرض حظر نفطي على حلفاء "إسرائيل" بما في ذلك الولايات المتحدة خلال حرب أكتوبر، فكانت فرصة حقيقية لضبط أسعار النفط. بحلول شهر مارس / آذار من عام 1974 ارتفع سعر النفط صعوداً صاروخياً ليرتفع من ثلاثة دولارات للبرميل في أكتوبر/ تشرين الأول 1973 إلى 12 دولاراً للبرميل، ولم تشهد أسعار النفط أي انخفاض يذكر عندما انتهى الصراع العربي الإسرائيلي بعد ذلك ببضعة أشهر.
وتضاعفت أسعار النفط في عام 1980 إلى 25 دولاراً للبرميل عندما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية، والتي أدت إلى سحب أكثر من ستة ملايين برميل من السوق العالمية بحلول عام 1981، لتواصل ارتفاعها المذهل إلى مستويات قريبة من الأربعين دولاراً بنهاية عام 1982. في الواقع، كان تأثير ارتفاع الأسعار على الاقتصاد العالمي مدمراً للغاية، حيث انخفض الطلب العالمي على النفط بواقع عشرة ملايين برميل يومياً، ولم يعد إلى مستويات عام 1979 حتى عام 1994.
نتيجة لذلك، انحدر الاقتصاد الأميركي نحو الركود في منتصف 1981 وحتى عام 1982، وانخفض استهلاك النفط أكثر من 3 ملايين برميل يومياً. رفع رئيس الاحتياطي الفدرالي السابق، بول فولكر، أسعار الفائدة إلى أكثر من 17 في المائة بحلول عام 1981 بغية السيطرة على التضخم الناجم عن ارتفاع أسعار النفط.
على المدى القصير، فاقم هذا الإجراء المصاعب الاقتصادية بالنسبة للأميركيين، لكن، على المدى المتوسط، شكل أساساً متيناً للنهضة الاقتصادية في عهد رونالد ريغان. فخلال حقبة السبعينيات نجا جزء كبير من دول العالم النامي من صدمات النفط بالاقتراض من المصارف التجارية في الولايات المتحدة التي كانت تتمتع بأسعار فائدة مرتفعة.
لقد وجد فولكر فرصة ذهبية من بين ركام الصدمات النفطية. فمن جهة، تمكن من تحقيق نمو اقتصادي قوي أعاد عجلة الاقتصاد الأميركي للدوران الطبيعي من خلال رفع أسعار الفائدة، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتدعيم سعر صرف الدولار. ومن جهة أخرى، عمل فولكر على إعادة أسعار النفط إلى مستويات ما قبل الحظر النفطي عام 1973 ليعيد الحياة إلى اقتصاد بلاده، ويلحق أكبر ضرر باقتصاد الاتحاد السوفييتي، المعتمد بشكل أساسي على النفط، والذي انهار بحلول عام 1991.
(محلل اقتصادي أردني)
علاوة على ذلك، كانت الولايات المتحدة من أوائل الدول في العالم التي تحولت بشكل كامل نحو الصناعات البترولية، وهي ميزة تنافسية أخرى.
في منتصف القرن الماضي، أنتجت الولايات المتحدة أكثر من نصف إنتاج العالم من النفط الخام، ما جعلها تحقق اكتفاءً ذاتياً من الطاقة، إضافة إلى الفائض في موازناتها العمومية. فقد كانت تكساس، أكبر ولاية أميركية منتجة للنفط، تسيطر على السعر العالمي من خلال هيئة السكك الحديدية التابعة لها، مستفيدةً من انخفاض سعر النفط حينذاك.
بدأ ذلك يتغير مع نهاية حقبة الستينيات. فمن جهة، أدى النهوض التدريجي لأوروبا واليابان وتحولهما لقوى اقتصادية عالمية إلى تحد للهيمنة التجارية الاقتصادية الأميركية. من جهة أخرى، ساهمت التكاليف الباهظة لمكافحة انتشار الشيوعية، خصوصاً في فيتنام، في إضعاف الاقتصاد الأميركي، حينها بدأت علامات الإنهاك تظهر عليه بوضوح.
في مطلع السبعينيات، أصبحت الولايات المتحدة تنتج النفط عند طاقتها الإنتاجية القصوى حيث بلغ إنتاجها ذروته في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1970، قبل أن يبدأ بعد ذلك بالانخفاض.
شكّل الوضع الجديد لأسواق النفط فرصة لا تعوض بالنسبة لمنظمة أوبك، والتي طالما
عام 1973، أعلنت منظمة أوبك فرض حظر نفطي على حلفاء "إسرائيل" بما في ذلك الولايات المتحدة خلال حرب أكتوبر، فكانت فرصة حقيقية لضبط أسعار النفط. بحلول شهر مارس / آذار من عام 1974 ارتفع سعر النفط صعوداً صاروخياً ليرتفع من ثلاثة دولارات للبرميل في أكتوبر/ تشرين الأول 1973 إلى 12 دولاراً للبرميل، ولم تشهد أسعار النفط أي انخفاض يذكر عندما انتهى الصراع العربي الإسرائيلي بعد ذلك ببضعة أشهر.
وتضاعفت أسعار النفط في عام 1980 إلى 25 دولاراً للبرميل عندما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية، والتي أدت إلى سحب أكثر من ستة ملايين برميل من السوق العالمية بحلول عام 1981، لتواصل ارتفاعها المذهل إلى مستويات قريبة من الأربعين دولاراً بنهاية عام 1982. في الواقع، كان تأثير ارتفاع الأسعار على الاقتصاد العالمي مدمراً للغاية، حيث انخفض الطلب العالمي على النفط بواقع عشرة ملايين برميل يومياً، ولم يعد إلى مستويات عام 1979 حتى عام 1994.
نتيجة لذلك، انحدر الاقتصاد الأميركي نحو الركود في منتصف 1981 وحتى عام 1982، وانخفض استهلاك النفط أكثر من 3 ملايين برميل يومياً. رفع رئيس الاحتياطي الفدرالي السابق، بول فولكر، أسعار الفائدة إلى أكثر من 17 في المائة بحلول عام 1981 بغية السيطرة على التضخم الناجم عن ارتفاع أسعار النفط.
على المدى القصير، فاقم هذا الإجراء المصاعب الاقتصادية بالنسبة للأميركيين، لكن، على المدى المتوسط، شكل أساساً متيناً للنهضة الاقتصادية في عهد رونالد ريغان. فخلال حقبة السبعينيات نجا جزء كبير من دول العالم النامي من صدمات النفط بالاقتراض من المصارف التجارية في الولايات المتحدة التي كانت تتمتع بأسعار فائدة مرتفعة.
لقد وجد فولكر فرصة ذهبية من بين ركام الصدمات النفطية. فمن جهة، تمكن من تحقيق نمو اقتصادي قوي أعاد عجلة الاقتصاد الأميركي للدوران الطبيعي من خلال رفع أسعار الفائدة، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتدعيم سعر صرف الدولار. ومن جهة أخرى، عمل فولكر على إعادة أسعار النفط إلى مستويات ما قبل الحظر النفطي عام 1973 ليعيد الحياة إلى اقتصاد بلاده، ويلحق أكبر ضرر باقتصاد الاتحاد السوفييتي، المعتمد بشكل أساسي على النفط، والذي انهار بحلول عام 1991.
(محلل اقتصادي أردني)