هذه ليست لعبة

11 ديسمبر 2015
إحدى ضحايا العنف (لويس آكوستا/فرانس برس)
+ الخط -

تعود الإعلانات التمييزية مجدداً إلى الواجهة. هي لا تغيب أصلاً عن الصدارة في كونها واحدة من أكثر الصناعات تمييزاً وتسليعاً بحق النساء. فقد صدر أخيراً إعلان عن إحدى شركات العقارات في لبنان. "أبدع" (بالمعنى السلبي للكلمة) فيه فريق الإنتاج ليخرج بإعلان تمييزي فجّ يروّج لبيع الشقق في لبنان. في صورة الإعلان امرأة بعينين زرقاوين (لزوم الأدوات التسليعية بحق النساء) وكدمة حمراء مزرقّة حول عينها. والرسالة التي ترافق الإعلان: "شو بعدك ناطرة؟ صار فيكي تستقلّي" (ماذا تنتظرين؟ بات بإمكانك الاستقلال والسكن وحدك!).

في الإعلان المذكور عدة مستويات من التمييز والاستغلال الوقح لقضية العنف والنساء المعنّفات. استغلال المرأة المعنّفة ولو كان للترويج لقضية العنف أو التوعية حولها، هو أمر غير مقبول، فكيف إذا كان هذا الاستغلال يتم بغاية الربح؟ تفوّقت شركات الإعلانات على نفسها مرة أخرى، ليس في تسليع النساء هذه المرة وحسب، بل في تسليع قضايا النساء المحقة والجدية مثل قضية العنف الأسري. تخيلوا ماذا يمكن أن تشعر النساء المعنّفات اللواتي قد يشاهدن أن معاناتهن تم اختزالها وتبخيسها إلى هذا المستوى؟

بالإضافة إلى ذلك، تعاطى هذا الإعلان مع قضية العنف وكأنها أمر طبيعي. هناك شعرة فاصلة بين أن يسلّط الإعلان الضوء على قضية العنف من أجل التوعية حول ضرورة وضع حد له، وبين أن يتم التسويق للعنف عبر تطبيعه أولاً، واستغلال "ضحاياه" للترويج لخدمات ربحية ثانياً.

اللافت، إيجاباً، كانت ردة فعل "الجمهور" على مواقع التواصل الاجتماعي الذي أثار عاصفة غضب واستنكار طالبت الـ"فايسبوك" مثلاً بالإبلاغ عن الصورة كونها مسيئة للنساء. يشير ذلك إلى قاعدة وعي أساسية لدى الناس، نساءً ورجالاً، الذين رفضوا بشكل عفوي كل التمييز والاستغلال بحق النساء. قد يكون فريق الإنتاج "الفذ" عمد أن يكون الإعلان صادماً، فكل حشد جماهيري – ولو كان سلبياً – هو في نهاية المطاف حشد يحصد الاهتمام. لكن من الضروري أن نتساءل عن الوسائل التي استخدمت من أجل تحقيق هذا الطموح المتدني والهادف للربح.

العنف ضد النساء ليس موضة، ولا هو أمر "إكزوتيك" يتم التبجّح به من أجل حصد شهرة أو اهتمام جماهيري. الشركة التي قامت باستغلال النساء بهذا الشكل يجب مقاضاتها، والضرر الذي سببه هذا الإعلان يجب تعويضه مهما كان حصر الضرر (لا سيما المعنوي) صعباً وربما مستحيلاً. على بعض شركات الإعلانات في لبنان التوقف عن التلاعب بحياة الأشخاص ومعاناتهم وقضاياهم.
(ناشطة نسوية)

اقرأ أيضاً: عن أيّ عنفٍ نتكلم؟
المساهمون