يتساءل مراقبون عن خلفيات "تفريخ" العديد من "التنظيمات الجهادية" بالشمال السوري، بالتزامن مع النكسات التي تمنى بها يوميا "هيئة تحرير الشام" على يد فصائل المعارضة، وفي ظل حديث عن توجه النظام السوري لتنفيذ عملية عسكرية واسعة هناك بزعم "محاربة الإرهاب".
وفي السياق، أصدر ما يسمى بتنظيم "حراس الدين"، الذي يقال إنه تشكل مؤخرا في الشمال السوري، بياناً دعا فيه "هيئة تحرير الشام" و"جبهة تحرير سورية" إلى وقف الاقتتال بينهما، والتفرغ لقتال النظام وتوحيد جهودهما لـ"تخفيف الضغط عن الغوطة الشرقية".
وبحسب بعض المعطيات، فإن التنظيم الجديد يتألف من عدة تشكيلات وخلايا تتبع لتنظيم "القاعدة" في محافظتي إدلب واللاذقية، انشق معظمها عن "هيئة تحرير الشام" وقبلها "جبهة فتح الشام"، مثل "جيش الملاحم" و"جيش البادية" و"جند الشريعة" و"جيش الساحل"، وعدد من السرايا، مثل "سرية كابول"، وذلك تحت قيادة أبو همام الشامي.
وتشير هذه المعطيات إلى أن أغلب التشكيلات المكونة للتنظيم الجديد تتكون من المنشقين عن "جبهة فتح الشام" في الشمال السوري، على خلفية اعتقال "هيئة تحرير الشام" عددا من المشرعين التابعين للتشكيل قبل الإعلان عن كيانهم، مشيرة إلى أن التنظيم يضم عددا من قيادات "جبهة النصرة" السابقين المتشددين، ممن رفضوا فك الارتباط مع تنظيم "القاعدة" وتحولها لـ"هيئة تحرير الشام"، منهم أبو جليبيب طوباس وأبو خديجة الأردني وسامي العريدي وأبو عبدالرحمن المكي.
وأنشأ التنظيم الجديد حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر بيانه الأول الذي دعا فيه إلى "نصرة غوطة دمشق الشرقية"، وتوعد بـ"شن عمليات عسكرية ضد قوات النظام السوري"، كما دعا الفصائل العسكرية بالشمال السوري لـ"وقف الاقتتال فيما بينها".
وشكك مراقبون في مثل هذه الإعلانات التي سبق أن ظهر ما يشبهها قبل أشهر، دون أن يكون لها وجود حقيقي على الأرض، وقد تكون مجرد دسائس من أوساط النظام لتبرير مواصلة استهداف مناطق الشمال السوري بزعم "محاربة الارهاب".
ورأى المحلل العسكري، العميد أحمد رحال، أن إعلان هذا التنظيم الجديد "مجرد لعبة جديدة لإعادة إنتاج "جبهة النصرة" تحت مسمى جديد وجمع كل تنظيمات "القاعدة" في سورية".
وقال رحال، في حديثه مع "العربي الجديد"، إن "هذه التنظيمات كانت موجودة في الأصل، لكنها لم تكن تكشف عن هويتها وتوجهاتها الحقيقية، لكن التراجعات الأخيرة التي أصابت "هيئة تحرير الشام" في قتالها مع فصائل المعارضة الأخرى شجعتها على الإعلان عن نفسها، وربما تطرح نفسها كمنقذ لـ"جبهة تحرير الشام"، وتحاول استيعاب الأخيرة في كيانها الجديد، بعد أن اضطرت في أوقات سابقة إلى فك ارتباطها مع تنظيم "القاعدة"".
من جهته، أوضح العقيد فاتح حسون عسكري، قائد "حركة تحرير الوطن" وعضو وفد المعارضة لمفاوضات أستانة، أنه لا علم له بهذا التشكيل، و"هذا ما زال خبرا إعلاميا، ولا نعرف أحدا تبنى هذا التشكيل بشكل رسمي".
وأضاف حسون، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنه "لا يمكن بطبيعة الحال أن نعتبر عدة أشخاص أعلنوا بيانا عن تشكيل ما بأنه أصبح هناك تشكيل حقيقي وفاعل على الأرض".
وكانت برزت مؤخرا تحركات للمنشقين عن "جبهة فتح الشام" في الشمال السوري، على خلفية اعتقال "هيئة تحرير الشام" عددا من الشرعيين المتشددين السابقين في "الهيئة"، والذين يعتبرون من كبار منظري فكر "القاعدة"، ومنهم أبو جليبيب الأردني وسامي العريدي، لكن الهيئة عادت وأفرجت عنهم بعد تدخل زعيم تنظيم "القاعدة"، أيمن الظواهري، وآخرين، حيث أفرجت، في 11 كانون الأول 2017، عن العريدي بعد اعتقاله لنحو أسبوعين.
من جهته، أفاد الصحفي والناشط شادي عبدلله، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأن التشكيل الجديد "ما زال غامضا، وقد يكون مجرد فقاعة إعلامية لاستنهاض القوى المتشددة في الشمال السوري في ظل النكسات التي تمنى بها يوميا "هيئة تحرير الشام" على يد فصائل المعارضة".
واستذكر عبدلله إعلانا مماثلا جرى قبل حوالي شهرين في الشمال السوري لتنظيم "أنصار الفرقان"، والذي لم يسمع به أحد بعد ذلك، مشيرا إلى "الطابع الدعائي لمثل هذه الإعلانات التي قد يستهدف منها أصحابها تحقيق أهداف وقتية".
ولا يستبعد المتحدث ذاته، في الوقت نفسه، أن يكون لأجهزة الاستخبارات، خاصة تلك التابعة للنظام السوري، دور في مثل هذه الإعلانات، لتظل الذريعة قائمة في استهداف الشمال السوري، والذي تشير كل التوقعات إلى أنه سيكون المحطة التالية لمحور النظام السوري- روسيا- إيران بعد الغوطة الشرقية، والتي يجري استهدافها اليوم بزعم وجود تنظيم "النصرة" فيها، خاصة أن "توقيت الإعلان مريب"، ويأتي مع الأنباء المتواترة عن انحسار تنظيم "هيئة تحرير الشام" في الشمال السوري، نتيجة الاشتباكات الأخيرة، فتم على الفور تصنيع بديل لمواصلة استهداف المنطقة.