09 يناير 2017
هذه الزيارات "التطبيعية" للأراضي الفلسطينية
دانا الكرد
باحثة فلسطينية وطالبة دكتوراة في العلوم السياسية في جامعة تكساس في الولايات المتحدة.
الخطوات التطبيعية مع إسرائيل آخذة في التسارع، إنْ على صعيد زيارات صحافيين وأكاديميين من المغرب العربي إلى الكيان الغاصب، بدعوة من وزارة خارجية الكيان الإسرائيلي، أو زيارات فردية لكويتيين إلى القدس المحتلة. مع أنباء عن احتمال بدء رحلات مباشرة من الكويت إلى القدس. علاوة على أخبار عن علاقات بين الإمارات وإسرائيل، فالأمثلة أصبحت متعددة للأسف.
قبل تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية، لم يكن يعتري النقاش حول مسألة التطبيع مع الكيان الغاصب أي جدلٍ. وبعد اتفاقية إعلان المبادئ بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية (أوسلو)، وقيام السلطة، تشكل نوع من الغموض بشأن سيادة هذه السلطة على الأراضي المحتلة، إضافة إلى الإشارات المتناقضة من أطرافٍ فلسطينيةٍ حول الزيارات، ما يعني أن مسألة التطبيع أصبحت في حاجة إلى إعادة تقييم وتعريف.
يعتقد كثيرون أن الذهاب إلى الضفة الغربية أو غزة، طالما اقترن بطلب من الفلسطينيين أنفسهم، لا يشكل تطبيعاً. ويجد عرب عديدون تبريرا منطقيا لزيارتهم الأراضي المحتلة أو حتى داخل حدود الكيان الغاصب، ما دامت السلطة الفلسطينية مشاركةً في التنسيق لمثل هذه الزيارات بأي شكل (تبريرات اللواء السعودي المتقاعد أنور عشقي مثلا)، بيد أن مثل هذه الادعاءات مبنيةٌ على أسس وحجج خاطئة.
الواقع أنه لا توجد دولة فلسطينية ذات حدود مستقلة. وحتى إذا وضعنا جانبا أن السلطة
الفلسطينية، في حد ذاتها، مؤسسة لا ينبغي أن يدعمها العرب، نظرا لدورها في إطالة أمد الاحتلال، فإن الحقيقة البسيطة أن زيارة العرب الأراضي المحتلة تعني تباعا الخضوع لسلطة الكيان الإسرائيلي الغاصب في الإشراف على الزيارة وقبولها. أليس هذا هو جوهر التطبيع مع الكيان الغاصب؟
يقدّم زوار فلسطين من هؤلاء عذرين أساسيين: أنهم يزورون فلسطين بناء على طلب من الفلسطينيين من أجل "دعم" دولتهم، وأنهم يزورون لرؤية المسجد الأقصى وقبة الصخرة للحفاظ على الحضور الإسلامي في القدس. وهذه ليست حججا مقنعة، فبداية، يفتح السماح بالزيارات المتدثرة برداء "التضامن" إلى الأراضي المحتلة الطريق أمام تجاوزاتٍ أكثر خطورة، فالزوار غير المرتبطين بهويات أو جوازات السفر الفلسطينية غير ملزمين بالبقاء في حدود الضفة الغربية، لا بل يتمتعون، في بعض الحالات، بحرية تنقل وحركة يُحرم منها الفلسطينيون، ويمكنهم حتى الدخول بسهولة إلى "إسرائيل". ثم إذا ما افترضنا جدلا أنه في وسعنا أن نخرج القدس من دائرة التطبيع، فما الذي يميز القدس من الناصرة أو حيفا، مثلا؟ كل هذه مدن فلسطينية، فلماذا لا يحق للعرب أن يزوروا هذه الأماكن التاريخية؟ وبالطبع، أتحدث هنا على سبيل السخرية! فطالما أن دولة إسرائيل باقيةٌ على صيغتها كيانا استعماريا- استيطانيا محتلا، فإنه لا يحق للعرب زيارة هذه المناطق، كما لو كانوا سياحا في بيروت أو القاهرة. فتح المجال أمام العرب للقدوم إلى الأراضي المحتلة سيسمح بإحداث سوابق خطيرة، علاوة على أنه من الصعب التأكد من نيات جميع الذين يزورون الأراضي المحتلة بحجة التضامن.
إضافة إلى كل ما تقدّم، لنتحدث عن الآثار العملية لهذا "التضامن". إذا كان الحفاظ على الوجود الإسلامي يشكل، في أحيان كثيرة، ذريعةً للزيارات الدينية للقدس، وهو العذر الذي تقدمه شركة الطيران الكويتية لقرارها أخيرا، فكيف تساعد، على سبيل المثال، صلاة الكويتي في المسجد الأقصى الفلسطينيين؟ بمعنى آخر، ما هو التأثير الملموس من الناحيتين، المادية واللوجستية، لتلك الزيارات؟ الجواب: في الواقع، لا يوجد أي تأثير.
صحيح أن الحضور في الأقصی آخذ في التراجع، لكن ذلك لا يعود إلى ضعف الوجود الإسلامي داخل فلسطین، بل إلى سياسة إسرائيلية منظمة لخنق المدينة القديمة في القدس
وتهويدها. ولا تشكل زيارات المسلمين من العرب، أو من جنسيات أخرى، أي فارق يذكر، لأن تلك الزيارات فردية، ولا تتعدى كونها تضامنا رمزيا، لا يعالج أو حتى يواجه السياسات الإسرائيلية بأي شكل. بل ما يحصل أن تلك الزيارات تضفي شرعيةً للسيطرة الإسرائيلية على المساحات الإسلامية. وللتوضيح، لا شيء يحدث من دون موافقة إسرائيل في فلسطين، ما يعني أن السلطات الإسرائيلية لن تقبل زيارات عربية أو إسلامية إلى الأقصى، إذا لم تستفد منها بطريقة أو أخرى. ويجب أن يقود ذلك أي شخص عاقل إلى أن هذه الزيارات والخطوات تحصل بتساهل، وأحيانا تعاون، إسرائيلي يحجب أهدافا أخرى شائنة.
إذا كان العرب، أو غيرهم من المسلمين، مهتمين بـ "الوجود الإسلامي" في المناطق ذات البعد والرمزية الدينيين في فلسطين، فيمكنهم المساعدة من خلال دعم حملات إبقاء المقدسيين في منازلهم، أو عن طريق تمويل عمليات تجديد هذه المواقع الدينية وإصلاحها، أو عدد من الاستراتيجيات الأخرى البديلة التي تغني عن الزيارات الرمزية غير المجدية للأماكن المقدسة.
على سبيل المثال، توجد منظمات عديدة غير حكومية، مثل جمعيتي التعاون ومركز برج اللقلق المجتمعي ومؤسسة داليا التي تعمل على تنمية أرصدة مختصة للقدس وبرامج تساعد مباشرة على إبقاء العائلات المقدسية في منازلها في مواجهة العدوان الإسرائيلي، والتهديدات الاستيطانية، بالإضافة إلى برامج أخرى مصممة لمساعدة الفلسطينيين في كفاحهم ضد المشروع الصهيوني. يشكل التبرّع لهذه المنظمات إذا بديلا مناسبا للزيارات الرمزية التي تفتح المجال أمام التطبيع مع العدو الإسرائيلي.
في النهاية، أعلم أن الرأي الذي أطرحه قد لا يحظى بشعبية بين بعض الأوساط الفلسطينية في الأراضي المحتلة. ففلسطينيون عديدون تواصلت معهم داخل الأراضي المحتلة عبّروا عن تعبهم من العزلة عن محيطهم العربي والإسلامي، وعن توقهم للتفاعل مع إخوتهم وأخواتهم العرب. ولهذا السبب، يصر فلسطينيون في الأراضي المحتلة، خطأ، على جلب العرب إلى الأراضي المحتلة. ولكن هذا منحدر زلق، ولا تأخذ مثل هذه التوجهات في الاعتبار العواقب طويلة الأمد لفتح المجال للذين لديهم نيات سيئة أو خفية للتعامل مع الإسرائيليين والمؤسسات الإسرائيلية. الاستمرار في سياسة الاستهانة بخطوات التطبيع، والتعامل مع سلطات الاحتلال يمثل كسرا للحاجز النفسي الذي يقف أمام التعامل مع أرض محتلة ككيان طبيعي. وقد يترتب على ذلك، في نهاية المطاف، كسر الحاجز العقلي في التعامل مع المحتل الصهيوني نفسه.
قبل تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية، لم يكن يعتري النقاش حول مسألة التطبيع مع الكيان الغاصب أي جدلٍ. وبعد اتفاقية إعلان المبادئ بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية (أوسلو)، وقيام السلطة، تشكل نوع من الغموض بشأن سيادة هذه السلطة على الأراضي المحتلة، إضافة إلى الإشارات المتناقضة من أطرافٍ فلسطينيةٍ حول الزيارات، ما يعني أن مسألة التطبيع أصبحت في حاجة إلى إعادة تقييم وتعريف.
يعتقد كثيرون أن الذهاب إلى الضفة الغربية أو غزة، طالما اقترن بطلب من الفلسطينيين أنفسهم، لا يشكل تطبيعاً. ويجد عرب عديدون تبريرا منطقيا لزيارتهم الأراضي المحتلة أو حتى داخل حدود الكيان الغاصب، ما دامت السلطة الفلسطينية مشاركةً في التنسيق لمثل هذه الزيارات بأي شكل (تبريرات اللواء السعودي المتقاعد أنور عشقي مثلا)، بيد أن مثل هذه الادعاءات مبنيةٌ على أسس وحجج خاطئة.
الواقع أنه لا توجد دولة فلسطينية ذات حدود مستقلة. وحتى إذا وضعنا جانبا أن السلطة
يقدّم زوار فلسطين من هؤلاء عذرين أساسيين: أنهم يزورون فلسطين بناء على طلب من الفلسطينيين من أجل "دعم" دولتهم، وأنهم يزورون لرؤية المسجد الأقصى وقبة الصخرة للحفاظ على الحضور الإسلامي في القدس. وهذه ليست حججا مقنعة، فبداية، يفتح السماح بالزيارات المتدثرة برداء "التضامن" إلى الأراضي المحتلة الطريق أمام تجاوزاتٍ أكثر خطورة، فالزوار غير المرتبطين بهويات أو جوازات السفر الفلسطينية غير ملزمين بالبقاء في حدود الضفة الغربية، لا بل يتمتعون، في بعض الحالات، بحرية تنقل وحركة يُحرم منها الفلسطينيون، ويمكنهم حتى الدخول بسهولة إلى "إسرائيل". ثم إذا ما افترضنا جدلا أنه في وسعنا أن نخرج القدس من دائرة التطبيع، فما الذي يميز القدس من الناصرة أو حيفا، مثلا؟ كل هذه مدن فلسطينية، فلماذا لا يحق للعرب أن يزوروا هذه الأماكن التاريخية؟ وبالطبع، أتحدث هنا على سبيل السخرية! فطالما أن دولة إسرائيل باقيةٌ على صيغتها كيانا استعماريا- استيطانيا محتلا، فإنه لا يحق للعرب زيارة هذه المناطق، كما لو كانوا سياحا في بيروت أو القاهرة. فتح المجال أمام العرب للقدوم إلى الأراضي المحتلة سيسمح بإحداث سوابق خطيرة، علاوة على أنه من الصعب التأكد من نيات جميع الذين يزورون الأراضي المحتلة بحجة التضامن.
إضافة إلى كل ما تقدّم، لنتحدث عن الآثار العملية لهذا "التضامن". إذا كان الحفاظ على الوجود الإسلامي يشكل، في أحيان كثيرة، ذريعةً للزيارات الدينية للقدس، وهو العذر الذي تقدمه شركة الطيران الكويتية لقرارها أخيرا، فكيف تساعد، على سبيل المثال، صلاة الكويتي في المسجد الأقصى الفلسطينيين؟ بمعنى آخر، ما هو التأثير الملموس من الناحيتين، المادية واللوجستية، لتلك الزيارات؟ الجواب: في الواقع، لا يوجد أي تأثير.
صحيح أن الحضور في الأقصی آخذ في التراجع، لكن ذلك لا يعود إلى ضعف الوجود الإسلامي داخل فلسطین، بل إلى سياسة إسرائيلية منظمة لخنق المدينة القديمة في القدس
إذا كان العرب، أو غيرهم من المسلمين، مهتمين بـ "الوجود الإسلامي" في المناطق ذات البعد والرمزية الدينيين في فلسطين، فيمكنهم المساعدة من خلال دعم حملات إبقاء المقدسيين في منازلهم، أو عن طريق تمويل عمليات تجديد هذه المواقع الدينية وإصلاحها، أو عدد من الاستراتيجيات الأخرى البديلة التي تغني عن الزيارات الرمزية غير المجدية للأماكن المقدسة.
على سبيل المثال، توجد منظمات عديدة غير حكومية، مثل جمعيتي التعاون ومركز برج اللقلق المجتمعي ومؤسسة داليا التي تعمل على تنمية أرصدة مختصة للقدس وبرامج تساعد مباشرة على إبقاء العائلات المقدسية في منازلها في مواجهة العدوان الإسرائيلي، والتهديدات الاستيطانية، بالإضافة إلى برامج أخرى مصممة لمساعدة الفلسطينيين في كفاحهم ضد المشروع الصهيوني. يشكل التبرّع لهذه المنظمات إذا بديلا مناسبا للزيارات الرمزية التي تفتح المجال أمام التطبيع مع العدو الإسرائيلي.
في النهاية، أعلم أن الرأي الذي أطرحه قد لا يحظى بشعبية بين بعض الأوساط الفلسطينية في الأراضي المحتلة. ففلسطينيون عديدون تواصلت معهم داخل الأراضي المحتلة عبّروا عن تعبهم من العزلة عن محيطهم العربي والإسلامي، وعن توقهم للتفاعل مع إخوتهم وأخواتهم العرب. ولهذا السبب، يصر فلسطينيون في الأراضي المحتلة، خطأ، على جلب العرب إلى الأراضي المحتلة. ولكن هذا منحدر زلق، ولا تأخذ مثل هذه التوجهات في الاعتبار العواقب طويلة الأمد لفتح المجال للذين لديهم نيات سيئة أو خفية للتعامل مع الإسرائيليين والمؤسسات الإسرائيلية. الاستمرار في سياسة الاستهانة بخطوات التطبيع، والتعامل مع سلطات الاحتلال يمثل كسرا للحاجز النفسي الذي يقف أمام التعامل مع أرض محتلة ككيان طبيعي. وقد يترتب على ذلك، في نهاية المطاف، كسر الحاجز العقلي في التعامل مع المحتل الصهيوني نفسه.
دلالات
دانا الكرد
باحثة فلسطينية وطالبة دكتوراة في العلوم السياسية في جامعة تكساس في الولايات المتحدة.
دانا الكرد