26 سبتمبر 2024
هذه التفاهمات بعد خان شيخون
يبدو أن ما كان يريده الساسة والعسكريون الروس من الهجمات أخيرا على آخر مناطق "خفض التصعيد" في سورية قد تحقق بعضه، مع سيطرة مليشيات النظام الروسية على قرى وبلدات عديدة، أهمها خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، والسيطرة على أجزاء من الطريق بين حلب ودمشق، الأمر الذي يطرح أسئلة بشأن التفاهمات الروسية التركية عن المنطقة، خصوصا بشأن مصير اتفاق سوتشي الذي وقّعه الرئيسان، الروسي بوتين والتركي رجب أردوغان، في 17 سبتمبر/أيلول 2018.
وعلى الرغم من أن الاتصالات بين العسكريين الروس والأتراك تكثفت أخيرا، إلا أنها لم تنته إلى وقف الهجمات الروسية ومليشيات النظام، المتواصلة منذ نهاية اجتماعات أستانة في جولتها الثانية عشرة، الأمر الذي استدعى خروج الرئيس أردوغان عن صمته، للتعبير عن امتعاضه مما يجري، ووصفه تهديداً للأمن القومي التركي. ولذلك سارع للاتصال ببوتين، والاتفاق معه على عقد قمةٍ بينهما، أول من أمس (27 أغسطس/آب)، بغية وضع حدّ لما يجري في مناطق ريف إدلب الجنوبي وسواها. ولم يكن سقف التوقعات من القمة كبيراً، في ظل الوقائع الجديدة على الأرض، حيث يريد الطرف الروسي أن يعيد تشكيل خريطة جديدة للمنطقة، بما يعني توسيع نفوذه في المنطقة على حساب النفوذ التركي فيها، وخسارة فصائل المعارضة مزيدا من مناطق سيطرتها تمهيداً لقضم المنطقة برمتها، بعد تغير ميزان القوى لصالح الروس ونظام الأسد. ويتنافى ذلك كله مع طموحات أنقرة في المنطقة التي تعتبرها جزءاً من أمنها القومي.
ويبدو أن التفاهمات الروسية التركية في الملف السوري ستختلف كثيراً في مرحلة ما بعد
السيطرة على خان شيخون، إذ يطمح الروس إلى السيطرة على مناطق جديدة، مستخدمين قوتهم العسكرية المفرطة لفرض ما يريدون، وتثبيت واقع جديد، بعيداً عن التفاهمات القديمة مع الأتراك الذين كانوا يظنون أنفسهم شركاء مع الروس في إرساء منطقة خفض التصعيد في إدلب، لكنهم باتوا غير قادرين حتى على إرسال مجرد رتل عسكري إلى المنطقة، بل أوعز الروس إلى مليشيات النظام بالتصدّي لذلك الرتل، ما اضطرّه للتوقف على مشارف خان شيخون، فضلاً عن أن النقطة العسكرية التركية في مورك باتت محاصرة، وتتعرّض للقصف.
ولافت أن الساسة الروس ما زالوا يردّدون تمسّكهم باتفاق سوتشي، وبتفاهمات أستانة التي أبرموها مع الأتراك، وكذلك يفعل الساسة الأتراك، لكن توظيفات هذا التمسّك مختلفة لدى كلا الطرفين، إذ يعتبر الروس أن نظراءهم الأتراك فشلوا في الوفاء بتعهداتهم في مسار أستانة واتفاق سوتشي، ولا يخفون توجيه أصابع اتهامهم لأجهزة أمن تركية بمساعدة الإرهابيين، حسب زعمهم، بينما الواقع أن الروس، ومعهم مليشيات النظام الروسية، لم يحترموا يوماً أي اتفاقٍ أبرموه مع تركيا أو مع فصائل المعارضة، بل كانوا يتخذون من أي اتفاق غطاء للانفراد بمناطق المعارضة ومحاصرتها، ثم قضمها وتهجير سكانها ومقاتليها قسرياً. وهذا ما كانوا يرمون إليه من كل مسار أستانة وسوتشي وسواهما.
في المقابل، لجأ الأتراك إلى إبرام تفاهماتٍ مع نظرائهم في النظامين، الروسي والإيراني، وحصلوا وفقها على تأمين نفوذهم في منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، لكن الأمر مختلف بالنسبة للوضع في مناطق إدلب وريف حماة الشمالي، وبات مغايراً لما كان عليه بعد هجمات الروس ومليشيات النظام الروسية التي أسفرت عن السيطرة على اللطامنة ومورك والتمانعة وخان شيخون وسواها، ونزوح أكثر من نصف مليون مدني، مع وجود إمكانية نزوح عدد أكبر، في حال استمرار الهجمات، ما قد يتسبب في كارثة إنسانية، طالما حذّر منها الأتراك، ومعهم المجتمع الدولي.
وتأتي الهجمات الروسية والأسدية على مناطق ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي ليس فقط
لبسط النفوذ الروسي وتمدّده، وإعادة سيطرة نظام الأسد على تلك المناطق، بل أيضاً ردا على تفاهمات تركيا مع الولايات المتحدة، فيما يخص البدء بإنشاء منطقة آمنة في شرقي الفرات، حيث لم يخفِ الروس امتعاضهم منها، واعتبروها تهديداً لوحدة سورية، وبمثابة محاولة لفصل شمالها، وكأنهم حريصون كل الحرص على "وحدة سورية وسيادتها" التي تعني بالنسبة إليهم بقاءها موحدة تحت سيطرتهم ونفوذهم وحدهم. وكذلك فعل نظام الملالي الإيراني، حين جاهر في الغمز من بوابة الاتفاق التركي الأميركي بشأن المنطقة الآمنة في شرقي نهر الفرات. وهو ما جسّده توحيد جهود النظام البوتيني ونظام الملالي في الهجمات على ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، حيث وزع النظام الإيراني مليشيات حزب الله اللبناني وسواها للانخراط إلى جانب مليشيات النظام الروسية في الهجوم على تلك المناطق، تحت مظلة التنسيق السياسي والعسكري لنظامي موسكو وطهران.
وإن كان ثمّة تداعيات على التفاهمات الروسية ما بعد السيطرة على خان شيخون، فهي لن تقتصر على إعادة رسم الخرائط على الأرض، بل ستمتد إلى العلاقات بين ساسة موسكو وساسة أنقرة في الملف السوري. وسبق للروس أن طالبوا نظراءهم الأتراك على الدوام بالعمل معهم في هذا الملف، وبعدم التصرّف أحاديا، وعدم إبرامهم أي تفاهم مع الولايات المتحدة، بل كانوا يريدون دفعهم باتجاه إعادة العلاقة مع النظام الأسدي الإجرامي، ولكن الأتراك فضلوا التفاهم مع الأميركيين، وحاولوا إرساء معادلةٍ تقوم على بناء تفاهماتٍ مع كل من الروس والأميركيين، من دون الإخلال بأحد طرفي المعادلة، لكن الأمور لا تجري دائماً، كما يشتهي الساسة الأتراك.
وعلى الرغم من أن الاتصالات بين العسكريين الروس والأتراك تكثفت أخيرا، إلا أنها لم تنته إلى وقف الهجمات الروسية ومليشيات النظام، المتواصلة منذ نهاية اجتماعات أستانة في جولتها الثانية عشرة، الأمر الذي استدعى خروج الرئيس أردوغان عن صمته، للتعبير عن امتعاضه مما يجري، ووصفه تهديداً للأمن القومي التركي. ولذلك سارع للاتصال ببوتين، والاتفاق معه على عقد قمةٍ بينهما، أول من أمس (27 أغسطس/آب)، بغية وضع حدّ لما يجري في مناطق ريف إدلب الجنوبي وسواها. ولم يكن سقف التوقعات من القمة كبيراً، في ظل الوقائع الجديدة على الأرض، حيث يريد الطرف الروسي أن يعيد تشكيل خريطة جديدة للمنطقة، بما يعني توسيع نفوذه في المنطقة على حساب النفوذ التركي فيها، وخسارة فصائل المعارضة مزيدا من مناطق سيطرتها تمهيداً لقضم المنطقة برمتها، بعد تغير ميزان القوى لصالح الروس ونظام الأسد. ويتنافى ذلك كله مع طموحات أنقرة في المنطقة التي تعتبرها جزءاً من أمنها القومي.
ويبدو أن التفاهمات الروسية التركية في الملف السوري ستختلف كثيراً في مرحلة ما بعد
ولافت أن الساسة الروس ما زالوا يردّدون تمسّكهم باتفاق سوتشي، وبتفاهمات أستانة التي أبرموها مع الأتراك، وكذلك يفعل الساسة الأتراك، لكن توظيفات هذا التمسّك مختلفة لدى كلا الطرفين، إذ يعتبر الروس أن نظراءهم الأتراك فشلوا في الوفاء بتعهداتهم في مسار أستانة واتفاق سوتشي، ولا يخفون توجيه أصابع اتهامهم لأجهزة أمن تركية بمساعدة الإرهابيين، حسب زعمهم، بينما الواقع أن الروس، ومعهم مليشيات النظام الروسية، لم يحترموا يوماً أي اتفاقٍ أبرموه مع تركيا أو مع فصائل المعارضة، بل كانوا يتخذون من أي اتفاق غطاء للانفراد بمناطق المعارضة ومحاصرتها، ثم قضمها وتهجير سكانها ومقاتليها قسرياً. وهذا ما كانوا يرمون إليه من كل مسار أستانة وسوتشي وسواهما.
في المقابل، لجأ الأتراك إلى إبرام تفاهماتٍ مع نظرائهم في النظامين، الروسي والإيراني، وحصلوا وفقها على تأمين نفوذهم في منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، لكن الأمر مختلف بالنسبة للوضع في مناطق إدلب وريف حماة الشمالي، وبات مغايراً لما كان عليه بعد هجمات الروس ومليشيات النظام الروسية التي أسفرت عن السيطرة على اللطامنة ومورك والتمانعة وخان شيخون وسواها، ونزوح أكثر من نصف مليون مدني، مع وجود إمكانية نزوح عدد أكبر، في حال استمرار الهجمات، ما قد يتسبب في كارثة إنسانية، طالما حذّر منها الأتراك، ومعهم المجتمع الدولي.
وتأتي الهجمات الروسية والأسدية على مناطق ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي ليس فقط
وإن كان ثمّة تداعيات على التفاهمات الروسية ما بعد السيطرة على خان شيخون، فهي لن تقتصر على إعادة رسم الخرائط على الأرض، بل ستمتد إلى العلاقات بين ساسة موسكو وساسة أنقرة في الملف السوري. وسبق للروس أن طالبوا نظراءهم الأتراك على الدوام بالعمل معهم في هذا الملف، وبعدم التصرّف أحاديا، وعدم إبرامهم أي تفاهم مع الولايات المتحدة، بل كانوا يريدون دفعهم باتجاه إعادة العلاقة مع النظام الأسدي الإجرامي، ولكن الأتراك فضلوا التفاهم مع الأميركيين، وحاولوا إرساء معادلةٍ تقوم على بناء تفاهماتٍ مع كل من الروس والأميركيين، من دون الإخلال بأحد طرفي المعادلة، لكن الأمور لا تجري دائماً، كما يشتهي الساسة الأتراك.