انتخابات الرئاسة الجزائرية...الوعود والرهانات والمبالغات
الناخبون الجزائريون على موعدٍ اليوم السبت (07 سبتمبر/ أيلول الجاري) للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسيّة المبكّرة، وسط توقّعات بألا تشهد هذه الانتخابات إقبالاً كبيراً في التصويت، فيما سخّرت السلطات الجزائرية إمكانات كبيرة من أجل أن تكون المشاركة "قويّة" فيها، حيث يبلغُ عدد من يحقّ لهم التصويت 24 مليوناً و351 ألفاً و551 ناخباً جزائرياً، يتوزّعون بين 865 ألفاً و490 ناخباً خارج الجزائر، و23 مليوناً و486 ألفاً و61 ناخباً في الداخل. ودفع الخوف من تدنّي نسبة التصويت الحكومة الجزائرية إلى تنظيم حملاتٍ إعلاميّةٍ قويّةٍ، فضلاً عن مطالبة أئمة المساجد بالانخراط في الجهد الذي تبذله لتحقيق نسب تصويت عالية في هذه الانتخابات، كما دفع المرشّحين إلى المبالغة في وعودهم الانتخابيّة، الأمر الذي جعلهم محلّ تندّر من خبراء وناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، الذين سخروا وانتقدوا تضخيم الوعود، وركّزوا على مبالغات، ومواقف، وتصريحات، مترشّحين ومناصرين لهم، واعتبروها خارجة عن إطارها السياسي المُتعارف عليه في الحملات الانتخابيّة.
المرشّحون
يتنافس في هذه الانتخابات ثلاثة مرشّحين: الرئيس المنتهية ولايته عبد المجيد تبّون، الذي رشّح نفسه مستقلاً، والأمين العام لحزب جبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، وهو أقدم حزب معارض في الجزائر أسّسه أحد زعماء الثورة الجزائرية، حسين آيت أحمد، في 1963، ورئيس حزب حركة مجتمع السلم (حمس)، عبد العالي حساني شريف، الذي يُعتبر من بين أكبر الأحزاب ذات الميول الإسلامية في الجزائر.
تعتبر أوساط الرئاسة الجزائرية أنّ الانتخابات فرصة سانحة لتجديد شرعية الرئيس تبّون، وقامت بكلِّ ما يستلزم تحقيق ذلك
وتعتبر أوساط الرئاسة الجزائرية أنّ هذه الانتخابات فرصة سانحة لتجديد شرعية الرئيس تبّون، وقامت بكلِّ ما يستلزم تحقيق ذلك، حيث تشير كلّ المُعطيات والتقديرات إلى احتمال فوزه بنسبةٍ كبيرة من الجولة الأولى، لاعتباراتٍ عديدة، على الرغم من أنّ تبّون، المولود في 1945 مدينة المشرية (ولاية النعامة)، الواقعة في الجنوب الغربي للجزائر، لم يترشّح باسم أيّ حزب، واعتبر أنّ ترشّحه كان "نزولاً عند رغبة أحزاب سياسية ومنظّمات وطنية والشباب"، لكنه لم يحدّد هذه الأحزاب والمنظّمات. وأعلن في أكثر من مناسبة أنّه يريد استكمال المسار الذي بدأه في 2019، من أجل بناء "جزائر جديدة"، تلك التي يعتبرها وُلِدت بفضل "الحراك المبارك والحقيقي". أمّا عبد العالي حساني شريف، المولود عام 1966 في ولاية المسيلة (وسط الشمال) فهو خامس رؤساء حزب حركة مجتمع السلم الجزائرية، وترشّح عن حزبه، بعد سنواتٍ عديدة من عدم مشاركة هذا الحزب في الانتخابات الرئاسية. ولا يعتبر شريف حساني من الوجوه المعروفة كثيراً في المشهد السياسي الجزائري، بالنظر إلى أنّه لم يؤدِّ أدواراً بارزة فيه. ويعدّ يوسف أوشيش، الأمين الوطني الأوّل لحزب جبهة القوى الاشتراكية، أصغر المرشّحين سناً، فهو ولد عام 1983 في بلدة بوغني، التابعة لولاية تيزي وزو بمنطقة القبائل، وتخرّج من كلية العلاقات الدولية في الجامعة الجزائرية، ثم عمل صحافياً بين 2008 و2012. وتدرّج في صفوف الحزب، حيث أوكلت له عدّة مهمات سياسيّة فيه، ثم جرى تعيينه أميناً أولَ للحزب في 16 يوليو/ تموز 2020.
الوعود الانتخابية
أطلق الرئيس المنتهية ولايته عبد المجيد تبّون وعوداً بمحاربة الفساد، وإنهاء ما يُطلق عليها في الجزائر عملية "تضخيم الفواتير"، التي يعتبرها القانون الجزائري جريمة، لأنّها عملية تحايل يقوم بها بعضُ المسؤولين المتورّطين من أجل استنزف أموال الشعب بالعملات الصعبة، عبر تضخيم مبالغ فواتير الاستيراد التي تتم في صفقاتِ تجارةٍ خارجيّةٍ مشبوهة. وقد شهدتها الجزائر خلال عقود عديدة، وخاصة بين 2009 و2019، وأدّت إلى تحويل مبالغ مالية ضخمة جداً بالعملة الصعبة نحو الخارج، قدّرها خبراء الاقتصاد بمئات مليارات الدولارات، وبلغت بين عامي 2019 و2023 أكثر من 400 مليار دولار. وسبق للرئيس تبّون أن أطلق وعداً بإنهاء هذا الملف خلال ترشّحه لفترة الرئاسة الأولى عام 2019، لكن الجزائريين لم يطّلعوا على المبالغ التي جرى استرجاعها، لأنّ السلطات لم تكشف شيئاً عنها. كما أنّ تبّون اعتبر أنّه أطلق، خلال رئاسته الأولى، "إصلاحات عميقة وهيكلية لتصحيح الاختلالات في المجال الاقتصادي، من خلال تحسين بيئة الاستثمار، وترقية التجارة الخارجية، وتشجيع المبادرات، واعتماد الرقمنة، وإصلاح السياسة النقدية". كما أنّ الأوضاع الاقتصادية في البلاد تحسّنت على مدار هذه الفترة.
لافتة في الحملات الانتخابيّة لهذه الانتخابات الرئاسية المبالغة الشديدة في إطلاق الوعود
ويَعدُ المرشّح شريف حساني بالدفاع عن السوق الحرّة، وتأسيس ما سمّاها الصرافة الإسلامية مع فتح بنوك إسلامية في جميع المناطق الجزائرية، ويركّز في برنامجه الاقتصادي على "المنافسة الشريفة" مع حماية الطبقات الفقيرة والمتوسّطة. وتعهّد بإجراءِ إصلاحٍ دستوري وقانوني لمنظومة الحكم، عبر تضمين الدستور الجزائري مواد تجرّم الاعتداء على الحرّيات العامة المنصوص عليها قانونياً، وتوسيع الدور الرقابي للبرلمان الجزائري، إلى جانب القيام بإصلاحاتٍ مؤسّساتيّة، تهدف إلى تعميق مرتكزات دولة الحق والقانون. أمّا المرشّح أوشيش، فوعد بالقضاء على "اقتصاد البازار"، وتنظيم الاقتصاد الجزائري على أساس علمي، وبتقديم منحة للنساء اللواتي لا يعملن، ورفع الحدّ الأدنى للأجور، إضافة إلى إشراك الشباب في إدارة شؤون الجزائر من أجل "صنع التغيير الحقيقي"، ومنح مساعدات للعاطلين عن العمل، وتمويل كلّ هذه الإجراءات عبر تخصيص نسبةٍ من عائدات النفط. وعلى المستوى السياسي، وعد أوشيش بأنّه في حال فوزه بالرئاسة سيعمل على "تغيير طبيعة النظام في الجزائر بطريقة سلمية وسلسة، من خلال إجماع الجزائريين كلّهم حول القضايا الحسّاسة، وفي مقدّمتها الأمن الوطني". كما أنّه لم يخفِ تطلّعه إلى نظام شبه رئاسي ذي توجّه برلماني، على عكس ما هو معمول به حالياً في الجزائر، حيث يتمتّع الرئيس بسلطةٍ تنفيذيّة واسعة، ويذهب بعضهم إلى القول إنّه يحتكر جميع الصلاحيات.
المبالغات في الوعود
لافتة في الحملات الانتخابيّة لهذه الانتخابات الرئاسية المبالغة الشديدة في إطلاق الوعود من مرشّحين وقادة حملاتهم ومناصريهم، أولئك الذين لجأوا، تحت ضغط الظروف الاقتصادية والمعيشية التي يعيشها الجزائريون، إلى تضخيم الأرقام في مجالات الاقتصاد، وأطلقوا تصريحات غير واقعيّة في ظلّ عشوائيّةِ حملاتهم الدعائية.
وكان مستغرباً أن تبّون قال، خلال تجمّع انتخابي في مدينة وهران، إنّ "اقتصاد الجزائر أصبح الاقتصاد الثالث في العالم". ربّما زلّة لسان قادته إلى قول ذلك، وأنّ المقصود أنّ الاقتصاد الجزائري ثالث اقتصاد في القارّة الأفريقية، حسبما صنّفها تقرير لصندوق النقد الدولي، جاءت بعد جنوب أفريقيا ومصر. كما أنّ تبّون وعد بأنّه مع نهاية 2025 ستتوقف الجزائر عن استيرادها ولو كيلوغراماً واحداً من القمح! (تنتج الجزائر خمسة ملايين طن، وتفوق احتياجاتها 12 مليون طن). إضافة إلى أنّه اقترح، في برنامجه الانتخابي، العمل على رفع الناتج المحلي الخام إلى نحو 400 مليار دولار، إلى جانب تعهده بدعم القطاع الزراعي، وبأن يكون في مقدّمة أولوياته، بغية ضمان الأمن الغذائي للجزائريين والقضاء على التبعية الغذائية للخارج. ونسجاً على رقم 400 مليار دولار، وعد حسّاني شريف بالعمل على رفع الناتج الداخلي الخام في الجزائر إلى حدود 450 مليار دولار، إضافة إلى رفع الدخل السنوي للفرد إلى تسعة آلاف دولار، والعمل على خفض معدل البطالة إلى 5%، وكذلك خفض معدّل التضخم إلى 3%، مقابل رفع معدّل النمو فوق 7%، بالإضافة إلى مراجعة آليات تقدير قيمة صرف الدينار بمقاربات متكاملة. أمّا أوشيش، فقد تعهد برفع الصادرات الجزائرية خارج قطاع النفط والغاز إلى 40 مليار دولار، بالإضافة إلى رفع قيمة العملة الجزائرية أمام العملات الأجنبية.
يعدّ تنامي السوق السوداء للعملات الأجنبية من بين مؤشّرات الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها الجزائر
من الطبيعي أن تدفع مبالغات المرشّحين للرئاسة خبراء ونشطاء جزائريين إلى الدهشة والاستغراب، وأن يسخر بعضهم من عدم واقعيتها، خاصة أنّ لغة الأرقام الرسمية تشير إلى تضارب الأرقام حول الناتج الخام للجزائر في 2023، الذي تراوح بين 240 و267 مليار دولار، وبالتالي، يتطلب الوصول إلى 400 مليار دولار أو أكثر معجزات لا تتوفّر مُمكنات تحقّقها، خاصة وأن معدل النمو الذي حققته الجزائر خلال هذا العام بلغ حوالي 4.1%. ويعتمد الاقتصاد الجزائري، بشكل أساسي، على إيرادات قطاع الطاقة، خاصة النفط والغاز، وعانى من أزمات كثيرة خلال الفترة الماضية، خاصة مع تدنّي مستوى الاستثمار الخاص والأجنبي المباشر. وارتفع معدّل التضخم منذ وصول تبّون إلى الحكم عام 2019، ووصل إلى أعلى مستوى له عام 2023، حين بلغ 9.3%، ثم تراجع خلال الربع الأول من هذا العام، لكنه لا يزال يمثل تحدّياً، كونه مرتبطاً بالقدرة الشرائية للجزائريين، وبتردّي الوضع المعيشي الذي لم تسعفه الإجراءات التي أفضت إلى رفع الأجور والمعاشات واستحداث منح البطالة، لأنّ الأزمة الاقتصادية مرتبطة بضرورة العمل على تنويع الاقتصاد، وتحسين مناخ العمل والأعمال، وتقليص الدين العام، والعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية الخاصة، التي انخفضت خلال السنوات الخمس الماضية، لتسجّل في عام 2023 حوالي 84 مليون دولار فقط.
ويعاني الجزائريون من فقدان عملتهم للقدرة الشرائية، المرتبط بتبعات الفجوة الكبيرة بين أسعار الصرف في السوقين، الرسمية والمُوازية، لصرف العملات التي تُعرف باسم "السكوار"، حيث يبلغ سعر صرف الدولار أمام الدينار الجزائري، وفق بيانات بنك الجزائر المركزي، نحو 133.88 دينارا، فيما تفيد تقارير بأنّ السعر في السوق الموازية "السكوار" أعلى بنحو مائة دينار. ويعدّ تنامي السوق السوداء للعملات الأجنبية من بين مؤشّرات الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها الجزائر، وذلك في ظلِّ استمرار رفض السلطات تعديل أسعار الصرف الرسميّة، وفي الوقت نفسه لا يتوقف الجزائريون عن طلبهم للعملات الأجنبية بالنظر إلى تراجع ثقتهم في الدينار الجزائري.
يتطلع أغلب الجزائريين إلى تغيير أوضاعهم على مختلف المستويات، وخاصة المعيشيّة، لكن الحملات الانتخابية أظهرت أنّ المرشّحين ركزوا على الانتخابات من جهة كونها حدثاً أو استحقاقاً سياسياً، واعتبروا أنّ الذهاب إلى صندوق الانتخاب واجب على الناخب، وحق تجب عليه ممارسته، لكنهم، مع الأسف، لم يبذلوا جهدًا لإقناعِ الناخبين ببرامجهم وخططهم، فلجأوا إلى المبالغات والوعود الواهية، لذلك من الصعب المراهنة على مشاركة قويّة للناخبين الجزائريين فيها.