انتصرت إرادة المعلمين الأردنيين بعد شهر على إضرابهم المفتوح، المرتبط أساساً بمطلب العلاوة المالية على رواتبهم، فقد جرى الاتفاق على ذلك مع الحكومة، بالإضافة إلى اعتذار رئيس الوزراء لهم
استأنف نحو مليون ونصف المليون تلميذ أردني، أمس الأحد، عامهم الدراسي الذي توقّف قسراً طوال شهر كامل. وذلك بعد انتهاء أطول إضراب في تاريخ المملكة، والذي بدأ يوم الأحد الثامن من شهر سبتمبر/أيلول الماضي، ومنذ ذلك الوقت والمقاعد المدرسية بقيت شاغرة، إذ لم يكن قد مضى من العام الدراسي قبل الإضراب أكثر من أسبوع مدرسي واحد فقط، منذ افتتاحه في الأول من سبتمبر الماضي.
وأعلن نائب نقيب المعلمين الأردنيين ناصر النواصرة، ووزير الدولة للشؤون القانونية مبارك أبو يامين، فجر الأحد، الاتفاق بشكل نهائي، وتعليق إضراب المعلمين، وعودة الحياة الدراسية إلى طبيعتها. وذلك بعدما اعتذر رئيس الوزراء الأردني، عمر الرزاز، السبت الماضي، للمعلمين في يومهم العالمي، عن أيّ حدث انتقص من كرامتهم خلال الفترة الماضية، بالتوازي مع الاتفاق على علاوة مُرضية للطرفين. ووصف الوزير أبو يامين الاتفاق بـ"الانتصار العظيم للأردن"، مضيفاً أنّ الدولة "كانت مصرّة على دخول المعلم إلى صفّه وتلاميذه مرفوع الرأس".
العلاوات
ووصف النواصرة الاتفاق الذي مكّن المعلمين من الحصول على مطالبهم بالعلاوة والاعتذار من قبل الحكومة بـ"التاريخي"، داعياً المعلمين إلى الإقبال على مدارسهم "بقلب منفتح وحب منقطع النظير للتلاميذ، ليعلموهم القيم والمهارات والمعارف الضرورية". وقال النواصرة: "سنتفق مع وزير التربية والتعليم على خطة لتعويض التلاميذ عن كلّ ما فاتهم، في كلّ حصّة وكلّ يوم". وتراوحت العلاوات التي طاولت رواتب المعلمين بعد الاتفاق الذي جرى مع الحكومة، بين 54 ديناراً (75 دولاراً) و70 ديناراً (100 دولار)، على الراتب الأساسي، بكلفة تقديرية أولية تصل إلى 60 مليون دينار (85 مليون دولار) سنوياً.
وسيحصل المعلم المساعد على علاوة نسبتها 35 في المائة، وهي علاوة جديدة تُستحدث للمرة الأولى، ويبلغ عدد المستفيدين: 36.755 معلماً ومعلمة. أما رتبة المعلم فسيحصل على علاوة نسبتها 40 في المائة، ويبلغ عدد المستفيدين: 31.013 معلماً ومعلمة. ومن يحمل رتبة معلم أول، فسيحصل على علاوة 50 في المائة، ويبلغ عدد المستفيدين: 18.253 معلماً ومعلمة. أما رتبة معلم خبير فسيحصل على علاوة 65 في المائة، وعدد المستفيدين: 335 معلماً ومعلمة.
دروس
يقول مدير "مدرسة نديم الملاح الأساسية" في وادي السير بالعاصمة عمّان، رأفت السكارنة، لـ"العربي الجديد"، إنّ اليوم (أمس) هو يوم عيد للمعلمين الذين حصلوا على ما يستحقون من احترام"، مثمناً دور جميع الأطراف بإنهاء الإضراب والوصول إلى حلول تعيد دوران عجلة العام الدراسي إلى وضعها الطبيعي. يضيف أنّ إنهاء الإضراب مؤشر على أنّ الجميع، والكلّ من طرفه، يسعى إلى التأكيد على منعة الوطن وقوته، مشيراً إلى أنّ الإضراب هو درس في المحافظة على كرامة المعلم والحصول على الحقوق. وحول تعويض التلاميذ عن فترة الإضراب، يقول: "نحن سنقدم كلّ جهد ممكن وبحماس وإصرار على تعويض التلاميذ، لكن ننتظر وصول خطة مفصلة من الوزارة للسير عليها".
بدوره، يقول المعلم عبد الرزاق العبادي، من المدرسة نفسها، إنّ المعلمين سيعودون إلى غرفهم الصفية بكلّ حماس، بعد حصولهم على الاعتذار والاحترام والتقدير. يضيف أنّ المعلمين سيبذلون أقصى جهد لتعويض أبنائهم التلاميذ عما فاتهم خلال الفترة الماضية.
من جانبها، تقول التلميذة تالا أحمد، من الصف العاشر، لـ"العربي الجديد": "اليوم (أمس) نعود مبتهجين إلى المدارس، بعد عطلة طويلة، اشتقنا خلالها للجلوس على مقاعد الدراسة، لقد مللنا". وحول تعويض ما فات، تتمنى أن يكون التعويض متوازناً، وألا يحصل ضغط كبير على التلاميذ يفوق قدرتهم، وألاّ يحمَّلوا أكثر من طاقتهم.
ويقول علي المناصير، وهو ولي أمر ثلاثة تلاميذ في المدارس الحكومية، لـ"العربي الجديد"، إنّ الإضراب كان درساً مهماً، ليس للتلاميذ والمعلمين فقط، بل لجميع المواطنين، في كيفية تغليب المصلحة العامة في النهاية. يضيف: "الإضراب شكل درساً في تحصيل الحقوق من دون التسبب في أي أضرار بالمصالح والممتلكات العامة"، مشيراً إلى أنّ المطلوب الآن تعويض التلاميذ ما فاتهم.
وارتبطت مطالب المعلمين بتحسين الظروف المعيشية، من خلال الدعوة إلى إقرار علاوة قدرها 50 في المائة على الراتب الأساسي، مشيرين إلى أنّ هذه العلاوة مطلب مستحق منذ خمس سنوات، وتم الاتفاق عليه مع حكومات سابقة، فيما قالت الحكومة إنّه لم يجرِ التعهد سابقاً بهذه العلاوة. ومنذ ذلك الحين تحولت أزمة إضراب المعلمين من مطالب مهنية إلى صراع إرادات بين النقابة التي تضم 120 ألف منتسب، وتحظى بتعاطف شعبي واسع، وبين حكومة تعنتت في تلبية مطالب المعلمين.
وبالرغم من المبادرات العديدة من قبل جهات عدة، سواء النيابية أو الشعبية وغيرها، من أجل إعادة دوران عجلة التعليم في المدارس في الأردن إلى مسارها، فالعملية احتاجت شهراً تقريباً للوصول إلى نقطة التقاء.
وقال مدير "مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية" أحمد عوض، في تصريح صحافي أمس: "نستطيع القول إنّ الأردن هو المنتصر اليوم، فقد سطر المعلمون والمعلمات ونقابتهم، خلال الأسابيع الأربعة الماضية، أروع الدروس في النضال الاجتماعي. صحيح أنّ طلبتنا انقطعوا عن التعليم المدرسي لمدة أربعة أسابيع، لكنّهم تعلّموا دروساً أكبر وأعمق في الدفاع عن حقوقهم". وأضاف: "ليس الطلبة فقط من تعلّم الدرس في انتزاع الحقوق، بل إنّ كافة مكونات المجتمع تعلمت الدرس في كيفية الدفاع عن حقوقها وانتزاعها، وفي كيفية بناء التوازنات الاجتماعية والحفاظ على استقرار الأردن بشكل مستدام".
تعديل التقويم
وقدّم رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز اعتذاراً للمعلمين في يومهم الذي صادف السبت، وقال في رسالة وجّهها لهم عبر صفحته على فيسبوك: "كرامة المعلم من كرامتنا، وهيبته من هيبتنا، ولا نقبل الإساءة للمعلّم والتقليل من احترامه بأيّ شكل من الأشكال". وأضاف "تأسف الحكومة لأيّ حدث انتقص من كرامة المعلمين، وتلتزم باستكمال التحقيق والأخذ بنتائجه وننتظر نتائج تقرير التحقيق من المركز الوطني لحقوق الإنسان لاتخاذ الإجراءات المناسبة". وقال "نحن حريصون على عودة المعلم إلى محرابه، غرفة الصف، مرفوع الرأس، حاملاً رسالته، رسالة النور، التي طال انتظار أبنائكم لها لتحقيق الفريضة الواجبة علينا جميعا تجاه الجيل، ونحن واثقون من التزامكم بها وحرصكم عليها".
وكان الناطق باسم نقابة المعلمين الأردنيين، نور الدين نديم، قد رحّب، السبت، برسالة رئيس الوزراء، مؤكداً أنها تتضمن "اعتذاراً واضحاً وصريحاً"، مثمناً خطوة الحكومة. وأكّد نديم إمكانية إعادة تقويم العام الدراسي، عقب شهر من الإضراب الذي نفذته النقابة: "مثلاً بدلاً من أن يبدأ في 1/ 9/ 2019، سيبدأ في الموعد الجديد ويستمر لمدة 195 يوماً، وفقاً لقانون التربية والتعليم" كما قال.
من جهته، يقول الكاتب الصحافي الأردني زياد الرباعي، لـ"العربي الجديد"، إنّ الرابح من هذه الخطوة هو الدولة الأردنية، فهذا الاعتذار والحصول على العلاوة، كسرا الاحتقان الذي خيّم على المجتمع خلال الفترة الماضية، وهي خطوة مهمة جداً، تعيد للمعلم احترامه وكرامته وحقوقه. يضيف أنّ التصلب في المواقف لا يخدم أحداً، مشيراً إلى أنّ هناك قيادات جديدة في النقابات تدير الأمور بشكل منظم ومختلف، مشدداً على أنّ الحوار هو الأسلوب الأمثل لتجاوز الأزمات. يتابع أنّ الحكومة فشلت، خلال الفترة الماضية، في إدارة الأمور بالشكل الأفضل، وما حدث يوجب عليها مراجعة طريقة تعاملها مع كثير من القضايا، مشيراً إلى أنّ الأزمة سلطت الضوء على ضرورة إعادة هيكلة المؤسسات المستقلة.
من جانبه، يقول الخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات، لـ"العربي الجديد"، إنّ الرهان معلق على حماس المعلمين، فعندما يعودون حاصلين على مطالبهم يكون حماسهم مفصلياً في تعويض ما فات من أيام الإضراب، أما من دون ذلك فالنتائج سلبية وليست على المستوى. يضيف أنّ الحلول التقليدية كإطالة أمد اليوم الدراسي أو الدوام أيام السبت ليست مجدية، مشيراً إلى أنّ الدوام أيام العطل يعطي مردوداً سلبياً للتلاميذ، وهو أمر معيق للتعلم، فهذه العطلة من حقهم. ويوضح أنّ الحلّ هو منح التلاميذ مواد تعلم ذاتي، وواجبات بيتية ونشاطات، واختصار التفاصيل غير المهمة جداً في المنهاج، والتركيز على المهارات الأساسية.