هذا ما أعرفه عن قبيلة الكتّاب

07 ديسمبر 2015
+ الخط -
أعرف كاتباً يسير على الموضة، بضاعته مرصوفة: ديمقراطية، حقوق، عدالة، مساواة، يبيع بالجملة وبالتقسيط، في دكانه، نظرية جاهزة لتأسيس الحزب أو ابتداع القبيلة أو فرم الدولة.
وأعرف كاتباً آخر له كتاب فريد زمانه عن أثر النخيل، وما جاء عنه في لسان العرب. وأعرف مؤلفاً عربياً عظيماً خصص كل جهده لفك مغاليق "شاعر ثري"، فامتدحه في أطروحة حتى نال عطاياه. وأعرف ناقداً عربياً تحدث دون "ماء وجه" عن أدب "زعيم" في كتاب ضخم. وأعرف كاتباً لم يترك من أمور الأدب وقلة الأدب إلا وكتب فيها ذات اليمين وذات السرير. وأعرف كاتبة جميلة للغاية، ولعوباً كفاية، لا تترك مهرجاناً عربياً، ولا مناسبة إلا وتحدثت فيها، بدءا من تاريخ الموضة واللباس ونهاية بالعصر الحجري وشمس الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وأعرف رجلا من بلاد العرب أوطاني، يهاجم في الصحف السيارة وغير السيارة أصدقاءه مراكز النفوذ ويكتب التقارير السرية في زملاء العمل لأقرب مركز أمن.
وأعرف ظاهرة فريدة، له السبق في كل شيء، يأتيه الطير بالنبأ اليقين كل صباح.
وأعرف فتاة ناهدا، توقع دواوينها الكريمة في أسرّة المنعمين، لأن الآه بالنسبة لها هي الجملة "الساقطة" من السطر الشعري، الذي لم يكتب، وقطعة الألماس التي تحشوها في حقيبة يدها.
وأعرف خدما ثقافيين وسقّائين، وأصحاب بطون لا تشبع في حفلات الطعام المفتوح.. هؤلاء يتحدثون في النظرية "واللي خلقها"، وهم عادة مثل بطونهم الثخينة "موسوعات" متدحرجة، لهم في كل شيء لسان، وفي كل مجلس بيان.
وأعرف "لحّاس معطف"، همه الوحيد أن يكون بوقا في الخدمة، ومن بين فتوحاته، أنه جعل من نفّاخ كير أكبر موسيقي في الوطن العربي، بفضل كتيبة الأقلام المأجورة، التي جردها على صفحات الجرائد الفنية، وأصبح صاحب مدرسة فنية وبرز على يديه صفوة من "الجيل الجديد".
وأعرف سيدة بيت محترمة أغواها شيطان الشعر وراودها عن نفسها الشعراء الشياطين، فأصاب ثلاجة البيت الهزال، وصار زوجها المصون يأكل من محلات السندويشات.
وأعرف ناقدا يكتب في "الشعرية"، ويأكل اللحم المشوي، وآخر كل هوسه ما كان آخره "لوجيا" مثل السيميولوجيا والفيلولوجيا و"السيكسولوجيا".
وأعرف خياطا لا يكتب إلا عن "ثقب الإبرة"، وصاحب "بصريات" مغرم بالصورة، وناقدة تتقن فن "الهجاء" من فرط شجارها اليومي مع الجارات.
وأعرف باحثا في الشؤون الدولية له علاقات جيدة جدا مع رصيده في البنك، يتحسسه كل مرة، وعلى وزنه يقيس مقدار الخراب الذي يتهدد العالم ويقرأ على ضوئه مؤشرات الحرب العالمية الثالثة، واجتياح الطوائف للعالم العربي وظهور ياجوج وماجوج من جديد على البسيطة.
وأعرف مستكشف آفاق وصاحب نبوءات مستقبلية، وعرافة تضرب الكف على الشاشة وتقرأ سيرة الآتي بخبرة دولية.
وأعرف مثقفة تدعي أنها من بيت سياسي، وتتحدث عن الدولة الوطنية والديمقراطية التشاركية، رغم أن والدها الكريم كان مجرد مخبر صغير ضد أبناء الوطن.
وأعرف محللا، يعرف حدوده جيدا، يتحدث ببصيرة نافذة عن التوازنات، ولقد عاش ومات وهو على هذه الحال، إلى أن سقطت سيارته الفارهة في هوة سحيقة.
وأعرف أصحاب نظريات في فن التشاؤم، ونساء لهن عيون زرقاء اليمامة، ولاهون عن النظرية بجمع المال، ومؤسسون أولون، ورواد، وأصحاب فتوحات في مجالهم، ومرتزقة ظرفاء يقتلون من الضحك وينطّون على كل الحبال، ولا مشكلة لديهم لا مع يمين أو يسار أو "إخوان".
وأعرف مناضلة حقوقية، كلما حنّت لزمن العبودية فتكت بخادمتها في البيت. وأعرف كاتبا فريدا ومؤلفا عبقريا، مخلصا لكتابه الواحد يغير العناوين والطبعات ويضيف المقدمات حتى وصل إلى المقدمة السابعة.
وأعرف الفشل يسعى على رجليه، واليأس يباع مع حليب الأطفال، وأعرف الفجر الكاذب، والحب الملعون في زمن الجنون.
وأعرف، أيضا، رجلا من عائلة محترمة "يرسم" .. على بنات الجيران.
6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..