هذا العالم الشائك

25 ديسمبر 2017

أردنيون يتظاهرون أمام السفارة الأميركية في عمّان (22/12/2017/فرانس برس)

+ الخط -
أقامت نقابة الصحافيين الأردنيين ندوة عن خيارات الأردن المتاحة لمواجهة المرحلة الراهنة، قال فيها نائب رئيس الوزراء الأسبق، مروان المعشر، إن الأردن يكاد أن يكون الآن دولة بلا حلفاء، بعد أن تخلى عنها حلفاؤها التقليديون، وبدأ هؤلاء بالانحسار. وشدد على حتمية الرهان على الجبهة الداخلية وتعزيزها.. يا فرحة ما تمّت يا معشر، ويمكن القول، في السياق نفسه: عليه العوض ومنه العوض، وأنت سيد العارفين، باعتبارك من صناع القرار، ومن أبرز الطهاة في المطبخ السياسي في مرحلة حرجةٍ، لم يتم فيها التطرّق إلى ضرورة الرهان على الجبهة الداخلية، بل جرى تهميشها وقصقصة أجنحتها. .. ما علينا.
لا ألومك أبدا. هذا حال السياسة، لا يمكن لها أن تثبت على حال. تلك طبيعة الأمور. معك حق في كل ما ذهبت إليه، غير أن الجبهة الداخلية، معاليك، باتت مستنزفة، مرهقة، استهلكها الفساد وغلاء الأسعار والمحسوبيات وتراجع الخدمات، ولا تملك، في هذه المرحلة، سوى مهارات الهتاف والاعتصام، وذلك من باب أضعف الإيمان.
من جانب آخر، ندّد نائبٌ عابر للمجالس النيابية، فائق الحماسة، مستخدما أشد العبارات عاطفية وثوريةً، بسياسات أميركا الغاشمة، إثر قرارها الأحمق اعتبار القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وقد نسي سعادته، أو حاول أن ينسى، يوم رصدت كاميرات خصومه السياسيين صورته، وهو يقدّم الطعام ويصب الشراب، بتهذيب بالغ، أمام السفير الأميركي في عمّان، في مناسبة اجتماعية، حيث كان الرجل الأشقر يحل ضيفا عزيزا في محافل كثيرة، ويتم استقباله بحفاوةٍ غير مفهومة، على الرغم من أن أميركا الغاشمة هي ذاتها، بالملامح القبيحة نفسها. لم يتغير شيء، ولم تنقلب علينا "في ليلة ما فيها ضو قمر"، ولم تعبر، عبر تاريخ الصراع الطويل مع العدو الصهيوني المجرم، سوى عن دعمٍ موصولٍ بلا حدود للكيان المغتصب.
لم يتجاوز ما قام به ترامب إزالة ورقة التوت الساقطة أصلا عن سياسات البيت الأبيض المنحازة للصهاينة، وهذا تفصيل صغير في الحكاية المأساوية. المهم أن سعادة السفير كان سعيدا بتجربة المنسف الأردني. ومع ذلك، نغفر للنائب هذه الهفوة غير المقصودة، لعله اضطر لها بروتوكوليا. ولا شك في أنه أقدم عليها بحسن نية، ولم يدر في خلده يوما أن المسؤولين الأميركان، بقيادة الأحمق الأرعن ترامب، زعيم العالم الحر الديمقراطي، سيحاولون ممارسة التشبيح والابتزاز الرخيص على المجتع الدولي، والتهديد بقطع المصروف عمن يخالفها في التوجه، غير أن العالم قال كلمته واضحةً صريحةً إن القدس فلسطينية، على الرغم من بطشكم وبلطجتكم، ما جدّد الأمل وأنعش اليقين بقوى الخير في العالم التي وقفت قويةً حازمةً في وجه رمز الطغيان، رافضة الخضوع لشروطه المجحفة. ويبقى صوت الحق أعلى، وأكثر قدرةً على التأثير، على الرغم من كل اعتبارات السياسة المتحولة المتبدّلة، حيث صديق الأمس هو عدو اليوم، ولا ضمانات حقيقية في هذا العالم الشائك، شديد الوعورة منزوع الأخلاق.
الآن، يتجمع أردنيون أمام سفارة العدو الأميركي في قلب عمّان، النابض عشقا لتوأمها قدسنا الأغلى والأعلى والأعز. يهتفون من قلوبهم لحرية التراب الفلسطيني. يحيطون بصبايا فرقة الحنونة وشبابها، وهم يرتدون الأزياء الشعبية. الشباب يتباهون بالكوفية والقمباز، والصبايا يخطرن بخفةٍ في أثوابهن المطرّزة بالرسومات الكنعانية، يشبكون الأيادي، ويعقدون حلقة الدبكة، تدق أقدامهم الأرض على أنغام أغنياتٍ تراثية، تتردد في الأصداء كلماتهم عالية قوية.. "يا حلالي ويا مالي.. يا ربعي ردّوا عليا"، وهم يعرفون أن الربع في الطرف الآخر في سابع نومة، أو لعلها غيبوبة ضميرٍ، لا أمل بصحوته في الأمد القريب.
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.