هدنة خمس سنوات في غزة
يحق للسلطة الفلسطينية، وللقيادة المصرية، الشعور بالقلق العميق من إعلان إسماعيل هنية، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، السبت الماضي، صحة الأنباء التي تحدثت عن وجود مساعٍ للتوصل إلى هدنة لمدة خمس سنوات، في قطاع غزة، مقابل رفع الحصار.
الأمر لم يعد مجرد معلومات غير موثوقة، سربها موقع "واللا" الإسرائيلي، بداية شهر مارس/آذار الجاري، بعد أن قطع هنية الشك باليقين، وأكد المعلومة، بل وأعلن، أيضاً، أن حركته لا تعارض مقترح الهدنة، شريطة ألا يؤدي ذلك إلى "تفرّد" إسرائيل بالضفة الغربية.
وفي ظني، لم يكن لهنية أن يطلق تصريحه الأخير، من دون أن يمتلك تأكيدا، من الوسطاء الأوروبيين، يفيد بقبول إسرائيل فكرة الهدنة، ولو مبدئياً. وسيشكل إقرار هذا الاتفاق، بين حركة حماس وإسرائيل، ضربة كبيرة للسلطة الفلسطينية، حيث سيخرج غزة من دائرة الصراع، فترة ليست قصيرة، وسيتيح لإسرائيل التفرد بالضفة، بتكثيف الاستيطان، وتهويد القدس، خصوصاً في ظل وجود حكومة يمينية متطرفة. ولهذا، لم يكن وضع هنية في تصريحه شرط "عدم تفرّد إسرائيل بالضفة الغربية"، عبثا، بل محاولة منه، لطمأنة السلطة الفلسطينية، والرد على أي اتهامات ستوجه لحركته بإلحاق الضرر بالقضية الفلسطينية.
أما عن دواعي القلق المصري من التوصل إلى هذا الاتفاق، فتتمثل في إمكانية فقدان مصر الورقة الفلسطينية، بعد تمتع قطاع غزة باستقلال نسبي عن مصر، من خلال "الميناء البحري" الذي يعد أحد أهم بنود "الهدنة"، وعدم الحاجة لمعبر رفح البري، وهو ما قد يتيح لحركة حماس قطع "شعرة معاوية" مع القيادة المصرية.
لكن، ماذا عن إسرائيل، هل ستقبل بالهدنة مع حماس؟ تحتمل الإجابة وجهين، فالتوصل إلى هدنة مع الحركة سيفيدها من عدة نواحٍ، أهمها: تعزيز الانقسام الفلسطيني، وزيادة أمده، من خلال رفع الحصار عن قطاع غزة، وهو ما يقوي من موقف حركة حماس، ويضعف أوراق القوة التي يمتلكها الرئيس أبو مازن.
كما أن الهدنة ستحيّد غزة عن دائرة الصراع، وستريح إسرائيل من مشكلاتها فترة طويلة نسبياً، وهو ما سيتيح لها "التفرد" بمدينة القدس والضفة الغربية التي تعتبرها إسرائيل جزءا أساسيا من أرضها، وأمنها في الوقت نفسه.
وفي المقابل، يحتمل الأمر مخاطر أخرى على إسرائيل، حيث ستكون الهدنة بمثابة "قُبلة الحياة"، بالنسبة لحركة حماس، واعترافا إسرائيليا بفشل سياساتها السابقة، المتمثلة في مواجهة الحركة من خلال "الحصار" و"الحروب"، وسيمكّن الحركة من تقوية ذاتها في مختلف المجالات، وهو ما لا تقبله إسرائيل.
نحن، إذن، أمام احتمالين، يتمثل الأول في أن إسرائيل موافقة على اتفاق الهدنة مع حركة حماس، من باب قبول "أخف الضررين"، وتغليبا للمصالح على المفاسد. ويتمحور الثاني حول وجود خدعة إسرائيلية، تمثلت بإيهام حركة حماس بقبولها الهدنة، بهدف تخدير الحركة إلى حين إتمام الانتخابات الإسرائيلية، مخافة أن تستخدم الحركة بعض أوراقها التي يمكن أن تؤثر على الشارع الإسرائيلي، وتتسبب في خسران نتنياهو الانتخابات.
ومن هذه الأوراق، كشف الحركة عن مصير جنود إسرائيليين أحياء، أسرى لديها، من خلال مقاطع فيديو، قبيل موعد الاقتراع، بهدف التأثير على مزاج الناخبين. ووفق هذا "الاحتمال"، لن يعقد نتنياهو الفائز بالانتخابات اتفاق هدنة مع حماس، بل سيواصل سياسة "الحصار"، وربما "المماطلة"، إلى حين توفر ظروف مواتية له، للانقضاض مجددا على القطاع، وإسقاط حكم الحركة.
أيا كان الأمر؛ نعتقد أن الكرة، الآن، في ملعب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الذي عليه أن يسارع لتنفيذ اتفاق المصالحة، وتسلّم المسؤولية كاملة عن قطاع غزة، من خلال حكومة التوافق، ما سيؤدي إلى فتح معبر رفح، وبالتالي، قطع الطريق على أي مخططات إسرائيلية محتملة.