31 أكتوبر 2024
هدايا الليل المفاجئة
ترسل إليك العناية الإلهية أحيانا هدايا جميلة غير متوقعة على الإطلاق، في أوقاتٍ لم تكن تظن أن أحدا يتذكّرك فيها أبدا، وظروفٍ لم تكن تعتقد أن حدثا ما يمكن أن يحدث لك فقط، ليغيرها على النحو الذي تشتهيه تماما.. لكنها تحدث. لا تعرف كيف، ولا متى بالضبط، فقط تعرف أنها تحدث. وأكاد أجزم أنها حدثت لنا جميعا مراتٍ ومرات. ينتبه بعضنا إليها فوراً، ويتلقفها بحماسة، ويعترف بأثرها الجميل عليه، ويتحدث عنها لنفسه وللآخرين، على سبيل الامتنان واستدراج مزيدٍ منها، وفقا للقاعدة القرآنية الموجزة؛ "لئن شكرتم لأزيدنكم". وبعضنا لا يعترف بها، لأنه لا يتقبلها إلا على سبيل أنها الاعتياد المنتظر والمتوقع، حتى لو لم تكن كذلك، وربما يتحاشاها بشكل مباشر أو غير مباشر، فتجده يستخسر أن يبتسم في وجه من أهدى له ابتسامةً وقت الخطوب التي تحيط به، ويستصعب أن يقول شكرا لمن يأخذ بيده حتى تمرّ العاصفة، ويتجنّب أن يستحسنها، أو يتحدث عنها حتى لنفسه، على اعتبار أن تلك المساعدة العابرة، وإن عظمت نتائجها، في النهاية، من أبسط واجبات ذلك الشخص المستحقة عليه، وبالتالي لن يستحق أن يشكره على تنفيذها، فلا شكر على واجب!
عرفت أولئك وعرفت هؤلاء، وعشت المواقف كلها تقريبا، وتقلبت بين ردود الأفعال في مراحل متعاقبةٍ من حياتي، فعرفت شيئا من تصاريف القدر وطرائقنا، نحن البشر، في التعامل معها.
كنت البارحة أعيش ظرفا نفسيا عصيبا، إثر موقفٍ كاد، لفرط بؤسه، أن يقضي على ما اشتهرت به من تفاؤلٍ في سنواتي الأخيرة.
لم أستطع أن أتجاوز ذلك الظرف العصيب الذي عشته وحدي تماما، على الرغم من كل محاولاتي المعتادة في مثل هذه الظروف، وعلى الرغم من خبرتي الكبيرة والمعتقة، والتي تراكمت سنين طويلة في مواجهة الشدائد النفسية مهما كانت، بحيل ذاتية متنوعة. كان الليل قد مضى ثلثاه، واقترب الفجر بلا نوم، ولا قراءة، ولا كتابة، ولا سماعة، وربما بلا تفكير أيضا. كنت أنتظر صلاة الفجر، وبعدها فليقض الله أمراً كان مفعولا، لكن ما جعلني أتجاوز الموقف، في النهاية، وقبيل نداء الصلاة، بسلام لم يكن متوقعا ولا منتظرا، كان مجرد هدية من هدايا الليل غير المتوقعة.
رسالة عابرة وصلت إلي من سيدةٍ لا أعرفها، لكنها تتابعني عبر تطبيق سناب شات أرسلت رسالتها في ذلك الوقت، وصادف أن فتحت هاتفي الصغير في اللحظة نفسها بعدما كان مغلقا. ومن بين الرسائل العديدة التي وجدتها في تطبيق سناب شات موجهة إلي، لم أختر إلا تلك الرسالة، بلا أي سبب مفهوم.
كانت السيدة تتحدث، في رسالتها، عن نفسها، لا عني، وتعرض أمامي مشكلتها لا مشكلتي. لم تطلب عوناً ولا مساعدة، لكنها، كما فهمت لاحقا، وجدتني أهلاً لأن تخبرني بهمومٍ ضاقت بها نفسها؛ عرضت المشكلة وأسبابها ونتائجها.. وخلصت إلى سيلٍ من الأسى الذي تواءمت معه في النهاية، لتواجه الغدر بوفاءٍ من نوع اكتشفته في عيون صغارها.. كنت أقرأ كمن يتصفح فصولا منسيةً من تاريخه الشخصي، فقد وجدت بين السطور ما أنقذني من ورطتي مع الأسى وأحزان الليل الطويل. وجدتني في اللحظة التي انتهيت فيها من قراءة الرسالة شخصا آخر تماما. حتى أنني للحظاتٍ نسيت ما كنت أفكر فيه، بل وتفاصيل الموقف الذي أحال ليلي إلى مشروع كابوس طويل، لأن يكون مشروع اكتشافٍ جديدٍ للذات من زاوية أخرى. كنت على سبيل الامتنان للقدر الذي حط رحاله بين تضاعيف ليلي الحزين بهيئة امرأةٍ مجهولة، أود مساعدة تلك المرأة، ولو على سبيل التواصل وحسب. تحدثنا، على الكتابة طويلا، قبل أن ننهي الحديث بأدعيةٍ متبادلةٍ تحت ظلال صلاة الفجر.. ونمت.
في الصباح، كنت أشعر أنني خفيفة جدا إلى الحد الذي أريد فيه كتابة مثل هذا المقال.
عرفت أولئك وعرفت هؤلاء، وعشت المواقف كلها تقريبا، وتقلبت بين ردود الأفعال في مراحل متعاقبةٍ من حياتي، فعرفت شيئا من تصاريف القدر وطرائقنا، نحن البشر، في التعامل معها.
كنت البارحة أعيش ظرفا نفسيا عصيبا، إثر موقفٍ كاد، لفرط بؤسه، أن يقضي على ما اشتهرت به من تفاؤلٍ في سنواتي الأخيرة.
لم أستطع أن أتجاوز ذلك الظرف العصيب الذي عشته وحدي تماما، على الرغم من كل محاولاتي المعتادة في مثل هذه الظروف، وعلى الرغم من خبرتي الكبيرة والمعتقة، والتي تراكمت سنين طويلة في مواجهة الشدائد النفسية مهما كانت، بحيل ذاتية متنوعة. كان الليل قد مضى ثلثاه، واقترب الفجر بلا نوم، ولا قراءة، ولا كتابة، ولا سماعة، وربما بلا تفكير أيضا. كنت أنتظر صلاة الفجر، وبعدها فليقض الله أمراً كان مفعولا، لكن ما جعلني أتجاوز الموقف، في النهاية، وقبيل نداء الصلاة، بسلام لم يكن متوقعا ولا منتظرا، كان مجرد هدية من هدايا الليل غير المتوقعة.
رسالة عابرة وصلت إلي من سيدةٍ لا أعرفها، لكنها تتابعني عبر تطبيق سناب شات أرسلت رسالتها في ذلك الوقت، وصادف أن فتحت هاتفي الصغير في اللحظة نفسها بعدما كان مغلقا. ومن بين الرسائل العديدة التي وجدتها في تطبيق سناب شات موجهة إلي، لم أختر إلا تلك الرسالة، بلا أي سبب مفهوم.
كانت السيدة تتحدث، في رسالتها، عن نفسها، لا عني، وتعرض أمامي مشكلتها لا مشكلتي. لم تطلب عوناً ولا مساعدة، لكنها، كما فهمت لاحقا، وجدتني أهلاً لأن تخبرني بهمومٍ ضاقت بها نفسها؛ عرضت المشكلة وأسبابها ونتائجها.. وخلصت إلى سيلٍ من الأسى الذي تواءمت معه في النهاية، لتواجه الغدر بوفاءٍ من نوع اكتشفته في عيون صغارها.. كنت أقرأ كمن يتصفح فصولا منسيةً من تاريخه الشخصي، فقد وجدت بين السطور ما أنقذني من ورطتي مع الأسى وأحزان الليل الطويل. وجدتني في اللحظة التي انتهيت فيها من قراءة الرسالة شخصا آخر تماما. حتى أنني للحظاتٍ نسيت ما كنت أفكر فيه، بل وتفاصيل الموقف الذي أحال ليلي إلى مشروع كابوس طويل، لأن يكون مشروع اكتشافٍ جديدٍ للذات من زاوية أخرى. كنت على سبيل الامتنان للقدر الذي حط رحاله بين تضاعيف ليلي الحزين بهيئة امرأةٍ مجهولة، أود مساعدة تلك المرأة، ولو على سبيل التواصل وحسب. تحدثنا، على الكتابة طويلا، قبل أن ننهي الحديث بأدعيةٍ متبادلةٍ تحت ظلال صلاة الفجر.. ونمت.
في الصباح، كنت أشعر أنني خفيفة جدا إلى الحد الذي أريد فيه كتابة مثل هذا المقال.