لعبت النساء دوراً هاماً في ثورة الحرية والكرامة التي اندلعت في 11 يناير/كانون الثاني 2011 في تونس، ووُصفن بـ"المهندس الحقيقي" للثورة، ولكن ظل دورهن خفياً، وظلت الحقائق مغيبة، ولم تحصد المرأة ثمار مساهمتها الفعّالة في الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي، وتم إقصاؤها من غالبية المناصب الحكومية.
اقرأ أيضاً: في تونس.. نساء صنعتهن الثورة
تبقى أحداث 14 يناير/كانون الثاني 2011، وما رافقها من تطورات من أهم اللحظات التي عاشها التونسيون، قدّمت خلالها التونسيات؛ سياسيات، وحقوقيات، ومناضلات ومحتجات، الدعم المعنوي، واللوجستي للمتظاهرين، وقدن احتجاجات أدت إلى الإطاحة بالنظام السابق.
وتقول الأمينة العامة للحزب الجمهوري، مي الجريبي، إنّها كانت من بين المشاركات في التحركات الاحتجاجية التي حصلت في تونس قبيل سقوط نظام بن علي، وإنها واكبت تفاصيل يوميات الثورة. وتضيف الجريبي لـ"العربي الجديد" أنّها وقعت على بيان للحزب الجمهوري، في 11 يناير/كانون الثاني 2011، والذي ندّد الموقعون عليه، بالتصعيد الخطير للقمع الحاصل في كل من محافظات تالة، والقصرين، والرقاب، خصوصاً إطلاق قوات الأمن التونسي النار على المتظاهرين، وتقول إنهم وصفوا ما يحصل في تونس آنذاك بالمذبحة، محملين السلطة مسؤوليتها عن أعمال القمع، والقتل المسلّطة على الاحتجاجات الشعبية.
وتكشف الجريبي أنّها كانت، أيضاً، تنسق بين المحتجين وبعض وسائل الإعلام. وفي ظل غياب التغطية الإعلامية الرسمية للاحتجاجات، لجأوا لوسائل التواصل الاجتماعي. وتوضح أن فيديو امرأة تونسية شجاعة لم تخش بن علي، أثر فيها ورفع من معنوياتها، لكي تمضي قدماً في محاربة النظام السابق. هذا الفيديو أظهر امرأة من منطقة الرقاب، الفقيرة والمهمشة، قُتل ابنها بالرصاص أثناء الاحتجاجات التي اندلعت في تونس. لكن في الجنازة، توجّهت الأم المنكوبة برسالة إلى الجموع، قالت فيها، إنّها مستعدة للتضحية بأبنائها الأربعة، لتكون تونس أفضل مما هي عليه اليوم، مؤكدة أن تونس عزيزة وربما أعز من أبنائها.
بعدها بأيام قليلة، كان قد بدأ نظام بن علي يتهاوى. ألقى الأخير خطابه الشهير، والذي خاطب فيه الشعب التونسي: "أنا فهمتكم"، وظن بعضهم بعدها أن الاحتجاجات ستتوقف. ولكن الجريبي اختارت النزول الى شارع الحبيب بورقيبة في حينها.
تقول، إنه في 14 يناير/كانون الثاني، بدأ المحتجون يتدفقون تدريجياً، وكان إحساسها يخبرها أن شيئاً ما سيحصل. وتضيف "اتصلت بأحد رفاقي في الحزب الجمهوري، خصوصاً أنني لم استبعد فرضية إطلاق الرصاص علينا، وتركت وصية أخبره فيها، أنني في شارع الحبيب بورقيبة، وأنني أشعر أن تونس تحررت، ولن نقبل الذل مجدداً، وأنه في صورة موتي عليه أن يخبر الجميع أنهم لم، ولن يصمتوا".
وتبين الجريبي، أن النساء كن من بادرن بترداد العبارات التي تضمنتها الشعارات المرفوعة، ثم ردد الحاضرون ما قالته النساء حرفياً.
وتوضح أن المرأة، قامت بدور هام في أحداث الحوض المنجمي، جنوب تونس، وكن "أيقونات" الثورة، وأنها تحيّ المناضلات وفي المقدمة الراحلة جمعة الحاجي، التي لعبت دوراً بارزاً في التعبئة الشعبية، وفي ترأس الاعتصامات. وتذكر أن المرأة التونسية كانت في الصفوف الأمامية في العاصمة وفي المناطق الداخلية.
من جهتها، تؤكد المدونة التونسية، لينا بن مهنى، أن قصة مشابهة تماماً لقصة البوعزيزي حصلت في محافظة المنستير، حيث توفي بائع متجول يدعى، عبدالسلام تريمش، في مارس/آذار 2010؛ سكب البنزين على جسده، بعدما حجزت الشرطة البلدية عربته، ولكن سرعان ما تم تطويق التظاهرات التي حصلت.
وتضيف بن مهنى لـ"العربي الجديد" أنها كانت تواكب ما يحصل وتصور وتنشر على صفحات التواصل الاجتماعي الاحتجاجات، وتبين أنها انتقلت الى محافظة سيدي بوزيد وواكبت الاحتجاجات التي اندلعت هناك، ثم تلك التي حصلت في العاصمة تونس.
بن مهنى كانت تدون ما يقوم به نظام بن علي ضد المعارضة، منذ العام 2008، وتقول إنها لم تكن خائفة على الرغم من التضييقات والتهديدات. وتوضح أنها كانت تستعين بالفيديوهات وبرنامج المحادثات "سكايب" لنقل الأحداث الى الفضائيات، وإلى المواقع العربية، خصوصاً وأن وسائل الإعلام في تونس كانت ممنوعة من نقل الأحداث.
وتشير إلى أنها انتقلت الى بيوت عائلات الشهداء في القصرين، وفي الأحياء الفقيرة. ومن بين المواقف الصعبة التي أثرت فيها، تذكر زيارة عائلة الشهيد، نزار التليلي، في القصرين، حيث كانت يداها ترتعشان تأثراً بالحادثة، فحملت عنها أمه الكاميرا، وتوسلتها أن تصور وأن تنقل للعالم كيف قتل ابنها؛ فالتونسيون وصلوا الى درجة من الاحتقان، جعلتهم لا يخافون بن علي ولا الموت.
وتؤكد بن مهنى، أنه من خلال الشهادات التي وثقتها تبين لها أنه كان هناك نية للقتل، واستهداف المتظاهرين مباشرة، موضحة أن الرصاص الذي تم إطلاقه على المحتجين كان مصوباً بدقة عالية وطاول مباشرة الرأس والدماغ والقلب.
وتلفت إلى أن نساء تونس خرجن في التظاهرات وقدن مسيرات ضمت النساء فقط، وقدمن الدعم للمحتجين؛ كن يطبخن لهن الطعام، ثم يرفعن أصواتهن عبر مكبرات الصوت، ليهتفن ويخطبن والجماهير تردّد وراءهن.
وتجسد حكاية راوية البلومي، من منزل بورقيبة شمال تونس، الكثير من معاني الثورة التونسية، فهي من أصحاب الشهادات العليا العاطلين عن العمل، شاركت في الكثير من الاحتجاجات التي نُظمت أمام معتمدية منزل بورقيبة للمطالبة بتأمين فرص العمل.
وتقول راوية لـ"العربي الجديد" إن "من يعاني البطالة والتهميش لأعوام، لا يمكن أن يخاف، وعندما تأتي الفرصة للمطالبة بالعمل، فإن همنا الوحيد كان إيصال صوتنا، لم نكن نبالي بنظام بن علي ولا بطشه".
وتضيف "كنا نصرخ، شغل حرية كرامة وطنية"، وتذكر كيف أنّ معتمد الجهة كان خائفاً، بسبب كثرة المحتجين أمام مقرّه، حتى أنه قرر يومها استقبال المتظاهرين والاستماع إليهم فرداً فرداً، وأنه على الرغم من يقينه أن المسألة غير ممكنة لضيق الوقت، إلا أن أمله كان التهدئة.
وتضيف راوية أنه بعد إطلاق الرصاص، وسقوط قتلى من بين المحتجين، قررن العودة الى ديارنا، خصوصاً مع اقتراب حلول الظلام وحرق بعض المقرات الأمنية.
لرواية، طفل يدعى يوسف، عمره 5 أعوام وبضعة أشهر، أي من عمر الثورة التونسية تقريباً، ولكن طفلها حرم من والده، الشهيد سفيان بن جمالة، وهو جندي تونسي، مات على يد القناصة.
وتكشف راوية أن ملف القناصة ظل من الملفات الغامضة، معتبرة أنه بفتح ملف زوجها سيكشف الكثير عن لغز القناصة في تونس. وتوضح أنّ زوجها التحق بالعمل في 12 يناير/كانون الثاني، وذات ليلة طلب من زوجها ورفيقه التدخل بعدما دخل قناصان إلى بناية آهلة بالسكان. وبحسب سكان العمارة، وشهود عيان، نزل قناصان من سيارة، وكان يرتديان لباساً رياضياً، ولديهما حقيبتان سوداوان.
وتضيف أن زوجها عمل على إجلاء السكان إلى مأوى في أسفل العمارة، وأنهم بقوا هناك طيلة يوم كامل من شدة الخوف. وتقول إنه لولا هذا التصرف لربما وقعت مجزرة ومات الكثير من الأبرياء. وعلى الرغم من أن الشهيد، سفيان، كان يرتدي صدرية واقية، إلا أنه أصيب برصاصة في الدماغ، وهو ما يبين أن القناص محترف، غايته القتل.