تشير بعض الدراسات المتخصصة إلى أنّ الألمان قلّما يضحكون. وهو ما دفع بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للقول إنّها لا تعرف سبباً لذلك. جاء تصريح ميركل بعد نشر دراسة أوروبية تشير إلى أنّ الألمان أقل ضحكاً من جيرانهم في الدول الباردة. لكنّ العمل جار لمعالجة هذه الظاهرة. وفي هذا الإطار، بادر بعض المراكز إلى إطلاق برامج تدريب على الضحك، هدفها تعزيز روح الفكاهة لدى الشعب الألماني.
وعن ذلك، يقول مدرّب الضحك يوري شميدت، لـ"العربي الجديد": "للضحك فوائد كثيرة. فالضحك لا يعني الفكاهة فقط، بل يساعد على خلق السعادة، وله تأثير إيجابي على الحياة بشكل عام. فالمزاج المرح يجعل الشخص أكثر انفتاحا وتقبلاً للآخر. من جهتي، أعمل على جعل طلاب الصفوف يعودون لتفعيل حياتهم الفطرية ونشاطهم من خلال الضحك".
هذا وتثبت بعض الدراسات أنّ 70 في المائة من الأمراض ناتجة من الإجهاد في العمل والتوتر. وتوصي بضرورة خلق جو من المرح وبيئة عمل مليئة بالفرحة للموظفين، للحد من التوتر والمرض.
وفي ألمانيا، يظهر عدد متزايد من الناس، فتوراً في أداء وظائفهم المتعددة. وهو ما يسبب ضررا اقتصاديا كبيراً على مستوى البلاد. فكثير من الموظفين يتغيبون عن عملهم لهذا السبب، وهو ما يؤثر على الدورة الإنتاجية. وهو ما دفع بالكثير من المعنيين إلى رفع شعار تعزيز الصحة من خلال الفكاهة. ويأتي ذلك في إطار العنوان العريض لتعزيز الصحة الذي يشكل اليوم في ألمانيا أحد أهم قضايا إدارة الموارد البشرية.
وتنتشر مراكز الضحك تلك في الكثير من المدن الألمانية، خصوصاً التي تضمّ نشاطات اقتصادية صناعية وتجارية كبيرة.
وتقول سينا تغاروب التي تعمل مدربة محترفة للضحك منذ 13 عاماً في أحد النوادي الخاصة بهذا المجال في هامبورغ (شمال غرب ألمانيا)، إنّ أهل المدينة قليلاً ما يضحكون. وتضيف أنّها كانت سكرتيرة قبل عملها الحالي. وقبل بلوغها الخمسين من عمرها، قررت خوض هذا المجال، بعد أن قرأت مقالاً مطولاً في مجلة طبية عن أهمية المرح في حياة الإنسان.
وتعتبر مدينة هامبورغ ثاني أكبر مدينة في ألمانيا بعد العاصمة برلين من حيث عدد السكان. وفي هذه المدينة التي تجري فيها نشاطات اقتصادية كبرى، وينشغل أهلها بالكثير من الإجهاد والتوتر، تقدم تغاروب دروساً يحضرها في الغالب أشخاص مسنون. ويبدأ درس الضحك كما تصف بترداد صوت "ها ها ها ها" طوال خمس دقائق من غير سبب ظاهر. فتتمازج الاصوات وتشكل جوقة موسيقية. من بعدها تمد تغاروب لسانها كالمهرج، ويضع الجميع أيديهم على بطونهم ويبدأون بالضحك في قهقهة غير مرتفعة الصوت. ويعتبر هذا التمرين نوعاً من التسخين لعضلات الجسد، فالرئتان وعضلات الوجه بحاجة الى التمرين. ومن بعدها تبدأ أجواء فكاهية تستمر ساعة.
وتشير تغاروب إلى أنّ أهم ما في عملية الضحك أنّها شديدة الفعالية في إلهاء العقل عما يشغله. وفي الوقت عينه، تحوّل رؤية المتدرب إلى المواقف الحياتية والمشاكل التي تصادفه، فيبدأ بتذكرها بشكل أكثر مرحاً. وبذلك، تتشكل المواقف بخصوص المشاغل والمشاكل بصورة مختلفة تثير الضحك لا الغضب او الحزن.
من جهته، يقول رئيس جمعية الأطباء المنزليين في ولاية ساكسونيا السفلى هاينتز يارمارتز: "الضحك ليس في متناول الجميع، فالبعض لا يجد ما يضحكه". ويضيف: "حين نضحك يتحرر هرمون إندورفين الخاص في جهازنا العصبي، ويسبب لنا السعادة".
وفي هذا الإطار، ينصح الطبيب جميع مرضى الاكتئاب بارتياد نوادي الضحك للبحث عن لحظة فرح أو بهجة. كما يؤكد أنّ مثل هذه النوادي جيدة حتى للأشخاص الذين لا يعانون من الكآبة، فالضحك "رياضة مفيدة تحرك 150 عضلة في الجسد".