نهاية عصر النفوط الثقيلة

14 يناير 2015
حقل نفط (أندرو بيرتون/غاتي)
+ الخط -
يبدو أن عصر النفوط الثقيلة قد انتهى مع بدايات تطور الصناعات النفطية وتحديات ومخاطر البيئة وتحسن طرق الصناعة في الدول النامية. هذه العوامل، أدت الى التقليل من الاعتماد على النفط الثقيل أو الخفيف الكبريتي. وهذا ما دفع نحو تطوير الحقول النفطية الخفيفة في العديد من الدول، كالعراق، وتحديداً في البصرة وليبيا وغيرها من المناطق الحيوية المنتجة لهكذا نوع من الانواع النفيسة للنفط والمهمة لتصميم الطاقات الانتاجية في نظام المصافي في الدول الصناعية المستهلكة، في أوروبا وآسيا وحتى الولايات المتحدة الأميركية.
تتجه الدول الصناعية اليوم إلى تقليل آثار الاحتباس الحراري، والتأثير في أسواق النفط العالمية في إطار الاتجاه نحو النفط الخفيف، ذات درجة كثافة قليلة جداً، تتلاءم مع عصر الصناعة التكنولوجية المعاصرة،، خصوصاً مع نمو حركة الطيران العالمية وغيرها من الخدمات والمنتجات التي تحتاج الى الوقود (المشتقات النفطية).
تنعكس هذه الاتجاهات بطبيعة الحال على دول عديدة منتجة للنفط الثقيل، أبرزها دول منطقة الشرق الاوسط التي تنتج كميات كبيرة من النفط الثقيل. كما ستنعكس أيضاً على عدم قدرة الصناعة النفطية على التكيّف مع تطور الصناعة النفطية والتقنيات المعاصرة لإعادة تهجين نوعية النفوط المنتجة، كونها تحتاج الى استثمارات كبيرة وعملاقة.
واللافت في هذا السياق، أن الدول النفطية المنتجة لهذه الانواع من النفوط، تعتمد في موازناتها المالية الريعية تحصيل إيرادات تصل من 70 إلى 90%. وبالتالي، فإن تحويل كميات كبيرة واستثمارها في الصناعة النفطية بات صعباً جداً. ومن هنا، فإن الطريق طويل أمام دول منطقة الشرق الاوسط في التحوّل عن النفط الثقيل، وبناء أسواق جديدة تتكيّف مع متغيّرات العصر واتجاهات الاستهلاك العالمي نحو النفط الخفيف.
بات من الواضح أنه في حال الاستمرار في هذا الاتجاه، فإن تأثيرات سلبية كبيرة ستترك أثرها على الموازنات المالية العامة في دول الشرق الاوسط. إذ إن البدائل الاخرى للاقتصاد تحتاج الى استثمارات مالية كبيرة، من أجل إعادة إحيائها والتخلّص من آثار المرض الهولندي الذي على ما بدو بات أحد الاوبئة الحقيقية للمالية العامة في معظم دول الشرق الاوسط.
إن التفكير السليم بإعادة هيكلة ديناميات الأداء الاستراتيجي لإنتاج نفوط الشرق الاوسط الثقيلة، وبناء شراكات استراتيجية موسعة على أساس المساهمة من أجل تدارك أخطار المستقبل، تشير بوصلتها الى اتجاه دول العالم بصورة كبيرة نحو النفوط الخفيفة. فالأخيرة تعوّض هامش السعر المتفق الحفاظ عليه، سواء للمحافظة على البيئة من جهة، أو لاستمرار عمل النظام التكريري في مصانع المشتقات النفطية من جهة أخرى.
وللخروج من هذه الازمة، يتوجب العمل على استخدام التكنولوجيا الجديدة والاستثمارات العابرة للحدود في بناء مصافي جديدة في دول مستهلكة، وخصوصاً دول عالم الجنوب النامي. وهذا يعد الطريق الجديد للاستثمارات النفطية للدول المنتجة للنفوط الثقيلة. إذ إن الحرفة أو المهنة أو اتجاه العمل الاستثماري الجديد يتطلّب من الدول المنتجة للنفط الانتقال من أسواق بيع النفط الى أسواق المشتقات النفطية. وبالتالي العمل على بناء استثمارات في مجال القدرة التكريرية والالتزام بالمعايير الدولية والاتفاقيات النافذة للحفظ على البيئة. ويتم ذلك من خلال تصميم مصاف نفطية تواكب تطورات العصر، ما يضمن استمرار استدامة تدفق النفط الثقيل الى الاسواق العالمية، وخصوصاً في الدول المستهلكة للنفط.
وتشير التقديرات الدولية، عبر مراكز الابحاث، إلى أنه منذ الوهلة الاولى لانخفاض الأسعار فقد النفط قيمته السعرية بواقع يتجاوز الـ35 ـ 42%. هذا الأمر يجعلنا ندعو الدول المنتجة للنفط في الشرق الاوسط الى العودة لتنسيق السياسات الانتاجية من جهة داخل دول منظمة الاوبك، والاتجاه نحو إقامة مشاريع مساهمة في تطوير صناعة النفوط الثقيلة في دول العالم المستهلكة من جهة أخرى.
وعليه، فإن الإسراع في التفكير بهذا الاتجاه، سيعطي مرونة للدول المنتجة للنفط الثقيل في تعظيم الفائدة. وكذا العمل على إعادة الاسواق المفقودة والتي أعطت مرونة كبيرة للدول المنتجة للنفط خارج أوبك، في أن تأخذ حصص الدول المنتجة للنفط الثقيل والكبريتي.
المساهمون