نفتقد قصص الحبّ

29 سبتمبر 2014
قصة حبّ (Getty)
+ الخط -
"الحبّ والموت يحرّكان الأدب العالمي كلّه". جملة قرأتها قبل 10 سنوات في رواية، ربّما، لمكسيم غوركي، ربّما هي "الأمّ". لكنّ مساحات الحبّ تضيق هذه الأيّام، فيما تزيد مساحات الموت. ولا تحكي حكاياتنا إلا قصص الموت. كأنّ ذلك الاستنتاج صار لازماً الاستغناء عن تبنّيه.

هنا في هذه الزاوية معظم الكتابات عن الموت. أخبار الجرائد والمواقع والتلفزيونات تحفل بالموت. الأفلام العربية، وثائقية وروائية، مليئة بالحزن. لا نرى من الحبّ إلا نهاياته، كما في أفلام الحبّ الحزينة وروايات الفراق المؤلمة.

كلّ يوم نرى زوجات المخطوفين العسكريين في لبنان، يبكين أزواجهنّ المهدّدين بالقتل. نرى أطفالا سوريين ناجين من مجزرة أو مكلّلين بدمائهم يغطّي الرماد واللون الأحمر وجوههم أو تحترق خيم نزوحهم في عرسال. نرى نساء فلسطينيات يندبن منزلاً أو ابناً أو أخاً، وعراقيات ينُحنَ على أطلال قرية أكلها الداعشيون، ولبنانيون يحرقون الإطارات.

لا نرى من الحبّ إلا آلامه. فالبكاء حبّ، والنواح حبّ، وفقد الأحبّة حبّ خالص أكله الغضب والألم. لكنّه ممزوج بالموت وخطر الإبادة والاختفاء. ما عاد الحبيب يهجر حبيبه، بات يموت.

لا نرى من الحبّ إلا موت الأحباب، على امتداد خرائطنا الملتهبة والمتآكلة والحائرة والمرتجفة. لا يوجد رواية عربية واحدة تعطينا أملا. روايات مليئة بالسكاكين والصواريخ والموت. والأفلام العربية هجرت الرومانسية إلى الكوميديا المنقطعة عن واقعها، أو الأكشن لمحبّي البطولات الوهميّة.

قليلٌ من الحبّ يا ناس يا هو. قليلٌ من العواطف الرقيقة. من دموع الفراق، إلى أجل مسمّى، بدلاً من فراق الغياب النهائي. قليلٌ من عيون حزينة بسبب كلمة جارحة، لا بسبب طلقة طائشة. قليلٌ من "العادية". أعيدوا لنا بعضاً من يوميات كنّا نظنّها رتيبة وسخيفة وبلا معنى.

خذوا القضايا والعقائد والأيديولوجيات والأحلام الكبيرة وأرجعوا لنا حلم بناء منزل، والتعرّف إلى فتاة جميلة، والتلصّص على شبّاك ابنة الجيران. نريد أحلاماً صغيرة. كأن نحلم بشراء سيّارة بدلا من بناء وطن، أو بقبلة مسروقة بدلاً من تغيير نظام.

لا نرى من الحبّ إلا طيفه المبلّل بالدم. وإذ يحلّ العيد، الذي كنّا ننتظره أطفالا لنلعب، ومراهقين لنخرج بلا صحبة الأهل، وشبابا لنسهر احتفالا بالعطلة، ها نحن نستقبله هذه الأيّام بصور الأطفال المحرومين من الفرحة، والعائلات المنكوبة، وبالتقارير عن "غياب العيد" عن معظم بلادنا.

لا طعم للعيد، وأصلاً هذا النصّ جزء من "النواح" أيضاً. ثم أين الشعراء؟ معظمهم تحوّلوا إلى خدّام في قصور السلاطين. ومن بقي منهم طليقاً بعيداً عن لوثة المال إمّا مغمور أو مُحبَط أو يكتب عن "مصائب الطائفة"، شعرا ومقالاتٍ وتغريدات.

من سرق الحبّ هو من يتحكّم بالعالم. تماما كما في القصص الخيالية والأساطير القديمة. من يتحكّم بالحبّ يتحكّم بالبشر والعالم، وليس من يتحكّم بالنفط أو المال.

في الأعياد مناسبات للبحث عن الحبّ. حبّ حقيقيّ بلا قبلات الفايسبوك الصفراء ووجوه التويتر الضاحكة. حبّ ملموس، بين صديق أو حبيب أو أخٍ لم تلده أمّك.

لم يبقَ من العيد إلا أن نبحث عن إبرة حبّ في كومة الموت التي تحاصرنا. هكذا كما علّمتنا أمّهاتنا أن نقبّل الجميع صباح العيد. فلنخرج لنبحث عن أحباب نقبّلهم وعن لحظات حبّ نادرة. 

المساهمون