لم تسلم أيّ من الحكومات الوطنية منذ سبعينيات القرن الماضي من اتهامات تقول بسماحها لجهات أجنبية بطمر نفايات خطيرة في صحاري السودان. بيد أنه كان مجرّد اتهام يرد في روايات بعض شهود العيان غير الموثّقة، التي تربط بين هذه النفايات والإصابة بأمراض سرطانية في مناطق بعينها.
هذا الاتّهام لا تؤكّده الدراسات العلمية للجهات المعنية، وكان آخرها دراسة لهيئة الطاقة الذرية السودانية التي لم تكتفِ بنفي أمر طمر النفايات فحسب، بل قلّلت من الأثر المترتّب على تشييد أبراج الاتصالات وأبراج الضغط العالي وسط الأحياء السكنية، ما جعل البعض لا يعوِّل على مثل هذه الدراسات كثيراً. وظلّ الأمر هكذا حتى فجّر المدير الأسبق للهيئة ذاتها محمد صديق النبأ الصاعق، معلناً عن دخول مواد كيميائية خطيرة إلى البلاد أثناء بناء سد في شمال السودان، وكانت البوابات مفتوحة أمام إحدى الدول الآسيوية لإدخال الآليات والمعدات، فاغتنمت تلك الدولة الفرصة، بعلم السلطات أو من دونه، وأدخلت 60 حاوية من المواد الكيميائية طمر ثلثاها بحسب صديق، فيما بقي الثلث الأخير في العراء عُرضة للشمس والرياح والمطر.
تداولت الصحف هذا النبأ بوصفه وصمة عار على جبين السلطات التي لم تحرّك ساكناً حتى الآن، وإن تساءل البعض عن سر صمت المسؤول قبل ترك منصبه. وتباكى البعض على لجنة المبيدات التي كانت تعد الضحية الثالثة للسلطة الحاكمة، بالإضافة إلى هيئة المواصفات وإدارة النقل الميكانيكي. وكانت اللجنة لا توافق على مرور أي شيء إلا بعد فحصه والتأكّد من صلاحيّته. وأتاح القانون السوداني لإدارة النقل الميكانيكي منع دخول أي آلية غير مطابقة للمواصفات، وكذلك هيئة المواصفات التي تُعنى بباقي الموارد. هكذا، أصبح السودان بمثابة سلة لنفايات العالم.
الحادثة الأخيرة تُقرأ مقرونة بما ظل يرشح من أنباء حول حاويات دخلت الموانئ السودانية، منها ما أُعيد إلى دول المنشأ بعدما كثر الحديث حولها، ومنها ما ينتظر منذ أشهر. ولا يستبعد البعض أن يكون معظم محتواها من نفايات كيميائية ومواد غذائية فاسدة وعقاقير طبية ومخدرات قد تتسرب إلى الداخل.
تجدر الإشارة إلى أن الجميع في هذه الأيام، بما في ذلك البرلمان ومختلف وسائل الإعلام، مشغولٌ بحاويات السموم. وقد يُطرح سؤال حول مدى التزام الدولة والدول الآسيوية الصديقة باتفاقية "بازل"، بشأن التحكّم بنقل النفايات الخطيرة والتخلص منها عبر الحدود، والتي دخلت حيّز التنفيذ منذ مايو/ أيار عام 1992.
اقرأ أيضاً: الأمن البيئي هو الأساس