نظام جديد للفواتير في المغرب يُغضب التجار ويستنفر الأسواق

10 يناير 2019
الحكومة تستهدف زيادة تحصيل الضرائب من التجار (Getty)
+ الخط -

  

أثارت إجراءات حكومية جديدة بالمغرب لإلزام مختلف الأنشطة التجارية بإصدار فواتير إلكترونية من أجل زيادة الحصيلة الضريبية، غضب التجار، الذين استنفروا خلال الأيام الماضية، مطالبين الحكومة بالعدول عن هذه الخطوة.

وسارعت وزارة الاقتصاد والمالية مع تصاعد الاحتجاجات التي وصلت إلى إضرابات في عدد من الأسواق، إلى إصدار بيان، مساء الثلاثاء، قالت فيه إن الإجراءات الجديدة موجهة فقط إلى المهنيين الخاضعين للمحاسبة (الشركات)، لا إلى التجار ومقدمي الخدمات الذين يخضعون للتقديرات الجزافية ضريبيا.

وأوردت الحكومة نظام الفاتورة الإلكترونية الجديد في مشروع مالية عام 2018 الماضي، إلا أنها أجلت تنفيذه إلى العام الجاري.

وأعربت نقابة التجار والمهنيين في بيان لها، يوم السبت الماضي، عن رفضها ما وصفته بحملات الجهات الضريبية والجمركية ضد التجار، في حين قالت وزارة الاقتصاد والمالية في بيانها، إن "الأحكام الجديدة للفوترة لم تدخل بعد حيز التنفيذ ولن يتم تطبيقها إلا بعد صدور النص التنظيمي".

وتعد الفاتورة الإلكترونية وثيقة إلزامية في التصريح الضريبي، وبالتالي لم يعد للفواتير المصوغة بخط اليد أو البونات التقليدية أية حجية قانونية وفق النظام الجديد.

ويبدو أن الغضب الذي عبر عنه التجار، الذين أضرب بعضهم، يدفع الحكومة إلى فتح حوار مع ممثليهم والسعي لطمأنة التجار الصغار، فقد أعلن وزير الصناعة والتجارة، مولاي أحفيظ العلمي، أنه سيعقد اجتماعا يوم السادس عشر من يناير/كانون الثاني الجاري، مع ممثلي التجار والجمارك والإدارة الجبائية، ليشكل بداية للحوار حول مشكلة الفاتورة.

لكن التشاور والحوار لا يعني التراجع الحكومي عن هدف تطبيق الفواتير الإلكترونية، حسب مصدر جمركي في تصريح لـ"العربي الجديد".

في المقابل يبدي التجار المزيد من القلق حيال الخطط الحكومية الرامية لزيادة الحصيلة الضريبية. ففي سوق "القريعة" بالدار البيضاء، يعبر التجار عن تخوفهم من إلزامهم بتسليم فاتورة لعملائهم عن إجراء أية معاملة تجارية.

تجار هذا السوق، المتخصص في الألبسة، خاصة المقلدة منها، المصنعة محلياً أو المستوردة، ليسوا وحدهم من يعبرون عن هواجس غير مرحبة بالفواتير. فيوم الإثنين الماضي، أغلقت محال بمدينة مكناس (شرق المغرب) أبوابها، بسبب الفواتير، بعدما كان تجار بسوقي "كراج علال" و "درب عمر"، اللذين يعتبران أكبر موزعين للسلع الغذائية والتجهيزات المنزلية بالمغرب، قد احتجوا يوم الثالث من الشهر الجاري، وأغلقوا محالهم.

ووجدت هذه الحركة الاحتجاجية أصداء في مدن أخرى، حيث شرع تجار في التفكير والتنسيق، من أجل التعبير عن مخاوفهم من مخاطر تواجههم بسبب الفواتير.

صدى موقف التجار من ضرورة العمل بنظام الفاتورة في معاملاتهم، وصل إلى البرلمان، حيث أثير الموضوع أمام رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، الذي أبدى انشغاله بالقلق الذي يبديه التجار، فقد كشف، يوم الإثنين، حين مثوله أمام مجلس النواب، عن تتبعه الوضع.

وأشار العثماني إلى اجتماع مرتقب مع التجار، مشددا على أن النظام الجديد، لا يستهدف أصحاب محال البقالة والتجار الصغار الخاضعين لنظام محاسبة جزافية.

ولم تصدر بعد المراسيم التطبيقية، لقانون مالية 2018، التي تضمن تطبيق نظام الفاتورة الجديد. وقالت مصادر ضريبية لـ"العربي الجديد" إن "تطبيق التدبير الجديد، سيراعي خصوصية كل قطاع ودرجة استعداده للعمل بالفاتورة الإلكترونية، حيث إن الأولوية ستعطى للقطاعات المنظمة، غير أن الإدارة الجبائية لن تتراجع عن النظام الجديد".

ويشكل العمل بنظام الفاتورة ثورة في طريقة عمل التجار. فهذا التاجر، الذي لم يشأ الكشف عن اسمه، يقول إن التجار كانوا يستعيضون عن الفاتورة على مدى عقود بـ" قسيمة" يسلمونها لعملائهم، بينما يجري الوفاء بالضرائب بطريقة جزافية دون الرجوع إلى وثائق شاملة لمجموع المعاملات التجارية.

هذا التقليد سيصبح من الماضي، حسب ما تعد له الإدارة الضريبية في المغرب، حيث سيجري التشديد على ضرورة تسليم فواتير، خاصة من قبل تجار الجملة لزبنائهم، هذا ما يبرر مصادرة شاحنات محملة بالسلع من قبل الجمارك مؤخرا، بسبب عدم تبرير نقل تلك السلع من الدار البيضاء إلى مدن أخرى بوثيقة تتضمن طبيعة السلعة المنقولة ووجهتها، وهوية العميل وأرقام الفواتير.

ويعتبر التجار أنه يصعب تحقيق هدف فوترة كل العمليات التجارية، وذلك بسبب تعدد المتدخلين، فهم يثيرون، في سوق القريعة مثلا، الكيفية التي ستتم بها عملية إدراج الملابس المهربة عبر الحدود في محاسبتهم، كما تخطط لذلك الإدارة الضريبية.

وتهدف الحكومة إلى جمع بيانات جبائية للتاجر، من خلال برنامج إلكتروني ونظام معلومات متصل مباشرة بخادم المديرية العامة للضرائب.

ويشير تاجر فضل عدم ذكر اسمه، إلى صعوبة ما ترنو إليه الحكومة، موضحا أن سوقا مثل "درب عمر"، الذي يعرف بتجارة السلعة الغذائية والأجهزة المنزلية، التي تنقل إلى أغلب الأسواق المغربية، يعتمد في جزء من نشاطه على السلع المهربة، التي تقل أسعارها عن المطورحة في الأسواق الكبرى الرسمية.

ويرى عبد الحميد باهي، الكاتب العام للجامعة (الجمعية) الوطنية لتجار المواد الغذائية، التابع للاتحاد العام للمقاولات والمهن، أن محال البقالة، التي يقدر عددها بحوالي 1.8 مليون نقطة بيع، يصعب عليها العمل بنظام فواتير بالمعايير التي يراد تطبيقها، بالنظر إلى أن بعض الموردين في أسواق الجملة، يفرضون على البقال فواتير يقل المبلغ المسجل فيها عن قيمة السلعة الحقيقية، كما أن جزءا من السلع يأتي من السوق السوداء.

وتستهدف الحكومة من تعميم العمل بالفاتورة لمحاصرة القطاع غير الرسمي، الذي يصل حجمه إلى 17 مليار دولار، من بينها 3 مليارات دولار كضرائب لا تحصلها الدولة، حسب دراسة أنجزها مكتب الدراسات رولان برجي، لفائدة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي يمثل مصالح رجال الأعمال.

وكان المستثمرون في قطاع النسيج والملابس، وعدوا بتوفير 20 ألف فرصة عمل في العام، في حال اتخذت تدابير لمواجهة التزييف والتهريب والواردات المسمومة المترتبة عن اتفاقيات التبادل الحر، الشيء الذي يفقد القطاع الآلاف من فرص العمل، حسب ما عبر عنه كريم التازي، رئيس الجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة، في مؤتمر سابق للمستثمرين.

لكن بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة (الجمعية) المغربية لحقوق المستهلك، لا يستعبد ارتفاع أسعار بعض السلع، بسبب الفاتورة وما يستدعيه ذلك من الوفاء بالجباية، لكنه يشير إلى إيجابيات متمثلة في كون الفاتورة، ستحمي المستهلك، على اعتبار أنه سيتوفر على حجة تتيح له الوصول إلى مصدر السلعة في حال حدوث إخلال بقانون حماية المستهلك.

ويعتبر مديح وديع، رئيس جمعية المستهلكين المتحدين، أن العمل بالفاتورة، جاء ليكرس ما نص عليه قانون حماية المستهلك في فصله الرابع، الذي يؤكد على أنه "يجب على المورد كذلك أن يسلم فاتورة أو مخالصة أو تذكرة صندوق أو أي وثيقة أخرى تقوم مقامها إلى كل مستهلك قام بعملية شراء وذلك وفقا للمقتضيات الجبائية الجاري بها العمل".

وفي مقابل إيجابيات الفاتورة، يبدي مراقبون قلقهم من إمكانية أن يؤدي فرض الفاتورة إلى حالة ارتباك في تزويد السوق بالسلع في حال صعد التجار من احتجاجاتهم.

ويشير الخبير الضريبي، محمد الرهج، إلى أن تجار سوق درب عمر بالدار البيضاء، دخلوا في نوع من الإضراب لمدة ثلاثة أشهر، عندما شرع المغرب في العمل بضريبة القيمة المضافة عام 1986، لكن الدولة استمرت في تزويد السوق بالسلع بوسائلها الخاصة، مشيرا إلى أنه منذ تلك الفترة، حدث تحول في السوق المغربية، بظهور الأسواق الكبرى التي يمكن الاستعاضة عنها بسوق درب عمر.

المساهمون