اعتمد النظام السوري في محافظة درعا، على حيل جديدة تتجلى في القوة الناعمة، من خلال الضخ الإعلامي والتسويق لانتصارات استراتيجية وهمية، بعد هزيمته في المعارك أمام قوات المعارضة في مدن نوى والشيخ مسكين والأماكن العسكرية الأخرى.
واختار النظام درعا في محاولة لقلب المعطيات ضدّ المعارضة التي أحرزت انتصارات عديدة هامة في إدلب ودرعا والقلمون وحلب وداريا. ويعود سبب اختياره درعا إلى كونها أنجح جبهات المعارضة السورية المسلحة التي تسعى إلى إنهاء وجود النظام المدعوم بقوات من حزب الله والحرس الثوري الإيراني ومليشيات عراقية وأفغانية هناك، في ظل سيطرتها على مدينة بصرى الشام ومعبر نصيب على الحدود السورية الأردنية في الأسابيع الماضية.
اقرأ أيضاً (المعارضة السورية تستعيد زمام المبادرة في القلمون)
وبدأت قوات النظام السوري الحملة العسكرية على درعا مع زيارة وزير دفاع النظام فهد جاسم الفريج قبل ثلاثة أيام على إحدى القواعد الجوية برفقة عدد من ضباط القيادة العامة بإيعاز من رئيس النظام السوري بشار الأسد. وبدا ذلك محاولة لرفع الهمم وشحذ المعنويات، وشرح خارطة الحملة لعناصر النظام من خلال إعداد مخطط جديد لتأمين المواقع، بين درعا والسويداء، بهدف قطع طريق الإمداد الحيوي لقوات المعارضة من الحدود الأردنية إلى منطقة اللجاة باتجاه ريف دمشق، والسيطرة على بلدة بصر الحرير التي تعتبر البوابة الشرقية للمناطق المحررة في ريف درعا الشرقي وصولاً إلى مدينة ازرع، حيث مقرّ الفرقة الخامسة التي تعد أقوى حصون النظام المتبقية في محافظة درعا، وهي قاعدة إمداد لمجمل قواته.
وذكر إبراهيم نور الدين، المتحدث الرسمي باسم "الفيلق الأول"، أحد أبرز التشكيلات التابعة لـ "الجيش الحر" في درعا، أن "قوات النظام حشدت منذ صباح الأحد عدداً من السيارات العسكرية مموهة عليها رشاشات دوشكا يرافقها عناصر من الحرس الثوري الإيراني يحملون الرايات الحمراء تمهيداً لانطلاقهم نحو درعا في بلدة المزرعة في محافظة السويداء، بالتزامن مع حملة قصف جوي طاولت عدة مدن وبلدات في الريف الشرقي لدرعا ثم تلتها محاولة اقتحام من أربعة محاور لبلدتي بصر الحرير ومنطقة اللجاة".
وتلا هذه التحركات إعلان "القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية" بياناً أكدت فيه أنها "تمكنت من إحكام سيطرتها على بلدات مسيكة الشرقية والغربية والخوابي وأشنان والدلافة وتطويق بلدتي مليحة العطش وبصر الحرير فى ريف درعا"، مضيفة أن "هذا الإنجاز الجديد، يعيد فتح الطريق الحيوي بين درعا والسويداء وتأمينه ويقطع طرق إمداد المجموعات الإرهابية المسلحة من الأردن".
اللافت أن النظام اعتمد في البيان على تسويق انتصارات وهمية تارة، من خلال إعلان السيطرة على مناطق تقع تحت سيطرته، كـ "بلدات مسيكة الشرقية والغربية ورسم الخوابي واشنان والدلاسة"، وهي قرى صغيرة في ريف درعا الشمالي الشرقي، بحسب ما يؤكد المتحدثون باسم قادة المعارضة لـ "العربي الجديد"، وتارة أخرى على الكذب من خلال إعلان السيطرة على مناطق لم يسيطر عليها في الأساس، كمليحة العطش وبصر الحرير.
إضافة إلى ذلك، فإن الادّعاء بما سماه بيان النظام السوري إنجازاً "يقطع طريق إمداد المجموعات الإرهابية المسلّحة من الأردن" على حد تعبيره، لا يمت للواقع بصلة، إذ يؤكد الناشط الإعلامي عماد الحوراني، لـ "العربي الجديد"، أن "منطقة اللجاة، وهي منطقة واسعة ذات طبيعة وعرة تعتبر طريق إمداد باتجاه ريف دمشق بشكل عام والغوطة الشرقية، وكل حدود السويداء مع درعا محررة بعد سيطرة المعارضة على بصرى الشام، وبما أن الحملة فشلت في تحقيق أهدافها، فإن أياً من الطريقين لم يقطع".
ويشير الحوراني إلى أن "النظام سبق أن اتبع السيناريو نفسه، في الإعلان عن السيطرة على مناطق تقع تحت سيطرته في الأساس، إذ أعلن قبل أشهر هجوماً كبيراً على مدينة نوى، وحين فشل في السيطرة عليها، أصدر بياناً يذكر فيه سيطرته على منطقة أم العوسج، وهي قرية صغيرة تقع تحت سيطرته".
ويرى المتحدث الرسمي باسم الجبهة الجنوبية عصام الريس، أن النظام يهدف من معركته الأخيرة إلى أن "يبرر الخسارات التي تكبدها في هجوم أول من أمس، إذ كان يتوقع السيطرة على المنطقة بسهولة، ولكن صدمته جعلته يبحث عن مبرر لحفظ ماء الوجه أمام مؤيديه بعدما أعلن وزير دفاع النظام السيطرة على بصر الحرير".
وحول ما إذا كان النظام قد تمكن فعلاً من قطع طريق الإمداد الحيوي للمعارضة بين السويداء ودرعا، يشير الريس في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أن "تطويق أي منطقة يقطع عنها الإمداد بشكل طبيعي، ولكن كان هدفه من الحملة قطع الإمداد والسيطرة على بصر الحرير واللجاة بشكل عام وهو ما لم يتمكن من فعله، والقرى التي حاول إظهار تحريرها، يسعى من خلالها إلى تبرير فشل العمل العسكري وإيهام الناس أنه حقق نجاحات على الأرض".
ويبدو أن النظام السوري قد خسر في حملته الأخيرة على درعا أضعاف ما كان يتوقع، فالمعركة الأخيرة كبدته خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، بحيث قتل أكثر من مائة عنصر للنظام السوري، وتم أسر العشرات، جراء هذه الحملة، ودمرت ست دبابات، وغنمت المعارضة دبابة ومضاد طيران، بحسب ما أكده ناشطون لـ "العربي الجديد".
وقال مدير "شبكة سوريا مباشر" لـ"العربي الجديد"، إن "المقاتلين أسروا عنصرين من جيش النظام أحدهما ضابط، وقد أكدا مقتل قائد الحملة العسكرية على المدينة عميد رواز من مدينة جبلة".
أكثر من ذلك، أن حملة قوات النظام السوري صرفت النظر بشكل أو بآخر عن التوترات التي حصلت بين تشكيلات "الجيش السوري الحر" و"جبهة النصرة" في الآونة الأخيرة، إذ أسهمت "مؤازرات الجيش الحر الضخمة، ومشاركة جبهة النصرة، في إفشال اقتحام بصرى الحرير وحصارها".
تجدر الإشارة إلى أن قوات المعارضة السورية سيطرت على مدينة بصرى الشام في ريف درعا الشرقي، والخزان البشري للنظام السوري والقوى الداعمة له، في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، محرزة أول تفوق على القيادة العسكرية الإيرانية، ثم سيطرت مطلع الشهر الجاري على معبر نصيب الحدودي الاستراتيجي، آخر المعابر الحدودية التي كانت قوات النظام السوري تحتفظ بالسيطرة عليها مع الأردن.
اقرأ أيضاً (سورية: هاجس تمدّد "النصرة" يسيطر على الجبهة الجنوبية)