نظام الأسد والدروز: نقل الفتنة من سورية إلى لبنان

14 يونيو 2015
يرفض جنبلاط الخيار الإسرائيلي بالكامل (حسين بيضون)
+ الخط -
هل فعلاً مرّ "قطوع" الحرب المذهبية التي كان النظام السوري يسعى إليها بين دروز سورية في السويداء ومحيطها السني؟ تقول مصادر درزيّة لبنانيّة معنيّة بالملف السوري إن الأسوأ مرّ على خير. تُشير هذه المصادر إلى أن النظام كان يعمل على إحداث فتنة كبيرة في الجنوب السوري، تكون منقذاً له، في وجه الخسائر العسكرية التي يتكبدها ما تبقى من جيش النظام والمليشيات الداعمة له.
المعلومات المتوافرة في هذا المجال، تُشير إلى أنّ قذائف الهاون التي أطلقها مقاتلو النظام السوري على السويداء، كانت تهدف إلى إحداث فتنة كبرى تم تجاوزها "من خلال التنسيق بين الجيش الحرّ في الجبهة الجنوبية وعدد من المشايخ الدروز في السويداء، وهو الأمر الذي لم يكن النظام على علم بحجمه"، كما يقول أحد المتابعين للعلاقة بين الجبهة الجنوبية وفعاليات السويداء.

والأهم في هذا السياق، ما ترصده مصادر درزية لبنانيّة، عن احتضان إقليمي "لم يكن متوقعاً" لدروز سورية بعد جريمة قرية قلب لوزة التي نفذها مقاتلو جبهة النصرة.
وبحسب هذه المصادر، فإن الاتصالات التي قادها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب اللبناني وليد جنبلاط، أظهرت حجماً كبيراً من التفهم الإقليمي والعربي للواقع الدرزي، ورغبة في حمايتهم.
ويلفت أحد المتابعين لهذه الاتصالات إلى أن عدداً من شخصيات المعارضة السورية، بدا وكأنه انتبه جيداً، إلى أن عدم ضبط الأوضاع، سيؤدي إلى إنهاء التنوع في سورية، وهو ما سيكون له تبعات كبيرة على واقع المعارضة السورية.
هذه المعطيات، لا تلغي أن هناك عملاً كبيراً يجب القيام به لإنجاز المصالحة بين أهل السويداء وأهل حوران، كما يقول متابعون لهذا الملف. وينقل مشاركون في اجتماع المجلس المذهبي للطائفة الدرزية في لبنان يوم الجمعة الماضي، قول جنبلاط إن النظام السوري سينسحب من السويداء وسيتركها لمصيرها، ومن المؤشرات على ذلك سحب إهراءات القمح والآثار من المتحف.
وهذا ما سيترك السويداء أمام ثلاثة خيارات: الخيار الأول هو المصالحة التاريخيّة مع أهل حوران، وهو ما يدعو إليه جنبلاط. ويستند في دعوته هذه على وجود أكثر من 25 ألف درزي رفضوا الالتحاق بالجيش السوري.
أما الخيار الثاني، فهو الركون إلى الإغراءات الإسرائيليّة والذهاب باتجاه تشكيل دويلة درزية برعاية وحماية إسرائيليّة، وهو ما يرفضه جنبلاط ويُحذر منه بقوة، وخصوصاً أن "هناك من يدعو له داخل السويداء، والداعون لهذا الخيار على تنسيق تام مع النظام السوري"، كما ينقل أحد المشاركين بالاجتماع.
في موازاة ذلك، يتمثل الخيار الثالث في الدخول في حرب مذهبية سيخسر الجميع فيها، وخصوصاً الدروز وتكون لصالح النظام، وهو ما يخشاه جنبلاط. وهنا يُشير أحد المتابعين لهذا الملف إلى أن هناك مسؤوليّة مشتركة بين الدروز والمعارضة السورية. فعلى الدروز حسم موقفهم بوضوح، وعلى المعارضة أن تتحمّل مسؤوليةً أخلاقية وسياسيّة تجاه جميع مكونات المجتمع السوري.
يؤكّد المشاركون في الاجتماع أن المزاج العام للمشايخ الدروز قريب لخيار جنبلاط. ويقول أحد المشايخ (معارض لجنبلاط) من المشاركين في الاجتماع لـ "العربي الجديد" إن الأمور تحتاج إلى المزج بين طروحات جنبلاط، وتشكيل قوة لحماية دروز السويداء.

اقرأ أيضاً: الموحّدون لن يكونوا "لحديّي" سورية


لم ينحصر عمل النظام السوري على السعي لخلق فتنة في سورية، بل انتقل الأمر إلى لبنان. وهنا يتحدّث مسؤولون في الحزب التقدمي الاشتراكي عن أن هناك سعياً جدياً لإحداث فتنة درزية ــ درزية أو درزية ــ سنية في لبنان.
وفي هذا الإطار، تأتي دعوة الوزير السابق وئام وهاب (من أبرز حلفاء دمشق) إلى سلسلة من التحركات في المناطق الدرزية، وإلى تجمّع كبير في منزله في الجاهليّة ظهر اليوم الأحد.
وسبق لوهّاب أن رفع سقف خطابه السياسي عقب جريمة قرية قلب لوزة في ريف إدلب إلى حدود التهديد بالردّ عليها في لبنان، إذ دعا وهاب الأجهزة الأمنيّة لإبلاغ "مؤيدي جبهة النصرة في لبنان" إلى المغادرة لأن الرد سيكون تجاههم.
وتشير مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي إلى أن هذه الدعوة فُسّرت في إطار التحريض على اللاجئين السوريين، وافتعال إشكالات بينهم وأهالي المناطق الدرزيّة التي يلجأون إليها.
ومن أكثر المناطق التي قد تكون عرضة لهذا الأمر، هي منطقة راشيا والعرقوب، والتي سبق وشهدت توترات بين اللاجئين وأهالي المنطقة. وهنا يقول مسؤولون محليون في راشيا لـ "العربي الجديد" إن الأوضاع أفضل بكثير من المرحلة السابقة، إذ تم ضبط كل الإشكالات. ويُؤكدون عدم حصول أي إشكال بعد جريمة قلب لوزة، "فالمشايخ الذين يتضامنون بالكامل مع الضحايا يعلمون أن الأمر لم يكن عملاً مبرمجاً ومحضراً له مسبقاً"، كما ينقل أحد المسؤولين المحليين.

ويُشير مسؤولون اشتراكيون إلى أن دعوات وهاب هذه، تأتي في سياق تنفيذ أجندة مطلوبة منه، بهدف توتير المناطق الدرزية، لكنهم يعتبرون أنه "لا يملك القدرة العمليّة على تنفيذ هذا الخيار، بسبب ضعف قدرته على تجييش الناس".
في المقابل، يقول أحد المتابعين للملف الدرزي (غير اشتراكي) إن الخطر في حركة وهاب، سيكون في حال استطاع النظام وحزب الله تجنيد عدد من اللاجئين السوريين الدروز للعمل تحت جناح وهاب، أو إذا تم التنسيق بين حالته والقدرات الأمنيّة للحزب القومي السوري، الذي يملك انتشاراً بسيطاً بين الدروز، لكن لديه خبرات في العمل الأمني.
ويُضيف مصدر سياسي لبناني، أن الخطر من التحركات التي يدعو إليها وهاب ضعيف، إلا في حال كانت هذه التحركات بناءً على طلب من حزب الله وليس من النظام السوري، لأن هذا يعني أن الحزب يُحضّر لأمر ما.

اقرأ أيضاً: حزب الله بعد العودة من سورية: حساب الميدان والسياسة