نصر الله يتفاوض على عون
في ليل العاشر من محرّم (عاشوراء)، أعلن حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، الإيراني النهج والولاء، والمدجج بالسلاح، تبني ترشيح قائد الجيش السابق وزعيم التيار الوطني الحر، ميشال عون، لرئاسة الجمهورية اللبنانية. وجاء هذا الترشيح العلني والرسمي على لسان نصر الله، بعد مضيّ أكثر من خمسة أشهر (25 أيار/مايو الماضي) على الفراغ في منصب رئيس الجمهورية.
وعلى الرغم من أن تبني ترشيح عون من حزب الله يشكل في حد ذاته سابقة، إلا أن المفاجأة تكمن في الإعلان عنه، وفي احتفال ديني يخص طائفة معينة، لا، بل مذهباً بعينه. واللافت أكثر فأكثر توقيت هذا الإعلان، في وقت يبدو فيه أن مسألة انتخاب الرئيس ما زالت بعيدة المنال، أو غير ناضجة في المدى المنظور على الأقل، علماً أن عون نفسه لم يعلن ترشحه رسميّاً، ولو أن من المعروف أنه يحلم بالرئاسة منذ زمن. فلماذا قام نصر الله بهذه الخطوة؟ وما الهدف منها، وخصوصاً أن عون تحاشى أن يكون المرشح المعلن لقوى 8 آذار، لعلّ حظوظه تقوى عند الطرف السني؟.
الجنرال السابق هو المرشح الفعلي أو مرشح الأمر الواقع لقوى 8 آذار، التي تدور في فلك ما يسمى "محور الممانعة" الذي تتزعمه إيران، أي حزب الله وحركة أمل بزعامة نبيه بري والتيار الوطني الحر وتيار المردة، بقيادة سليمان فرنجية، وبعض الأحزاب والشخصيات الملحقة، إلا أن الدستور اللبناني وآلية انتخاب الرئيس لا يلحظان ضرورة الترشح الرسمي لأي من الطامحين، لذلك، لا عون، ولا غيره، من الطامحين، أو المتداولة أسماؤهم، أعلنوا ترشحهم للرئاسة. فقط رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، هو المرشح المعلن لقوى 14 آذار، في حين أصر عون طوال هذه الفترة على اعتبار نفسه "مرشحاً توافقيّاً" لا مرشحاً لفريق معيّن، أي الطرف الشيعي بالتحديد، استناداً إلى اللقاء اليتيم (والمفاجئ)، الذي جمعه قبل تسعة أشهر في باريس بسعد الحريري، زعيم تيار المستقبل، الذي سعى، بعده، لترويج أن الحريري يدعم وصوله إلى الرئاسة.
وتكمن المفارقة، أيضاً، في أن الإعلان عن تبني ترشيح عون جاء عشية تمديد المجلس النيابي لنفسه مرة أخرى لسنة ونصف سنة، الأمر الذي يرفضه عون نفسه، ويؤيده حزب الله. وهي خطوة خطيرة، بررتها معظم القوى السياسية والنيابية بعدم القدرة على إجراء الانتخابات البرلمانية، بسبب الوضع الأمني القابل للاشتعال في أية لحظة، في البقاع الشمالي وعلى الحدود مع سورية، بسبب المواجهة مع تنظيمي داعش وجبهة النصرة، اللذين يقامران بأرواح أكثر من عشرين جنديّاً وعسكريّاً من الجيش والقوى الأمنية اللبنانية، كانا قد قاما بخطفهم في أغسطس/آب الماضي، إثر معركة تعتبر قوى 14 آذار أن حزب الله كانت له اليد الطولى في توريط الجيش فيها.
ويرد معارضو التمديد للمجلس على هذه الخطوة، قائلين، إن الوضع الأمني والميداني في العراق، ثم في ليبيا، كان أصعب وأخطر، ومع ذلك، جرى تنظيم الانتخابات. ويضيف هؤلاء، إنه كان أحرى بنواب الشعب، ورئيسهم بري، طالما أنه عمل على تأمين النصاب لجلسة التمديد، أن ينتخبوا رئيساً للجمهورية، قبل أن يمددوا لأنفسهم. وهو ما أثار حفيظة البطريرك الماروني، بشارة الراعي، الذي اتهم معطلي انتخاب الرئيس بالعمل على تغيير الدستور والنظام السياسي الذي يقوم على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، في مؤسسات الدولة. ومعلوم أن فريق 8 آذار، وتحديداً نواب عون وحزب الله، يقاطع منذ أكثر من خمسة أشهر جلسات مجلس النواب، تهريباً للنصاب المطلوب توافره لانتخاب رئيس الجمهورية.
لماذا، إذن، يعلن حزب الله ترشيح عون، وهو أمر لطالما تحاشاه، في السابق، في الانتخابات الرئاسية عام 2007، وهذه المرة، منذ انتهاء ولاية الرئيس، ميشال سليمان، في مايو الماضي. كما أن بعض أوساطه تعتبر أن "حزب الله" يفضّل أن لا يضطر الى التعامل مع عون كرئيس، رغم التغطية التي أمّنها له هذا الأخير في الشارع المسيحي. ولا بد هنا أيضاً من تسجيل ملاحظة أخرى، وهي أن نصر الله بإعلان تبنيه ترشيح عون، أيضاً، باسم فريق 8 آذار، حشر حليفه الشيعي ورئيس البرلمان، بري، الذي لا كيمياء على الإطلاق بينه وبين الجنرال، والذي يعمل جاهداً مع صديقه، وليد جنبلاط، لإبعاد عون عن الرئاسة.
وتهدف خطوة نصر الله المفاجئة، على الأرجح، إلى تحقيق هدفين على الأقل، أولهما تخفيف الضغط عن حزب الله المتورط في القتال إلى جانب نظام الأسد، والحد من تزايد عدد الضحايا في صفوفه، في الآونة الأخيرة، ولاحتواء تصاعد النقمة في الشارع الشيعي. يقابله محاولة إرضاء الكنيسة المارونية التي صعّد بطريركها، أخيراً، من نبرة هجومه المكثف على معرقلي انتخاب رئيس ماروني للبلاد، وسعي هؤلاء، في رأيه، إلى تحويل المناصفة في السلطة (بين المسلمين والمسيحيين)، التي نص عليها "اتفاق الطائف" (1989)، إلى مثالثة بين السنّة والشيعة والمسيحيين. وهذه فكرة طرحتها عام 2008 طهران في فترة احتلال حزب الله وسط بيروت.
حتى الأمس، كانت لعبة فريق 8 آذار أن لا يكون له مرشح معلن، وكان عون يصر على عدم إعلان ترشيحه في مقابل ترشيح جعجع. وفي الوقت عينه، كان حزب الله الداعم الأساسي والسند الأكبر للجنرال في تعطيل نصاب جلسات انتخاب الرئيس. فإذا بنصر الله، في خطابه العاشورائي، يؤكد أنه لا يسعى إلى الفراغ، لا في سدة الرئاسة، ولا في مجلس النواب، ثم يتبنى ترشيح عون للرئاسة، كاشفاً هكذا عن أن خطوته ما هي إلا مناورة، الهدف منها إعطاء إشارة للفريق الآخر عن استعداده للتفاوض في شأن مرشح تسوية يرضي الفريقين.