تناقلت وسائل إعلام في الأيام الأخيرة أخباراً حول إبلاغ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لوفد من الهيئة العليا للمفاوضات ضرورة مراجعة موقفها من رحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد. ما هي الملابسات؟
لم يطلب وزير الخارجية السعودية من الهيئة العليا للمفاوضات شيئاً، وكان هناك لقاء مع الهيئة العليا أخيراً، وكانت النقطة الأساسية على جدول الأعمال في هذه الاجتماعات هي تطوير أداء الهيئة وتوسيع قاعدة التمثيل لها. هذه الأفكار طرحتها الهيئة العليا للمفاوضات، وبالفعل تم تشكيل لجنة لإعداد مقترح لاجتماع موسّع للهيئة، وطلبت الهيئة من الخارجية السعودية المساعدة في عقد مؤتمر من أجل ذلك، والوزير السعودي أبدى استعداده لتقديم كل المساعدة استجابة لدعوات الهيئة في عقد هذا الاجتماع الموسع.
في الاجتماعات الأخيرة للهيئة كانت هناك نقطة على جدول الأعمال تتعلق بكيفية تطوير أداء الهيئة وتفعيلها على المكاتب والمستشارين والقانونيين، وكان هناك مقترح بتشكيل هيئة تشاور وطني تجمع أكبر قدر ممكن من الشخصيات الفاعلة من المؤثرين وتوسيع دائرة التمثيل، والموضوع كان قيد النقاش حتى ارتأوا أخيراً أن يتم عقد اجتماع موسع للهيئة وتتم دعوة بعض الشخصيات من مختلف الجهات، سواء ناشطين مدنيين أو ممثلين عن فصائل إضافية وشخصيات لها وزن على الساحة الوطنية، وهذا الموضوع لم يُحدد حتى الآن. في الهيئة العليا هناك لجنة سورية ولا تتبع لأي دولة، وهي ستضع مقترحاً للصيغة الأمثل لهذا الاجتماع، وهي لن تدعو إلا الشخصيات التي تراها محترمة وموثوقة ومؤثرة على الساحة الثورية، وليس الهدف هو وجود الأشخاص وإنما تقوية تمثيل وأداء ودور الهيئة العليا في مهامها الصعبة المقبلة. الهيئة العليا قامت بدورها خلال الفترة الماضية على أكمل وجه، ولكن العلة كانت في النظام السوري وحلفائه الذين لم يأتوا إلى طاولة المفاوضات، والمجتمع الدولي لم يمارس دوراً لا على النظام ولا على حلفائه حتى يشرعوا بمفاوضات حقيقية، بينما الهيئة العليا للمفاوضات مارست دورها بكل إيجابية حتى تصل إلى حل، ولكن لا حياة لمن تنادي.
تفيد الأخبار المتداولة بأن المؤتمر المزمع عقده في الرياض سيركز على ضم منصتي القاهرة وموسكو للهيئة العليا. هل يمكن تفسير هذه الخطوة، ولا سيما أن هناك خلافاً بينكم وبين المنصتين حول رحيل رئيس النظام؟
كانت الهيئة العليا خلال الفترة الماضية تركّز الجهود بينها وبين منصتي القاهرة وموسكو لفتح نقاشات من أجل الوصول إلى رؤى سياسية مشتركة أو متشابهة، وعلى هذا الأساس قامت الهيئة في شهر سبتمبر/أيلول الماضي بتشكيل لجنة حوار مع معظم مكوّنات المجتمع السوري، من مجالس محلية وفصائل ومجتمع مدني وكذلك مع منصتي موسكو والقاهرة، وكانت هناك نشاطات عدة لهذه اللجنة مع المنصتين. وفي فبراير/شباط من عام 2016 اتخذت الهيئة العليا قراراً بضم شخص من منصة القاهرة وشخص من منصة موسكو لوفدها، لكن هذا الأمر لم يتم لاحقاً. خلال جولات المفاوضات الماضية، أصبحت وتيرة النقاشات مع منصتي موسكو والقاهرة أسرع من ذي قبل، وذلك بهدف الوصول إلى مواقف سياسية متشابهة، بالاعتماد على المحددات السياسية للمعارضة السورية. ونحن في مؤتمر الرياض تبنينا جميعاً رؤية سياسية واضحة في ما يتعلق بالتفاوض والمرحلة الانتقالية. هذه الرؤية فيها ثوابت اتفقنا عليها جميعاً قبل مؤتمر الرياض وخلاله، وأولى هذه النقاط أنه لا يمكن أن يحدث الانتقال السياسي بوجود مجرم مثل بشار الأسد، لذلك حتى نقول إننا دخلنا في مرحلة الانتقال السياسي لا بد أن يرحل رأس النظام ورموزه منذ بدء المرحلة الانتقالية، وهو ما يعني أنه من المستحيل أن نتحدث عن انتقال سياسي في ظل وجود بشار الأسد في الحكم.
وإضافةً إلى مبدأ رحيل الأسد في بداية الانتقال السياسي، ثمة مجموعة مبادئ أخرى مثل إعادة هيكلة الأجهزة العسكرية وإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية وخروج المليشيات وضبط فوضى السلاح وجعله بيد الدولة السورية، والتأسيس لسورية كدولة مدنية ديمقراطية قائمة على سيادة القانون. وبالتالي فإن أساس الحوار مع هذه المنصات هو المحددات الأساسية للمعارضة السورية، وفي حال تم التوصل إلى هذه الرؤى ربما يكون هناك تطوير في العلاقة بين الهيئة العليا ومنصتي موسكو والقاهرة.
في اللقاء الأخير الذي جرى في لوزان بدعوة من الأمم المتحدة وشاركت فيه الهيئة العليا ومنصتا موسكو والقاهرة في لقاءات تقنية لا تفاوضية، تم طرح نقاط عدة للنقاش مثل العملية الدستورية ووضع مسودة الدستور والجهة المخوّلة بوضعها وكيفية عملية المصادقة العامة عليها والجدول الزمني لهذه العملية، وهناك بعض النقاط تم التوصّل إلى آراء مشتركة حولها، وبعضها تم طرحها ولم يتم الانتهاء منها. ولكي نكون صريحين، فإن النقطتين الرئيسيتين اللتين يجب التوافق عليهما هما مصير الأسد والإعلان الدستوري، ونحن نصر على أنه لا يمكن أن نقبل بمرحلة انتقالية بوجود الأسد. ومنذ بدء المرحلة الانتقالية فإن رؤيتنا في الهيئة العليا أنه يجب وقف العمل بدستور 2012 والبدء بالإعلان الدستوري الذي يتم الاتفاق عليه في المفاوضات في الانتقال السياسي. وهنا لا نقلّل من أهمية النقاط الأخرى مثل خروج المليشيات الأجنبية والجيش والأمن، وهذه نقاط مهمة يجب التوافق عليها، ولكن نركز على النقاط التي تُعتبر منطلقات أساسية.
من خلال النقاشات مع منصتي موسكو والقاهرة، ما هي نقاط الاتفاق والخلاف؟
في النقاط التي تم نقاشها كالعملية الدستورية، كانت النقاشات مفيدة، ومن خلالها استطعنا التوصل إلى رؤية مشتركة للعملية الدستورية بما لا يتنافى أبداً مع رؤيتنا للانتقال السياسي. ولكن هناك نقاطاً لا يمكن المساومة عليها مثل موضوع بشار الأسد، فمن يقبل بوجوده لا يمكن أن نجلس معه على طاولة واحدة باسم المعارضة، وهو أمر لا يحتمل التفكير لأن الأمر يظهر في بداية المرحلة الانتقالية، فإما أن يرحل الأسد أو لا يرحل. وإذا كانت الجهات الأخرى متوافقة على رحيل بشار الأسد، فضمن هذه الرؤية من الممكن أن نعمل سويةً، أما إذا كانت تلك الجهات تقبل ببقاء الأسد في المرحلة الانتقالية على أن يرحل بعدها بعام مثلاً، فهنا يوجد خلاف كبير ولا يمكن أن نجلس على طاولة واحدة.
هل تعتقد أن مطلب إسقاط الأسد لا يزال واقعياً في ظل محاولة التعويم الدولي الحاصلة؟
عندما خرج الشعب السوري بثورته، لم ينتظر من أحد أن يضع محدداته لا إيجاباً ولا سلباً، وهنا لا أقلّل من مدى أهمية التحالفات الإقليمية والدولية، ولا أقلل من الأثر الدولي في الملف السوري، ولكن السوريين دفعوا من أجل هذا المطلب ثمناً كبيراً جداً، والحبل بين الشعب السوري والنظام انقطع منذ أمدٍ طويل، ولا يمكن الآن القبول ببشار الأسد ليس فقط من باب المزايدة والتنظير، بل لدينا الكثير من الأسباب حتى نتمسّك برحيله. هل يتصور أحد منّا اليوم كيف يمكن إعادة صياغة العقد الاجتماعي السوري بوجود مجرم مسؤول عن استشهاد نصف مليون إنسان على الأقل؟ وهل من الممكن أن نتخيل كيف يمكن إعادة بناء مؤسسات الدولة بما فيها الجيش والأمن والمؤسسات الخدمية، ويمكن لكل أبناء المحافظات السورية أن يعملوا سويةً في هذه المؤسسات، بوجود رأس هذه الفتنة ورأس الجريمة الذي هو بشار الأسد؟ وهل من الممكن أن نتخيل أن يصبح هناك ضبط للحدود وسيطرة عليها ومحاربة للإرهاب في ظل وجود الأسد؟
هذا كله مستحيل، وبالتالي نتمنّى ألا نبالغ كثيراً في الموقف الدولي، لأن مواقف أغلب الدول تؤكد أن الأسد وعائلته ليس لهم أي دور في مستقبل سورية، والأميركيون كانت تصريحاتهم واضحة بأن لا وجود لعائلة الأسد في مستقبل سورية. ولكن اليوم مهما كانت الصيغ المقترحة من الخارج من دولة أو أكثر لا تنسجم مع مطالب الشعب السوري، فهذا الأمر سيزيد معاناة الشعب ويعقّد المسألة أكثر وربما يطيل أمد القضية السورية، ولكن نؤكد أنه لا يمكن أن يحدث انتقال سياسي من دون رحيل بشار الأسد. لكن الجميع يشعر أن المواقف الدولية لا تزال مع رحيل الأسد في بداية المرحلة الانتقالية ومنها فرنسا. نتحدث عن مبادرة ولكن لم تُقدَّم تفاصيل، لذلك لا نستطيع أن نعطي حكماً. ولكن الكثير من الناس في المقابل، يشعرون أن بعض الدول تبدّلت مواقفها، فمثلاً خلال الأشهر الأخيرة بدأنا نشعر أن موقف الولايات المتحدة بدأ يميل للنظام، ثم عادت وبرزت تصريحات أميركية ترى أن بشار الأسد مجرم حرب ولا يمكن أن يستمر، ولحقت بها عدد من الدول. هذا الموضوع لم يتم طرحه حتى الآن بشكل رسمي من أي دولة، ولكن هذا مجرد شعور يجب أخذه بعين الاعتبار.
تتحدث وكأن المعارضة في وضع قوي مثلما كانت عليه عام 2012، إلى ماذا تستند؟
على الرغم من كل ما يقال، فإن المعارضة وضعها أفضل من النظام بكثير. أولاً المعارضة اليوم تفاوض إقليمياً في القضايا السياسية والميدانية، وليس نظام الأسد، ويتضح ذلك من مفاوضات حركة "أحرار الشام" حول الزبداني ومضايا، إذ فاوضت الحركة الإيرانيين ولم تفاوض النظام.
هل يوجد أحد في العالم اليوم يشك بحقيقة أن الأسد سقط وجاء الإيرانيون لينقذوه وفشلوا، ثم جاء الروس وخلقوا الواقع الجديد، وعلى الرغم من ذلك لم يستطيعوا أن يعيدوا النظام إلى ما قبل 2011؟ فاليوم المعارضة تقاتل دولاً لا نظاماً. أما النقطة الثانية فهي أن النظام لا يستطيع كسب معارك جديدة، فإذا تمكّن من كسب مواقع جديدة بفعل سياسة الأرض المحروقة التي يتّبعها الروس، لا يستطيع الحفاظ على هذه المناطق.
كيف ترى الوضع على الجبهة الجنوبية بعد توقيع الاتفاق الأخير؟
الجبهة الجنوبية حالها يشبه حال الكثير من الجبهات، كانت تمر بفترات هدوء وفترات اشتعال، وحتى في فترات الهدوء النسبي في سورية كان هناك على الأقل عشر نقاط اشتباك مع النظام ولا تحدث فيها عمليات كبرى. وشهدت الجبهة هجمة كبيرة من روسيا ومن النظام وإيران، لكن فصائل المعارضة صمدت بشكل أسطوري خصوصاً في معركة المنشية، وعجزت روسيا خلال الفترة المحددة أن تسيطر على الجنوب، لذلك اتجهت موسكو نحو هدنة أولى وبعدها اتفاقية وقف إطلاق النار. أما في ما يخص العمليات الأخيرة التي حدثت في حي المنشية في درعا في معركة "البنيان المرصوص"، فإن صور القتلى العائدين للنظام السوري و"حزب الله" تتحدث عن نفسها.
ما هو موقع إسرائيل في هذا الاتفاق؟
اتفاق الجبهة الجنوبية تم بين ثلاث دول، وهي الولايات المتحدة وروسيا والأردن. هذه الدول هي الراعية للاتفاق، وطبعاً خلال هذه المفاوضات كان الاتصال دائماً من قبل أميركا والأشقاء في الأردن مع قادة الفصائل لدراسة النقاط التي تتعلّق بالاتفاق. وبرأيي لم تكن إسرائيل طرفاً على الأقل مباشراً في هذا الاتفاق، ولا أعرف طبيعة دورها، ولكن بالتأكيد الولايات المتحدة تصرّح علناً بأن مصلحة وأمن إسرائيل أولوية لها، ومن المؤكد أنه في أي ترتيبات فإن الولايات المتحدة تأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار، واعتقد أن موضوع انسحاب إيران يأتي في هذا الإطار.
ألا تعتقدون أن اتفاقات خفض التوتر بمثابة إنهاء للثورة والفصائل المسلحة؟
مناطق خفض العنف التي يتم توقيعها الآن لا تعني بحال من الأحوال انتهاء الفصائل أو الثورة، ولا ننسى الأمر الأهم أن الرافعة الأساسية ضد الأسد هي الإرادة الشعبية القادرة على خلق أدوات جديدة تنسجم مع كل مرحلة من المراحل التي مرّت بها الثورة السورية. والدليل على ذلك أن الشعب ما زال يتظاهر ضد النظام والإرهاب، لذلك مهما انحدرت البوصلات تبقى بوصلة الشعب هي الوحيدة الصحيحة، وهذا الشعب الذي ولّد الفصائل قادر على تفجير القوى الكامنة الموجودة لديه.
وبعد سبع سنوات من الثورة، فإن من يحلّل قوة الثورة وقوة الجهات التي وقفت إلى جانب النظام، سيقول إن هذه الثورة يجب أن تنتهي من العام الأول، ولكن على الرغم من ذلك بقيت صامدة حتى هذه اللحظة ولا تزال، لذلك فالقوى التي وقفت إلى جانب النظام إذا كانت تظن نفسها قادرة على هزيمة الثورة، فلماذا اتجهت إلى اتفاقيات وقف إطلاق النار؟ الواقع أن النظام غير قادر على شيء والقوى التي دعمته سوف تتحمّل عبئاً طويل الأمد إذا ذهبت تجاه هذه القرارات، لذلك لا بد على الجميع اليوم أن يبحث عن حل سياسي حقيقي، بناء على المرجعيات الدولية وبيان جنيف وقراري مجلس الأمن 2118 و2254 اللذين يرضيان الشعب السوري وينقلانه إلى حالة واضحة جديدة وإلا فإن الموضوع لن ينتهي بهذه البساطة.
الوضع السوري بات معقداً جداً، وأصبحت الأولوية لمحاربة الإرهاب، هل أنتم على استعداد للمشاركة في هذه المعركة؟
أولاً إن الذي جلبنا إلى هذا الواقع هو بشار الأسد ودوره في رعاية وتنمية وجذب واستقطاب الإرهاب، وهو لا يزال يلعب على هذه الورقة في معركته المستمرة ضد الشعب السوري. ثانياً لو كان المجتمع الدولي جاداً منذ البداية في التعامل مع الملف السوري وإرساء الحل السياسي الحقيقي لما وصلنا إلى هذه الأحوال. ثالثاً ما يمارسه بشار الأسد من إرهاب، وكذلك ما يمارسه الحرس الثوري الإيراني و"داعش" من إرهاب، وما يُمارس من "القاعدة" و"النصرة" من إرهاب، هي وجوه للعملة نفسها والمحتوى نفسه، وبالتالي محاربة الأسد تساوي محاربة إيران ومليشياتها، وتساوي محاربة "داعش"، وتساوي محاربة "القاعدة".
الجيش الحر على المستوى العسكري، ونحن على المستوى السياسي، لم نتوقّف عن محاربة الإرهاب في أي لحظة من اللحظات، واليوم لا نقبل أن تكون أي بقعة جغرافية من سورية خاضعة لسيطرة الإرهاب. نحن نقاتل وفصائل الجيش الحر أكّدت أكثر من مرة أنها تقاتل ومستعدة أن تشارك في تحالف لاجتثاث الإرهاب من الأراضي السورية، على طريق التخلص من الإرهاب بكل أشكاله، من بشار الأسد حتى "النصرة".
إذا تم اتخاذ قرار دولي بمحاربة "النصرة" وقصف إدلب، ما موقفكم كتمثيل سياسي؟ هل تؤيّدون المشاركة؟
لا أحد يختلف على قتال الإرهاب، ولكن ملف إدلب مُعقّد، ويُدرس من جهات دولية مختلفة لأسباب عدة، أبرزها أن هذه المنطقة فيها نقاط تسيطر عليها "جبهة النصرة" كما توجد نقاط أخرى تسيطر عليها المعارضة. ثم إن هذه المنطقة فيها على الأقل ما بين مليونين ومليونين ونصف مليون مدني، وكلهم فرّوا من المناطق الأخرى إلى إدلب، وبالتالي هناك عبء إنساني في حال التفكير في هذه المعركة. أما في حال وجود سياسة دولية يشارك فيها أبناء سورية من أجل محاربة الإرهاب وتخليص هذه المنطقة من الإرهاب وفق قواعد حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وهذا الأمر صعب ويحتاج إلى دراسة كبيرة، فهو أمر مرحّب به. أما أن يتم استخدام ذريعة الإرهاب بهدف استهداف المدنيين أو استهداف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، فهذا ما نعتبره غير مقبول، لذلك يجب أن تكون أي عملية وفق قانون حقوق الإنسان، وبالتالي مسؤولية تخليص هذه المنطقة من الإرهاب هي مسؤولية جماعية يجب التفكير فيها بأسلم الطرق لتحقيق هذه النتائج.
الولايات المتحدة أبلغت بعض الفصائل المسلحة بسحب السلاح الذي زودتها به، واشترطت محاربة "داعش" حصراً. ما تعليقكم على ذلك؟
أولاً اسمه جيش حر وليست معارضة مسلحة، وهم شباب ثوار ومدنيون حملوا السلاح للدفاع عن الأرض. ثانياً، نعم هناك فصائل مدعومة ببرنامج "سي آي إيه" (الاستخبارات المركزية الأميركية)، أُبلغت أنه خلال ثلاثة أو أربعة أشهر سيتم إيقاف الدعم، وهذا الموضوع باعتقادي فيه عدد من النقاط التي يجري الحديث عنها، فمن دون إرساء حل سياسي، سيكون هذا الموضوع خطأ استراتيجياً، لأنه سيُضعف فصائل الجيش الحر أمام الجهات الإرهابية الموجودة على الأرض السورية. كذلك في حال عدم اقتران هذه الخطوة مع الحل السياسي، ستصبح فصائل الجيش الحر مرغمة على فتح معارك جديدة من أجل تأمين السلاح اللازم لاستمراريتها. كما أن قطع الدعم عن فصائل الجيش الحر في ظل الدعم المفتوح للنظام، سيزيد التعقيدات الميدانية والسياسية، وسيجعل فرصة الوصول للحل السياسي بعيدة، لذلك نتمنى تفعيل الحل السياسي الحقيقي، وحتى تأتي تلك اللحظة لا بد من الحفاظ على التوازنات الموجودة على الأرض، والحفاظ على فصائل الجيش الحر المعتدلة القادرة على القيام بأعمال عسكرية، سواء تجاه الإرهاب، أو تجاه النظام في حال لم يلتزم باتفاقيات وقف إطلاق النار، حتى يأتي الوقت الذي يترسّخ فيه الحل السياسي المطلوب.
لمن الأرجحية اليوم في سورية، للروس أم الإيرانيين؟
لا شك في أن الروس عندما دخلوا، كان الإيرانيون مستفيدين من الملف السوري لسنوات عدة، وكانوا متغلغلين في الجيش والأمن ومؤسسات الدولة، ولا ننسى أن الإيرانيين بنوا مليشياتهم بجانب المؤسّسة العسكرية السورية، وسيطرت هذه المليشيات عليها تماماً. لذلك عندما دخل الروس فإنهم دخلوا لإنقاذ الموقف الأسدي والموقف الإيراني، وكانت الغلبة للإيرانيين، ولاحظنا مشاغبات إيرانية في أكثر من منطقة، إذ كانت روسيا تقر شيئاً وإيران تخالفه. والآن مع الوقت باتت الغلبة للروس خصوصاً مع وجود جو إقليمي ودولي يميل إلى تحييد دور إيران، وهذا ما ظهر باتفاقية الجنوب عندما أجبروا إيران على الانسحاب 40 كيلومتراً. وحتى على مستوى المناطق الأخرى فمن فاوض في الغوطة وريف حمص الشمالي هم الروس، لذلك نشاهد أن الدور الروسي بدأ يتغلّب على الدور الإيراني، ولكن إيران لا تزال متغلغلة ويجب وضع استراتيجية لاجتثاث إيران من سورية، لأن مصالحها تختلف تماماً عن مصالح الدول الأخرى بما فيها روسيا. قادة الثورة والمعارضة خلال السنوات الماضية لم يتركوا سبيلاً لإقناع الروس بالتخلي عن دعم الأسد إلا واتبعوه، لكن المشكلة أن روسيا تستعمل الورقة السورية في التفاوض على ملفات أخرى ليست بيد السوريين، فهي تفاوض الأوروبيين والأميركيين على ملفات خارج سورية، وبالتالي فإن الثمن الذي تنتظره روسيا ليس من قادة الثورة والمعارضة، وإنما تنتظر بازاراً دولياً تتفاوض فيه على مصالح معينة مع أميركا ومصالح مع أوروبا حتى تدخل في مفاوضات الملف السوري.