نصرالله مرشداً للجمهورية في لبنان

12 نوفمبر 2018
+ الخط -
وقف أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، أخيرا، معلنا أنه المرشد الفعلي للجمهورية اللبنانية، أنه الآمر الناهي والسلطة العليا فوق كل السلطات، فقد حسم، بنبرته وصوته القاطع ويده المهددة والمتوعدة، أن لا حكومة في لبنان إذا لم تؤلف كما يريدها هو، وتضم من يريد من حلفاء وودائع له وللنظام السوري. لا يهم إذا كان رئيس الجمهورية هو حليفه، ومن صنع يديه، وهو الذي من أجله أفرغ الرئاسة، وعطل المؤسسات سنتين ونصف السنة، لكي يفرضه رئيسا، ومن أجل صهره وزير الخارجية الحالي ورئيس التيار الوطني الحر (العوني)، جبران باسيل، عطل تأليف حكومتين في السنوات الأخيرة ستة أشهر، لكي يفرضه وزيرا في الحقيبة التي يريد! كان نصرالله، في خطابه الجديد، أشبه برجل مدجج بالسلاح، اتخذ من الدولة والمؤسسات رهينة، مهددا بنشر الفوضى والخراب. خطاب الانقلاب على الدستور والمؤسسات، خطاب التهديد المباشر للخصوم السياسيين الذين تناولهم بالاسم. بدا منفعلا، فاقدا موجبات التخاطب واللياقات التي يفترض أن يراعيها زعيم سياسي، ورجل معمم مثله، تجاه شخصيات ومقامات دينية. أطلق كلام تحدٍّ غير مسبوق، تعرض فيه لأول مرة، وإن بطريقة غير مباشرة، لرأس الكنيسة المارونية: "يلي مش سامع من الرؤساء والوزراء والبطاركة والمرجعيات الدينية... فليسمع".

يلجأ اليوم أمين عام حزب الله، مجدّدا، إلى سلاح التعطيل، لمنع تشكيل حكومةٍ طالت استشارات تشكيلها ومفاوضاته أكثر من خمسة أشهر منذ تكليف سعد الحريري إعادة تأليفها بعد الانتخابات النيابية التي جرت في شهر مايو/ أيار الماضي. يشترط نصرالله ان تضم الحكومة العتيدة وزيرا ممثلا لعدد من النواب السنّة المعارضين لسياسة الحريري ونهجه. وهولاء النواب الذين لا يتعدى عددهم الستة تمكنوا من الفوز بفضل قانون النسبية الذي أقر أخيرا، وكانوا مرشحين على لوائح يدعمها حزب الله وخصوم تيار المستقبل الآخرون. وهم لا يشكلون كتلة واحدة كما ينص عليه القانون كي يتم تمثيلهم في الحكومة، وإنما تم تجميعهم "من كل وادٍ عصا"، فمنهم من ينتمي مباشرة الى كتلة نواب حزب الله، وآخر الى كتلة نواب نبيه بري، واثنان ينتميان إلى كتلة تجمع سليمان فرنجيه وفيصل كرامي، وليسوا بالتالي مستقلين كما يقول نصرالله. وجميع هذه الكتل التي هم موجودون فيها هي أساسا ممثلة وستمثل في الحكومة، لكن نصرالله قرّر استغلال هذه الفرصة التي أرادها هو تحديدا، والتي يتم فيها، لأول مرة، انتخاب عدد من النواب السنة المعارضين للحريري، كي يفتح ثغرة في جدار الطائفة والساحة السنية التي كانت معقودة اللواء لزعيم تيار المستقبل على الصعيد الوطني منذ اغتيال رفيق الحريري عام 2005. ما يريده نصرالله هو اختراق جميع الطوائف والساحات، وايجاد موطىء قدم له في كل منها لبسط سيطرته على قرار الدولة والمؤسسات، طالما أنه غير قادر على بسطها بالسلاح، ولكي ينزع عن حزبه صفة التمثيل الطائفي والمذهبي، فالمهمة الأدق والأصعب هي الإحاطة في الساحة السنية وبداية التأثير في تركيبتها الداخلية، شرطا أساسيا لنزع فتيل الاحتقان المذهبي السني - الشيعي. وقد سبق أن استتب له ذلك داخل الساحة المسيحية، وتحديدا في الطائفة المارونية الكبرى والأهم، عبر الاتفاق الذي عقده مع رئيس التيار، ميشال عون، الذي قدم له خدمات جلى منذ حرب تموز 2006، ومشاركته له في احتلال بيروت عام 2007 سنة ونصف السنة. والأهم من كل هذه المحطات تغطية عون سلاح حزب الله من موقعه اليوم رئيسا للجمهورية. وقد تمكّن حزب الله أيضا من اختراق الساحة الدرزية وتطويعها، عبر كسب ود طلال أرسلان، الغريم التقليدي لوليد جنبلاط والمتنازَع الولاء بين نصرالله وبشار الأسد، وعبر هزّ العصا، من وقت إلى آخر، لجنبلاط الذي حوصر في دارته في 7 مايو/ أيار 2008 يوم اجتاحت مليشيا حزب الله بيروت، وكذلك الحريري. ويوم حاول حزب الله اجتياح الجبل معقل جنبلاط. أما الساحة الشيعية فهي معقودة الولاء لحزب الله وحركة أمل منذ أكثر من عقدين، بعد أن تم إضعاف أي معارضة شيعية، وإسكاتها وقمعها. وقد اظهرت الانتخابات أخيرا أن الساحة الشيعية ذاهبة إلى شبه أحادية، تحت سيطرة حزب الله الذي حصد نسب تأييد قاربت 80%، في بعض الدوائر ذات الاغلبية الشيعية على حساب حليفته حركة أمل.
من هذا المنطلق، تبدو معركة نصرالله فرض ولو وزيرا واحدا سنّيا معارضا في الحكومة تحديا للحريري، وفرصة ذهبية لكسر احادية تمثيله للساحة السنّية، ليس فقط للقول إن المعركة مع الحريري سياسية وليست مذهبية، وإنما التمهيد أيضا لاستبداله في المرحلة المقبلة، بسنّي آخر على رأس الحكومة، مقرّب من محور "الممانعة الحزبللاوي- الأسدي- الإيراني"،
وصاحب شعبية وتمثيل في الساحة السنية. وليست مسألة دفع الحريري إلى الاعتذار مجرد فكرة عابرة، لأنه يرفض رفضا قاطعا توزير أيٍّ من هؤلاء النواب السنة المعارضين، فيما يصر حزب الله على ذلك. وقد اعلن نصرالله، في كلمته، بشكل قاطع، أن لا حكومة بدون تمثيلهم، ورفضه أي حل وسط عبر تمثيلهم بأحد النواب، أو الشخصيات السنية المحايدة. وهذا ينقل المواجهة الى مستوى آخر، يضع رئيس الجمهورية شخصيا في موقف حرج، لأنه رفض علنا، هو الآخر، تمثيل هذه المجموعة التي يتبنّاها حزب الله، معتبرا أنه تم تجميعهم عنوة، لكي يشكلوا تحديا للحريري الذي بات يعتبره عون شريكا موثوقا في الحكم. كما انه يفتح الباب على تحدّ آخر، يجنج نحو مخالفة دستورية، فصلاحية تشكيل الحكومة، بحسب الدستور، تقع على عاتق رئيس الحكومة الذي يتم تكليفه من البرلمان، والذي يحتاج الى موافقة رئيس الجمهورية صاحب صلاحية التوقيع على مرسوم إصدار تشكيل الحكومة، وليس نصرالله أو أي طرف سياسي آخر. أما اليوم فإن زعيم حزب الله يقول إن الأمر له، وإنه من يؤلف الحكومة. وقد جاهر، في كلامه أمس، ردا على جنبلاط، بالقول إنه لا يحتاج إلى مبرّر أو التلطّي وراء تمثيل نواب "سنّة 8 آذار" لمنع تأليف الحكومة، وهو يعلن ذلك صراحة!
أخيرا لا آخراً، يبقى السؤال الأهم: لماذا قرّر نصرالله انتظار انتهاء الحريري من جهد تجميع بازل مكونات حكومته الذي دام خمسة أشهر للخروج فجأة بهدا التحدّي لتعطيل الحكومة، وفي يوم 29 أكتوبر/ تشرين الأول بالضبط، أي قبل أسبوع على دخول العقوبات الأميركية الإضافية على إيران حيز التنفيذ؟ هل لأن الحسابات تغيرت في الطريق، إذ رأت طهران أنه من الأفضل المواجهة عبر فوضى التعطيل وتوظيف الأزمات الحكومية وغير الحكومية المفتوحة في لبنان وسورية والعراق واليمن أوراقاً للتفاوض مع الإدارة الأميركية، عندما تحين الفرصة؟
5231ACF6-F862-4372-9158-B1655EE52A60
سعد كيوان

صحافي وكاتب لبناني، عمل في عدة صحف لبنانية وعربية وأجنبية.