نساء ناقصات

09 مارس 2016
+ الخط -

لم أفاجأ بخبر طلاق امرأة في غزة، بسبب إعاقتها الحركية التي تسببها العدوان على غزة، علماً أن زوجها فقد ساقه في العدوان نفسه في صيف 2014، أي أنه أصبح معاقاً مثلها، لكنه طلقها وحرمها من أطفالها، بدعوى أنها لم تعد قادرة على خدمته ورعاية أطفاله، فهذا الخبر ليس مفاجئاً، لأن المجتمع الذي يرى المرأة كائناً لا يقبل بنواقص، وتظلله نظرة خاصة ظالمة ومتجنية نحوها بأن عليها ألا تكون "أنانة"، حسبما أوصى الحكماء ضمن شروط اختيار الزوجة، فمن الطبيعي أن تقع هذه الحادثة التي ينطبق عليها المثل الشعبي الذي كانت تردّده جدتي: زوجي يحبني قوية، وتقصد بالقوة طبعاً أن تكون وافرة الصحة كاملة الأعضاء، لا تشتكي ولا تئن، ولا تنقص عضواً أو تعاني تشوهاً.

ففي صغري، سمعت قصة عن ابنة الجيران، والتي تزوجت، بعد خطبةٍ سريعةٍ من شابٍّ يقطن في مدينةٍ أخرى، ولم يرها سوى يوم النظرة الشرعية، فلم يفطن إلى طريقة مشيها، إلا بعد الزواج بعشرة أيام، حين لفت صديقه نظره إلى مشيتها التي يشوبها عرجٌ خفيفٌ لا تكاد تلحظه العين، فاستهجن أن يبدي صديقه هذه الملاحظة على عروسه، فذلك يعني تشكيكاً في ذوقه واختياره، فهو شاب كامل، لا ينقصه شيء، حتى يتزوج من فتاةٍ بها عيب خلقي، فطلقها سريعاً، لكي يستعيد مكانته بين رفاقه، ومن دون أن يعرف أنها حامل، ووضعت مولودها في بيت أهلها، وظلت موصومة بالطلاق السريع الغريب السبب، حتى يومنا هذا.

حادثة أخرى سمعتها، حين كانت تتحدث زميلة أمي، بفخرٍ، أن شقيقها قد فسخ خطبته بفتاة فائقة الجمال، بعد أن علم أنها أجرت عملية استئصال الزائدة الدودية قبل سنوات، وكانت الجراحة وقتها تترك أثراً بارزاً في البطن، فكره أن تكون عروسه مشوهةً في جزءٍ من جسدها، لن يراه غيره.

أما زميلتي في المرحلة الثانوية فقد تحدثت عن شقيقتها التي تكبرها بأعوام كثيرة ولم تتزوج، وذلك لأنها بعين واحدة، والسبب في فقدانها عينها هو شقيقها الأصغر، والذي كان يلهو بمسدسه اللعبة، حين انطلقت منه طلقة بلاستيكية، أصابت عينها ففقدتها، وتحدثت بألم أمامي، وأمام باقي الزميلات في حوش المدرسة، كيف تزوج شقيقها منذ سنوات. وفي يوم زفافه، أعجب شقيق عروسه بصورةٍ لشقيقتها، ذات العين الواحدة، لأنها كانت تسدل خصلة من شعرها الناعم الفاحم السواد على عينها، وحين تقدم لخطبتها، وعلم بعاهتها، تراجع سريعاً عن خطبتها.

وعشت رعباً لا يوصف، حين كان يتناهى إلى مسمعي صوت جارتي العجوز، وهي تهدّد، بصوت مرعد، زوجات أبنائها السبعة، واللواتي يعشن معها في بيت واحد، وكان فحوى تهديدها أنه، في حال مرضت إحداهن، فعليها أن تتوجه فوراً إلى بيت أهلها حتى تتعافى، لأن امرأة مريضة لا مكان لها في بيتها، حيث الغسيل والطبخ والخبز على الطابون، وحيث الزوج الذي يريد امرأةً تتزين، وتلبي طلباته، وتشبع رغباته في آخر النهار.

اليوم، ونحن نحيي اليوم العالمي للمرأة، علينا، أولاً، أن نؤسس لمفاهيم جديدة نحوها بأنها كيان متكامل متفرّد، فيه أمكنة للنقص والضعف والقبح مثلها مثل الرجل، وأن نصل إلى قناعةٍ بأن المرأة تظلم من الرجل، ومن بنات جنسها أيضاً. ويهمني أن أوجه هذه الرسالة لصديقة تصارع مرض السرطان، لم أستطع أن أوصل إليها رسالتي عبر الهاتف، لأن الدموع خنقتني، وأعرف أنها ستقرأ كلماتي هنا، أقول لها: كوني قوية، من أجل أحبتك، ومن أجل أطفالك، انتصري لنفسك ولوجودك، أعرف أنك تتوقعين خذلان زوجك الذي عشت معه عمراً على "الحلوة والمرة"، وأنك تتوقعين، في كل لحظةٍ، أن يخرج من البيت بلا عودة، لأنه لم يعد يحتمل مرضك. ولكن، لا تبالي ولا تتوقفي عن التشبث بالحياة، ففي حياتنا، نحن النساء، أشياء أجمل، تستحق أن نحيا من أجلها. الحياة، يا غاليتي، لا تتوقف عند رجلٍ يجيد الهروب.

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.