09 نوفمبر 2024
نحو مواجهة برية "حتمية" مع داعش
في واحد من المواقف المؤثرة، قال صافي الكساسبة والد الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، يوم 25 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد أيام على أسر داعش نجله إن" ابني ضيف على إخوان له في سورية". كان الرجل يخاطب آسري ابنه الشاب، بمنطق عشائري، لإدراكه أن بعض قيادات داعش تحمل صبغة عشائرية، وقد ينفع معها الأسلوب العشائري في احترام الحياة البشرية، إذا ما توسط للمستهدف أبوه وكبار قومه، ضمن تعهدات متبادلة. وقد تبين مجدداً، وبعد فظاعة إعدام الطيار الشاب، أن هذا التنظيم الهجين لا يأبه لا لأعراف عشائرية، ولا لأخلاق الحرب، ولا لمنطق التفاوض، وأنه لا يبرع بشيء، قدر براعته في ازدراء الحق بالحياة، وفي التعطش للفتك بضحاياه، واقتراف القتل بطريقة استعراضية مقززة، وأن هذا التنظيم الذي يرفع راية الدين يناصب المسلمين العداء، أسوة بغير المسلمين، وبدون أي تمييز. والجرائم التي ارتكبها، حتى الآن، في العراق وسورية، تدل على أن الغالبية العظمى من ضحاياه من المسلمين .. السنّة.
لا يخاطب هذا التنظيم أحداً، ولا يبث رسالة يمكن أن يلتقطها أحد في زماننا هذا، إذ ينعقد رهانه على عبادة القوة العارية، ومحاولة نشر الرعب والاستيلاء على المال والنساء. لا علاقة له بمحيطه وبيئته، إذ ينشىء سلطته في عراء اجتماعي، وخلافته المزعومة تقوم على منطق الغلبة، فحيثما وجد له مواطئ قدم، في بيئة مسلمة أو غير مسلمة، وسواء ارتضى الناس من حوله هذه الخلافة بالترويع، أو أنكروها، بالابتعاد عنها، فإنه لا يتردد في إعلان خلافته، كما في الرقة والموصل، خلافة لا تتواصل مع أحد خارج نطاقها القيادي.
ينجح هذا التنظيم، إذن، في تعزيز عزلته الاجتماعية والسياسية والدينية أكثر فأكثر، مكتفياً، وقد أدار الظهر للأقربين والأبعدين، ببث رسائل على موقع للتواصل الاجتماعي، متوهما أن العالم كله محض افتراض، مقارنة بكيانه هو "الواقعي والحقيقي"، فيما الطائرات الحربية التي تقصف تجمعاته، تظهر في مرآته كغزو شيطاني، يثبت صحة رسالة التنظيم!
ليس الغرض من هذا المقال عرض جوانب لصورة هذا التنظيم الدخيل، بقدر ما يتركز على التأشير إلى جبهة جديدة، فتحها هذا التنظيم على "نفسه" مع الأردن، جيشاً وأجهزة أمن واستخبارات ومجتمعاً عشائرياً وغير عشائري، وأنه أتيحت لدى هذا التنظيم فرصة لتحقيق مكاسب، لو خاض غمار التفاوض، لكن العمى العقلي والأخلاقي حرمه من ذلك. وقد أشارت "العربي الجديد"، الأربعاء 4 فبراير/شباط الجاري، إلى جوانب مواجهة أردنية متوقعة مع داعش، وفي ساحات يسهل فيها على الأردن الحركة، سواء في سورية أو العراق. وفي ظروف يناصب فيها الجميع هذا التنظيم العداء ، وهذه المواجهة مرشحة لأن تكون مفتوحة، ولن تتوقف قبل إيقاع ضربات مدمرة وقاتلة لرؤوس هذا التنظيم ومواطن قوته، وذلك خلافاً لتوقعات ساذجة من داعش بأن إعدام الطيار الشاب سوف يثير الرعب، ويؤدي إلى شل حركة المعترضين. وعليه، فإن واقعة إعدام الكساسبة سوف تشكل نقطة تحول في المواجهة مع
داعش، بعد أن أصبح الأردن طرفاً أساسيا يمتلك المزيد من الدافعية في هذه المواجهة التي تتعدى المشاركة في الغارات الجوية للتحالف الدولي، علماً بأن مصادر عديدة ذهبت إلى أن الأردن أوقف مشاركته في الحملة العسكرية الجوية، في أثناء فترة التفاوض مع داعش. أما الآن، فمن المنتظر أن يزاوج الأردن في حملته على داعش بين الجو والأرض.
وقد وصف مراسل للشؤون الأمنية في إذاعة بي بي سي (فرانك غاردنز) إعدام الكساسبة، وبالطريقة المروعة التي تم بها، بأنه يمثل فشلاً للتحالف الدولي في تحرير الرهائن وإنقاذهم، على الرغم من الأموال الطائلة المخصصة لعمليات استخبارية، وكذلك نشاط الأقمار الصناعية، وبقية وسائل التقنية الحديثة، المستخدمة للتقصي والتتبع.
لا يعود الأمر، بطبيعة الحال، لقدرات خارقة، يتمتع بها هذا التنظيم (علماً بأنه يمتلك قدرات جيدة، يوفرها خبراء عسكريون). ولكن، لسبب آخر، هو ما يلاحظه هذا التنظيم من تردد ومن تقاعس في مواجهته برياً. ما كان يمكن لكوباني عين العرب أن تتحرر لولا القتال على الأرض الذي خاضته الحركة الكردية المسلحة، إلى جانب الجيش الحر، حيث تم طرده من المدينة، ومن خمس قرى، وما زالت نحو عشرين قرية في ريف حلب في قبضته. وفي العراق، يواجه التنظيم صعوبات جمة في التوسع والتمدد، نتيجة مواجهته بقوات برية متعددة، ويستعيض عن هزائمه بإعدامات جماعية استعراضية ومقززة لضحايا، أغلبهم مدنيون. والمواجهة معه مستمرة على أرض العراق، وتُمنى هذه المواجهة، أحياناً، بنكسات نتيجة ضعف الكفاءة والجهوزية لدى أطراف عراقية مقاتلة، لا تملك من عدة قتالية سوى التعبئة الطائفية ضد ما تمثله داعش في منظور هذه الأطراف، خلافا للأكراد الذين يقاتلون داعش بعقيدة وطنية/ قومية، ويحققون انتصارات عليه.
في السجال السياسي الذي ثار في الأردن، عقب أسر الكساسبة، تحدثت نائبة في البرلمان، هي هند الفايز، إن كل ما جرى، ويجري آنذاك، يراد به زج الأردن في حرب برية، ومحاولة تبرير دخول هذه الحرب. وهكذا، فإن النائبة الفايز رأت مسبقاً أن المشكلة تتمثل في الحرب البرية التي لم تقع بعد!، علاوة على اعتقادها أن هذه الحرب كلها ليست حربنا. الآن، تدل ما آلت إليه قضية الطيار الكساسبة على أنه لا يمكن هزيمة هذا التنظيم من الجو فقط، وأن المواجهة البرية معه تقرض نفسها. وأن هذا التنظيم ينكر وجود سيادة للدول وهويات وطنية وحدود للدول، فقد سبق للخليفة المزعوم البغدادي أن قال إن العراق ليس للعراقيين وسورية ليست للسوريين. وفي وقت مبكر وقبل الاستيلاء على المواصل، في يونيو/حزيران الماضي، وجه تهديدات للأردن، واعتبر بصورة علنية أن هذا البلد هدف له.
تزكية خيار المواجهة البرية يجمع عليه خبراء عسكريون وسياسيون. وليس المطلوب، الآن، دفع هذا البلد أو ذاك، الأردن أو غيره، إلى هذه المواجهة، غير أن الأطراف المتضررة من داعش لم تعد تملك ترف إدارة الظهر للخيار البري. والولايات المتحدة تتحدث، بصورة صريحة، إن الهدف من تدريب قوات للجيش السوري الحر هو تأهيلها لخوض مواجهات مع داعش. لا يستطيع هذا الجيش أن يخوض وحده حرباً طاحنة ضد داعش، ودفاعاً عن شعبه بمواجهة النظام الحاكم في دمشق. الأطراف المتضررة كثيرة، ومن واجبها المشاركة في هذه المواجهة، إذا أرادت هزيمة داعش وحرمان من يستفيد منه، من وجود هذا التنظيم الذي يضاعف معاناة السوريين والعراقيين، ويهدد مجتمعات ودولاً أخرى، منها الأردن.
لا يخاطب هذا التنظيم أحداً، ولا يبث رسالة يمكن أن يلتقطها أحد في زماننا هذا، إذ ينعقد رهانه على عبادة القوة العارية، ومحاولة نشر الرعب والاستيلاء على المال والنساء. لا علاقة له بمحيطه وبيئته، إذ ينشىء سلطته في عراء اجتماعي، وخلافته المزعومة تقوم على منطق الغلبة، فحيثما وجد له مواطئ قدم، في بيئة مسلمة أو غير مسلمة، وسواء ارتضى الناس من حوله هذه الخلافة بالترويع، أو أنكروها، بالابتعاد عنها، فإنه لا يتردد في إعلان خلافته، كما في الرقة والموصل، خلافة لا تتواصل مع أحد خارج نطاقها القيادي.
ينجح هذا التنظيم، إذن، في تعزيز عزلته الاجتماعية والسياسية والدينية أكثر فأكثر، مكتفياً، وقد أدار الظهر للأقربين والأبعدين، ببث رسائل على موقع للتواصل الاجتماعي، متوهما أن العالم كله محض افتراض، مقارنة بكيانه هو "الواقعي والحقيقي"، فيما الطائرات الحربية التي تقصف تجمعاته، تظهر في مرآته كغزو شيطاني، يثبت صحة رسالة التنظيم!
ليس الغرض من هذا المقال عرض جوانب لصورة هذا التنظيم الدخيل، بقدر ما يتركز على التأشير إلى جبهة جديدة، فتحها هذا التنظيم على "نفسه" مع الأردن، جيشاً وأجهزة أمن واستخبارات ومجتمعاً عشائرياً وغير عشائري، وأنه أتيحت لدى هذا التنظيم فرصة لتحقيق مكاسب، لو خاض غمار التفاوض، لكن العمى العقلي والأخلاقي حرمه من ذلك. وقد أشارت "العربي الجديد"، الأربعاء 4 فبراير/شباط الجاري، إلى جوانب مواجهة أردنية متوقعة مع داعش، وفي ساحات يسهل فيها على الأردن الحركة، سواء في سورية أو العراق. وفي ظروف يناصب فيها الجميع هذا التنظيم العداء ، وهذه المواجهة مرشحة لأن تكون مفتوحة، ولن تتوقف قبل إيقاع ضربات مدمرة وقاتلة لرؤوس هذا التنظيم ومواطن قوته، وذلك خلافاً لتوقعات ساذجة من داعش بأن إعدام الطيار الشاب سوف يثير الرعب، ويؤدي إلى شل حركة المعترضين. وعليه، فإن واقعة إعدام الكساسبة سوف تشكل نقطة تحول في المواجهة مع
وقد وصف مراسل للشؤون الأمنية في إذاعة بي بي سي (فرانك غاردنز) إعدام الكساسبة، وبالطريقة المروعة التي تم بها، بأنه يمثل فشلاً للتحالف الدولي في تحرير الرهائن وإنقاذهم، على الرغم من الأموال الطائلة المخصصة لعمليات استخبارية، وكذلك نشاط الأقمار الصناعية، وبقية وسائل التقنية الحديثة، المستخدمة للتقصي والتتبع.
لا يعود الأمر، بطبيعة الحال، لقدرات خارقة، يتمتع بها هذا التنظيم (علماً بأنه يمتلك قدرات جيدة، يوفرها خبراء عسكريون). ولكن، لسبب آخر، هو ما يلاحظه هذا التنظيم من تردد ومن تقاعس في مواجهته برياً. ما كان يمكن لكوباني عين العرب أن تتحرر لولا القتال على الأرض الذي خاضته الحركة الكردية المسلحة، إلى جانب الجيش الحر، حيث تم طرده من المدينة، ومن خمس قرى، وما زالت نحو عشرين قرية في ريف حلب في قبضته. وفي العراق، يواجه التنظيم صعوبات جمة في التوسع والتمدد، نتيجة مواجهته بقوات برية متعددة، ويستعيض عن هزائمه بإعدامات جماعية استعراضية ومقززة لضحايا، أغلبهم مدنيون. والمواجهة معه مستمرة على أرض العراق، وتُمنى هذه المواجهة، أحياناً، بنكسات نتيجة ضعف الكفاءة والجهوزية لدى أطراف عراقية مقاتلة، لا تملك من عدة قتالية سوى التعبئة الطائفية ضد ما تمثله داعش في منظور هذه الأطراف، خلافا للأكراد الذين يقاتلون داعش بعقيدة وطنية/ قومية، ويحققون انتصارات عليه.
في السجال السياسي الذي ثار في الأردن، عقب أسر الكساسبة، تحدثت نائبة في البرلمان، هي هند الفايز، إن كل ما جرى، ويجري آنذاك، يراد به زج الأردن في حرب برية، ومحاولة تبرير دخول هذه الحرب. وهكذا، فإن النائبة الفايز رأت مسبقاً أن المشكلة تتمثل في الحرب البرية التي لم تقع بعد!، علاوة على اعتقادها أن هذه الحرب كلها ليست حربنا. الآن، تدل ما آلت إليه قضية الطيار الكساسبة على أنه لا يمكن هزيمة هذا التنظيم من الجو فقط، وأن المواجهة البرية معه تقرض نفسها. وأن هذا التنظيم ينكر وجود سيادة للدول وهويات وطنية وحدود للدول، فقد سبق للخليفة المزعوم البغدادي أن قال إن العراق ليس للعراقيين وسورية ليست للسوريين. وفي وقت مبكر وقبل الاستيلاء على المواصل، في يونيو/حزيران الماضي، وجه تهديدات للأردن، واعتبر بصورة علنية أن هذا البلد هدف له.
تزكية خيار المواجهة البرية يجمع عليه خبراء عسكريون وسياسيون. وليس المطلوب، الآن، دفع هذا البلد أو ذاك، الأردن أو غيره، إلى هذه المواجهة، غير أن الأطراف المتضررة من داعش لم تعد تملك ترف إدارة الظهر للخيار البري. والولايات المتحدة تتحدث، بصورة صريحة، إن الهدف من تدريب قوات للجيش السوري الحر هو تأهيلها لخوض مواجهات مع داعش. لا يستطيع هذا الجيش أن يخوض وحده حرباً طاحنة ضد داعش، ودفاعاً عن شعبه بمواجهة النظام الحاكم في دمشق. الأطراف المتضررة كثيرة، ومن واجبها المشاركة في هذه المواجهة، إذا أرادت هزيمة داعش وحرمان من يستفيد منه، من وجود هذا التنظيم الذي يضاعف معاناة السوريين والعراقيين، ويهدد مجتمعات ودولاً أخرى، منها الأردن.