تحت ظلال شجرتين توأم، في حديقة سمير قصير وسط بيروت، تتوزّع ثماني منحوتات للفنان التشكيلي اللبناني كميل حوّا في إطار فعاليات "أسبوع الفن في بيروت"، كلّها تحاكي كلمة "فن" فوق سطح مياه البركة.
من انعكاس صورة هذه المنحوتات أو التشكيلات الحروفية على سطح الماء، يتشكّل مشهد ساحر وأخّاذ، يبديها كما لو أنها تعوم وتطفو.
عرض هذه المنحوتات هو المحطة الثالثة في مشاركة كميل حوّا ضمن فعاليات "أسبوع الفن في بيروت"، ويقول إن هذه المشاركة كانت مدخلاً جديداً له لإبراز العلاقة المتنامية بين أعماله و"فن" الكلمة عبر تشكيل وتجسيد كلمة "فن" بحرفَيْها اللذين يشكلانها.
من النادر جداً أن نجد منحوتات في الأماكن العامة في لبنان، لكنها تتدفق دفعة واحدة خلال أسبوع الفن في بيروت الذي بات تظاهرة سنوية تعرض فيها منحوتات لفنانين من مختلف بلدان العالم. عندما تقع أعيننا على منحوتة عامّة تُغيّر شكل المكان، وتحّثُنا على الرجوع إليها مراراً وتكراراً، للتحقّق مما إذا كان عنصرا المفاجأة والفرح ما زالا قائمين رغم العمومية التي تصاب بها هذه المنحوتات بفعل كونها في المكان العام وأمام أعين المارة الذين يضطرون لمشاهدتها ولو صدفة والوقوف عندها وتأملها وتصويرها والتعليق عليها.
منحوتات كميل حوا في حديقة سمير قصير تحثّنا على فعل المراقبة هذا. في نظرة سريعة على الأعمال الثمانية، نتبيّن أن خمسة منها مصنوعة من معادن مختلفة، منها الستينلس ستيل المحفور وصفائح المعدن المشغول والخشب والزجاج والبلاستيك والحديد. وكانت أكبر المنحوتات قد صُمِّمت وصُنعت وحدها قبل سنة، فكانت البشير الأول لكلمة "فن"، وقد احتلت مكانها على غلاف كراس المعرض الفني.
أما المنحوتات الخشبية فتنتمي إلى فن "أرت ديكو". وأكثر ما يشد الانتباه في هذه المجموعة، أن أربعة أعمال منها، يمكن أن تُقرأ من كلا الجانبين، نتيجة لتجريديتها العالية وتقابلها، ما يعيدنا إلى مرحلة الـ«بوستروفيدون» في الحرف اليوناني، حين كان من الممكن كتابة الأحرف من اليمين إلى اليسار كما من اليسار إلى اليمين تبعاً لموقع السطر في النص.
من الممكن إيجاد نسب في الخط الكوفي لهذه الأعمال الفنية، كونه خطاً هندسياً بطبيعته، ومنها منحوتة "تثليث" التي يتداخل فيها مثلثان أحدهما صعوداً والثاني هبوطاً، وفوق كلً منهما دائرة سوداء مع ثغرة دائرية تعكس النقطة الموجودة فوقها.
وكذلك الأمر في منحوتة "نافذتين" وهي كما يشير اسمها تمثل حرفي "الفاء" و"النون" على أنهما نافذتان معدنيتان مستطيلتان، لكلٍّ منها نقطة دائرية في الأعلى وتتوسط يمناهما دائرة كبيرة، هي رأس الفاء. أما منحوتة "وعر" فإنها تذهب خطوةً أبعد من سواها في معالجتها البصرية، عبر تشويه المسطحات وتمييل المستقيمات، وبالتالي تبين أن مفهومي التجريد والهندسية ليسا متلازمين جوهرياً، كما تعلمنا الهندسة التقليدية.
كان يُفترض أن تمكث مجموعة المنحوتات فوق الماء أسبوعاً، على أن تُسحب في ما بعد، لكن تقرر تمديد عرضها أسبوعاً آخر ليستفيد من عرضها أكبر عدد من المارة والجمهور الذي يقصد المكان. وقد تبرّع الكاتب الفني المتحمس سيزار نمّور، وزوجته غابرييلا، باستضافة هذه الأعمال في "مقام" متحف الفن الحديث.
(تصوير ومونتاج زكريا جابر)