بدت تجربة الزعيم، عادل إمام، التلفزيونية في السنوات الأخيرة، أقلّ بكثير من إرثه السينمائي. ثلاثة أعمال تلفزيونية قدّمها الفنان المصري على التوالي، هي "فرقة ناجي عطا الله"، "العراف"، وأخيراً "صاحب السعادة"، الذي عرض هذا العام، كرّست بمجموعها اسمه كواحد من نجوم رمضان الأساسيين، ولكنّه تكريس يمضي بقوّة دفع جماهيرية عادل إمام نفسه لا بقيمة ما يقدّمه من أعمال.
كعادته، يقدّم عادل إمام أعمالاً تلفزيونية على مقاسه، تجعله "رامبو" الحكاية، حتى لو غادرت منطقها الدرامي والواقعي، وتعدّت حدود العقل، فيما يقف الممثّلون جميعاً في الصفّ الخلفي يساندون البطل، ويكملون إكسسورات مشهده، إلا أنّ تركيبة البطولة تلك، خانت عادل إمام هذه المرة في "صاحب السعادة"، ورغم اجتهاد كاتب العمل، يوسف معاطي، في تصدير عادل إمام في الخط الرئيسي للحكاية، إلا أنّ كثيراً من أضواء العمل حصدها أبطال الحكايات الفرعية، ولاسيما ثنائي وزير الداخلية فاروق (خالد زكي)- وزوجته اللواء وجيدة (نهال عنبر)، اللذين استأثرا، عبر مفارقات مواقفهما الجديّة، بكوميديا تثير الضحك العفوي، تترك أثراً في عقل المشاهد تتجاوز تأثير النكتة العابرة، وهو ما لم يفعله عادل إمام نفسه وهو بطل العمل، فتعبيراته الحركية، ولاسيما في وجهه باتت مكرّرة يحفظها المشاهد عن ظهر قلب، كذلك أفيهاته.. فيما استنفدت النكتة الجنسية والإيحاء بها، التي اتّكأ عليها منذ أوّل مشاهد العمل أغراضها.
إلى جانب تميّز ثنائي (زكي- عنبر) يبرز إلى حدّ كبير الفنان الشاب "محمد الإمام" بشخصية "سيف"، وقد بدأ يخرج من جلباب أبيه أخيراً، ويؤسّس لنفسه حضوره المختلف، كما يبرز الفنان "أحمد حلاوة" في شخصية رئيس قسم الشرطة بأداء كوميدي يتجاوز حدود مفارقات اللهجة، فيما يقدّم الفنان "إدوارد"، عبر شخصية الشيف الفاشل، مؤشّرات على طاقة تمثيلية تراجيدية لم تستثمر بعد في أدائه.
في كلّ أعمال عادل إمام التي قدمها للتلفزيون، ثمّة مساحة لعب خاصة للممثّلين في الخطوط الدرامية الثانوية، وثمّة مساحة لحضور مختلف لبعضهم، لكنّ "الزعيم" كان دائماً يطلّ ليأخذ دور "القاشوش" في لعبة "الباصرة"، الذي ما إن ينزل على طاولة اللعب، حتى "يقشّ" كلّ الأوراق المفرودة عليها. وهذا ما لم يحدث في مسلسل "صاحب السعادة" فقد سبق السيف العذل وباتت إطلالة الثنائي (زكي- عنبر) تستأثر بأحاديث متابعي المسلسل أكثر من الحديث عن نجمه عادل إمام نفسه.
رتابة أداء إمام تنسحب على مسلسل "صاحب السعادة"، فالأحداث تمضي على نحو أفقيّ، بذرى درامية متواضعة تأتي لخدمة بطل الحكاية، ما إن تصل حالة التأزّم المتواضع حتى تعود لمسارها الرتيب الأفقيّ وتتنحّى جانباً لمصلحة قصّة جديدة تمنح البطل عادل إمام مساحة ظهور إضافية.
"صاحب السعادة" ينطوي أيضاً على إشكالية جديدة وطارئة على تجربة عادل إمام التلفزيونية، وهو مصطلح "الكوميديا العائلية" التي يرى صناع "صاحب السعادة" أن مسلسلهم ينتمي إليها، وهو مصطلح يبدو مثيراً للاستهجان مع جرعة إيحاءات جنسية، بالكلام والصورة، طالعنا بها العمل منذ المشهد الأول، ولاحقاً كشف المسار الدرامي للحكاية أن لا معنى لها، ولا قيمة درامية أكثر من إثارة الضحك المجاني والمبتذل، فهي وأن أوحت في الحلقة الأولى التي ترسم عادة ملامح الشخصيات الشكلانية والنفسية أن بطل المسلسل مهووس جنسياً، إلا أنّ الحلقات التالية كشفت تراجع تلك الصفة حتى كادت تغيب، فما الضرورة الدرامية أن تتصدر جرعة الإيحاء الجنسية في "كوميديا عائلية" أبطالها ثلاثة أجيال، كما هو الحال في "صاحب السعادة".