نتنياهو يستهدف حملة المقاطعة

05 يونيو 2015

ملصقات داعية للمقاطعة في متجر في غزة (2مايو/2015/العربي الجديد)

+ الخط -
يبدو جلياً اليوم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وضع نصب عينيه تقويض حملة المقاطعة للبضائع الإسرائيلية، فهو قال، بعد اجتماعه أخيراً بأعضاء حكومته، إن الحملة لا تستهدف سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين، بل تطال وجود دولة إسرائيل نفسها، واعتبر أن "حملة المقاطعة شبيهة باللاسامية التي اختبرناها خلال تاريخ شعبنا، وهي تعتبر أن اليهود بؤرة كل شر في العالم"، مضيفاً "أنه من الضروري الإدراك أن الحملة تهدف ليس فقط إلى نزع الشرعية عن إسرائيل، بل تطال أيضاً حقنا في أن نعيش هنا في هذه الأرض".

يستهدف هذا الهذيان التحريض ضد الفلسطينيين، وهو بمثابة إهانة واضحة، لا للقائمين على حملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية فحسب، بل أيضاً ليهود إسرائيل، فضلاً عن قطاع كبير من يهود العالم. فهذا "المسؤول الإسرائيلي" فاقد مسؤولية الكلمة، وهو يعتبر أن توصيفه للحملة حقيقة لا شك فيها. لكن، إذا صح قوله، فكيف يمكن أن يشارك فيها قطاعات عديدة من الشباب والشابات في العالم، وخصوصاً الطلاب والطالبات اليهود في جامعاتٍ كثيرة في الولايات المتحدة؟ بناء على ذلك، لا يمكن لأي شخص يتحمل أدنى مسؤولية أن يلجأ إلى مثل هذا الأسلوب من التشويه الصارخ الذي يستهدف حملة توعية بوسائل سلمية، تهدف إلى إقناع الرأي العام الدولي، أولاً، بضرورة رفع الغبن عن الشعب الفلسطيني. وثانياً، التأكيد على عدم شرعية بناء المستوطنات. وثالثاً، ضرورة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

لكن نتنياهو يتعمد تشويه أهداف حملة مقاطعة الاحتلال. فبالنسبة له هي ليست فقط حملة لمقاطعة ما تنتجه وتصدره المستوطنات غير الشرعية، بموجب القانون الدولي وجميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بل تشكل خطراً مصيرياً على دولة إسرائيل، لأنها، في جوهرها، تهدد التمدد الاستيطاني والاستيلاء على القدس الشرقية. لذا، هو يحاول تصوير حملة المقاطعة على أنها مناهضة لليهود ودولة إسرائيل، بينما هي تحاول تقييد سياساته الاستيطانية المغتصبة. كذلك فإن دعوة حركة المقاطعة إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم تشكل، بنظر نتنياهو، تهديداً "ليهودية" دولة إسرائيل. فرهابه من أي شيء فلسطيني ظهر جلياً خلال الانتخابات، حين دعا المستوطنين إلى الهرع إلى صناديق الاقتراع، لمواجهة "جحافل العرب". وقد دان موقفه هذا يهود كثيرون من أنحاء العالم، لا سيما في الولايات المتحدة، الذين رأوا مدى العنصرية في موقفه هذا. وفي هذا الصدد، علقت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، على لسان حنان عشراوي، بأن "أي إنسان عقلاني، يتعامل مع الحقائق بدلاً من هستيريا التخويف، يدرك أننا اعترفنا بإسرائيل، وما نطالب به هو الالتزام بالقانون الدولي".

ولقد تبين، اليوم، أن إسرائيل تتعامل مع واقع جديد، هو أنها أصبحت عرضة للمساءلة والمعارضة، فشراسة مفرداته الاستفزازية تشكل نموذجاً للفاشية الممزوجة بتطرف ديني، قل نظيرهما. وقد تعرفت عن كثب على نهجه الإملائي، والذي يحرص على تصوير كل انتقاد لإسرائيل على أنه موقف لاسامي، وكل تشكيك بسياساتها على أنه تشكيك بشرعيتها، وكل تساؤل على أنه تشكيك بصدقيته. إن جموح نتنياهو وغطرسته وتعنته هي التي باتت اليوم تفضح السياسات العنصرية والتوسعية الإسرائيلية، حيث أصبح العالم يدرك أن هذا الرجل ليس معنياً بالتفاوض أو بالسلام. ولعل ما يلخص حجم المساءلة والانتقاد التي تتعرض لهما إسرائيل في العالم اليوم، قول أحد كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية، يوفيل روتيم، "حربي بدأت في اليوم التالي بعد حرب غزة. أعرف ما عليّ عمله في الأمم المتحدة، أعرف ما علي عمله في جنيف. لكن، اليوم، أصبحت مجبراً على التعامل مع نقابة عمالية في إيرلندا أو كنيسة في بنما... الجميع بات يطرح علامات استفهام حول الأنشطة الإسرائيلية، وبات علي خوض معارك إقناع في ميادين جديدة: أمام النقابات العمالية، وفي الكنائس، وفي الجامعات"!

يا للمفارقة، باتت اليوم إملاءات نتنياهو وغطرسته تسهام في تعاطف العالم مع حقوق الفلسطينيين.