اهتزّت مدينة بن قردان، جنوب تونس، في الليلة الفاصلة بين 30 يونيو/حزيران وأول يوليو/تموز، على فاجعة كبيرة، إثر غرق قارب للهجرة غير النظامية، انطلق من سواحل مدينة صبراطة الليبية، وكان على متنه 26 شاباً، تم إنقاذ 11 منهم، والعثور على ثلاث جثث، في حين لا يزال الباقون في عداد المفقودين.
"لو أتيحت لي فرصة أخرى للهجرة سأفعلها" يقول لزهر الحربي (26 سنة)، أحد الشبان الناجين من غرق القارب في السواحل الليبية، لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن كل الآفاق مسدودة في بن قردان، وقد زادت الحرب في ليبيا الطين بلّة، إذ فقد عمله ويشتغل حاليا عاملاً يومياً في مدينة تكاد تكون التنمية فيها منعدمة تماما".
ولم يخفِ لزهر حماسته في محاولة إعادة الكرَّة مرة أخرى إلى أن "يسهّل ربي"، مضيفاً أنه رغم حزنه على أصدقائه الذين غرقوا، إلا أن هذا لن يثنيه عن محاولة الهجرة إلى أوروبا لتحسين وضعه المادي.
وعن ملابسات الحادثة، يروي أنّهم توجّهوا إلى البحر في حدود الساعة العاشرة ليلاً على متن قارب يقوده مصريان، يعملان لصالح مواطن ليبي، إلا أن حالة الطقس اضطربت فجأة وتغيرت الرياح إلى شمالية، مما تسبب في انقلاب المركب، وغرق العديد منهم ونجاة آخرين، من بينهم الشاب لزهر، الذي تم إنقاذه من قبل صيادين مصريين، برفقة ستة شبان آخرين.
إلى ذلك، يوضح الشاب، أنّ المبلغ الزهيد للرحلة، والذي يبلغ 600 دينار تونسي (قرابة 300 دولار) شجعه على المخاطرة وركوب البحر في ظروف قاسية، لافتاً إلى أن السلطات التونسية لم تحقق معه إلى حد الآن بخصوص الحادثة، متوقعا أن يكون التحقيق بعد العيد.
ويضيف "هذه الحادثة التي ذهب ضحيتها العديد من الشبان، أظهرت أن الحكومة لم تعبأ بمطالبهم، وأن الجهة لم تطاولها بعد عجلة التنمية، مما جعل عددا من الشباب يختارون ركوب البحر هربا من وضع اجتماعي بائس، واللجوء إلى شبكات تهريب المهاجرين عبر الشواطئ الليبية، التي مازالت تنشط في المنطقة على مرأى ومسمع من السلطات المحلية والجهوية. يعد ذلك مؤشرا جديدا على خطورة الوضع الاجتماعي، وحالة الفراغ الأمني على حدودنا مع ليبيا".
لكن من بين ضحايا القارب، شباب حالتهم المادية جيدة، بحسب ما أكده عبدالكبير، على غرار الأخوين شكري وخالد الأبيض، وهما من بين المفقودين، وهذا مؤشر يدل على أن الآفاق أصبحت شبه منعدمة في بن قردان.
ويشير الحقوقي، إلى أنه في الماضي كان الشباب التونسي والأفريقي يهاجرون عبر مدينة زوارة، لكن الوضع الأمني المتردي بها، كأغلب المدن الليبية، جعل الحالمين بأوروبا يجتازون الحدود من مدينة صبراطة. مضيفا أن إغراءات العيش في أوروبا تجعل الشباب التونسي يغامر بحياته، ولا يعبأ بهلاكه في عرض البحر.
إلى ذلك، ندد الحقوقي مصطفى عبدالكبير بعدم تنسيق السلطات التونسية مع نظيرتها الليبية، واستغرب غيابها في معالجة هذه المعضلة.
من جهته، عبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن استغرابه من البطء في رد الفعل من السلطات التونسية لتقديم المعلومات وكشف ملابسات الحادث.
ودعا، في بيان له، إلى تقديم المعلومات سريعا للعائلات حول الضحايا والمفقودين، والإحاطة النفسية والمعنوية بالناجين، وتكثيف جهود السلطات، من أجل تفكيك شبكات التهريب ومحاكمة نشطائها من دون تأجيل أو مماطلة.
كما طالب المنتدى، الحكومة التونسية، بمراجعة مسارات التعاون الجارية مع الاتحاد الأوروبي، والتي تعطي الأولوية للمقاربات الأمنية، وتعتمد سياسات غلق الحدود من أجل الحد من الهجرة غير النظامية، من دون مقاربة تنموية شاملة تستجيب لتطلعات شباب تونس نحو الكرامة والعدالة الاجتماعية.