مينزا تصرخ: رفقاً بالطبيعة

29 مارس 2018
هل من منقذ لها؟ (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

مينزا... قرية صغيرة في أقصى الجنوب الشرقي لولاية النيل الأزرق على الحدود تماماً، بل الحدود هي التي تشطرها إلى نصفين، سوداني وأثيوبي. تسكن هناك قبائل الكدالو، التي يحترف أبناؤها الزراعة التقليدية لسدّ الحاجة، في مساحات صغيرة، كذلك يعتمدون في كسب عيشهم على تربية الحيوان، والصيد، وثمار الأشجار، إذ تغطي المنطقة الغابات الكثيفة.

حركة دائبة، وعبور من هنا إلى هناك مسموح به، فالأمر لا يتعدى التجارة الحدودية التي لا ترقى إلى مصاف التصنيف الجمركي، والعملتان (الجنيه والبر) تتجاوران في أيدي الباعة والمتسوقين، فتبادل المنافع قائم، إذ تنشط عمليات جمع وتجارة العسل والموارد المحلية بين الجانبين.

الصورة تتسق مع ما يحدث بين محميتي الدندر في الجانب السوداني، والعطيش الأثيوبية، إلّا أنّ قانون الحماية هنا ليس مثله هناك، أو أنّ إجراءات تفعيل القوانين هي التي تُحدث الفرق، فالصرامة في العطيش يقابلها استسهال وتراخٍ هدد الدندر ومواردها، وأدركته بعض الحيوانات البرية فآثرت البقاء في الجانب الأثيوبي، بل حتى التي تعبر كما كانت تفعل منذ زمن بعيد سرعان ما تعود خوف المهددات المتزايدة. المساحات الشاسعة هنا تُغري صغار المزارعين والعمال الزراعيين لعبور الحدود، فقد توسعت في السنوات الأخيرة مساحات الزراعة الآلية، ما يهدد الغابات والمراعي، بل المحمية نفسها.

الأزمات بدأت تتفجّر من دون أن يكون لهؤلاء وأولئك أيدٍ فيها، فقد عرفوا ومارسوا التعايش السلمي منذ زمن بعيد، وأبرزت موجات الجفاف والمجاعات في الربع الأخير من القرن الماضي مدى هذه العلاقات ومتانتها لولا تدخلات السياسة.

لم يكن للنهر الكبير (النيل الأزرق) مناص من الانحدار نحو السهول، ليتخذ مساره إلى الشمال بعد أن يتعانق مع الآتي من الجنوب (النيل الأبيض)، إلى حيث المصب. ولم يكن هناك من يمنع السواقي والنواعير، ولا الطلمبات في ما بعد من الغرف لتُروى المزارع على ضفتي المجرى. وهكذا سارت الأمور إلى أن بدأت تدخلات السياسة تطغى على كلّ ما هو طبيعي، بعدما تبرع الآتون من وراء البحار برسم الحدود تقييداً لحركة الإنسان والحيوان، ثم صاغوا الاتفاقات لتقييد حركة المياه بما يسمح بتدخلاتهم لاحقاً. فوقف الإنسان في وجه أخيه الإنسان بإيعاز ممن يطمع بما بين أيدينا، بعدما فكّ ارتباط الأيدي، فبات المتجول عبر الحدود هناك أكثر توجساً.


حتى الآن، لم يرفع الفيل خرطومه محتجاً، ولم تتقاصر قفزات الغزلان هنا وهناك، وما أمسكت الطيور عن التحليق... فهل نرفق نحن بالطبيعة، ونمسك عن استفزاز بعضنا البعض حتى لا ينفجر الوضع؟ فإذا انفجر لن تفرّق النيران بين الغابة والحيوان البري وقرية مينزا بسكانها على الطرفين.

*متخصص في شؤون البيئة
المساهمون