موسيقى "السطمبالي" في تونس... لحن العتق من العبودية(فيديو)

28 ديسمبر 2016
EE8DC137-6969-485E-A536-6B49B5BA7FFE
+ الخط -


لا يعرف كثير من التونسيين موسيقى "السطمبالي"، على الرغم من أن ألحانها عزفت في بلادهم، منذ مئات السنين، وخرجت من رحم "معاناة الزنوج". وتمثل القارة السمراء نقطة انطلاق كثير من الألوان الموسيقية، بينها "الريغي"، التي حطت رحالها بجزر الكاريبي، كما أبحرت موسيقى الجاز، الأفريقية واضعة مرساتها على ضفاف نهر الميسيسيبي في الولايات المتحدة الأميركية.

وحلقت موسيقى البلوز، ذات الأصول الأفريقيّة، لتجد موطناً لها في القارة الأميركية، لكن موسيقى "السطمبالي" بقيت حبيسة تونس، ولم تحظ بفرصة الانطلاق خارج القارة السمراء.

موسيقى السطمبالي، التّي تحاكي تاريخ "زنوج" تونس، تتحدر من ثقافة أفريقية بالأساس، وتجد مرادفاتها في مختلف دول شمالي أفريقيا، فنجد "القناوة" في الجزائر والمغرب، "الدّيوان" في الجزائر، "المكاري" في ليبيا، و"البوري" في موريتانيا.

وعلى الرغم من أنها كانت تقدم إبان حقبة العبودية في تونس، قبل إلغاء الرق في القرن التاسع عشر، لكنها ظلت قائمة. "الأناضول" رافقت آخر فرق "السطمبالي" في تونس ويطلق عليها فرقة "سيدي علي الأسمر"، بحفل موسيقي، في منطقة باب جديد، بقلب العاصمة.

فرشت أرضية بلاط الزاوية بالزّرابي التقليدية المنقوشة، أو كما يسميها التونسيون بـ"المرقوم"، وازدانت الجدران بألحفة وأقمشة مختلفة ألوانها، وتأهبت الفرقة المكونة من 8 أفراد. انطلقت قرقعات "الشقاشق" تلك الصفائح المعدنية، مصدرة أصواتاً شبيهة بالأجراس، توحي للسامع بأنها سلاسل ممزقة وأغلال قد فتحت منادية لعالم الحرية، يصاحبها قرع الطبول لتكتمل الصورة برقصات السطمبالي ذات الخطوات المدروسة.



كما لا تغيب عن الفرقة آلة "القمبري" الوترية والإيقاعية في الآن ذاته، وعادة ما يقوم بالعزف عليها قائد الفرقة الذّي يسمى بـ"اليِنّا"، وهو من يرشد أعضاء فرقته إلى المقامات الصحيحة تجنباً لأي خروج على ألحان السطمبالي.

يقول رياض زاوش، رئيس "جمعية ثقافة فن السطمبالي تونس، سيدي علي الأسمر" (42 عاماً)، إنّ الفن الزنجي أقدم من المالوف التونسي (موسيقى ذات طابع أندلسي). ويوضح أنه إبان العهد الملكي كانت توجد في تونس 6 منازل شهيرة بالتغني بهذا الفن؛ 4 منها في تونس (العاصمة)، وهي: برنو، كوفة، جماعة، وزاوية سيدي علي الأسمر، واثنان في مدينة صفاقس.

زواش، الذّي تربى في حي "باب جديد" العتيق، حفظ أصول موسيقى السطمبالي ومقاماتها منذ أن كان عمره 11 عاماً، ويعتبر أنّ  "فن السطمبالي لم يجد فرصته في تونس، كباقي الفنون والأنماط الموسيقيّة، على عكس فن القناوة في المغرب (والجزائر)، والدّيوان في الجزائر، اللذين يقام لهما مهرجانان دوليان.

ويقول إنّ جمعيتهم حديثة العهد، تأسست عام 2016، وتسعى إلى تنظيم مهرجان خاص بفن السطمبالي، في أغسطس/ آب المقبل، بمدينة غار الملح، بولاية بنزرت، شمال العاصمة، لتميز هذه المنطقة بالحصون التاريخية والفضاءات المفتوحة على البحر، ما يخلق انسجاماً مع ألحان هذا الفن. ولعل شخصيّة "البوسعدّية" من أطرف مكونات عرض السطمبالي، وتجسد خاصة في فضاءات واسعة كالشوارع والمسارح الكبرى لجلب السياح بحركات فلكوريّة.

وبحسب رياض الزاوش فإن الأسطورة الشعبية تقول، إن البوسعدية، هو أحد ملوك مالي، خطف تجار الرقيق ابنته سعدية، من بيتها فتنكر في ملابس غريبة من صوف وأشرطة من الفرو والرّيش والحديد، وغطى وجهه بقناع مكشوف العينين مزدان بأصداف البحر حاملاً بيديه الشقاشق، مردداً هتافات عله يجدها.

وهناك روايات أخرى تقول، إنّ "هذا الملك المالي وصل إلى تونس، التي عُرفت في الماضي بكونها سوقاً لتجارة العبيد، عساه يجدها". 



وعلى الرغم من أن تلك الأغاني تقدم باللغة العربية، لكن قد لا تفهم عند كثير من التونسيين، نتيجة اللهجة الأفريقية المستخدمة، وفق الورغلي. والسطمبالي، بحسب الورغلي: "كلمة قديمة جداً وهي أمازيغية بربرية (السكان الأوائل لتونس)"، ولا يعرف معناها دقة.

"اليّنا"، تطرق أيضاً إلى ما اعتبره تهميشاً لهذا النمط الموسيقي، واعتبر أن الحل لمقاومة اندثاره إقامة مهرجان سنوي يستضيف الفرق من مختلف دول أفريقيا، وتقام فيه عروض القناوة والديوان وغيرها. ودعا إلى ضرورة دعم وزارة الثقافة حتى تنجح هذه التظاهرة وتتواصل، ولم يتسن الحصول على تعليق من وزارة الثقافة بشأن الأمر.

كما طالب كذلك بتدريسه في المعهد العالي للموسيقى، حتى لا يموت هذا الفن، وحتى تتخرج ناشئة توصله إلى مختلف بلدان العالم. منال الصمادحي، شابة قدمت لحضور العرض، تقول للأناضول: "جئت اليوم لاكتشاف السطمبالي، لم أكن أعرفه من قبل". وأضافت: "دفعني الفضول لأتعرف على موسيقى ذات صبغة روحانية، كما أعجبني الإيقاع والتنوع في الآلات المعتمدة".

أما فاطمة بن سعد، وهي في الخمسينات من عمرها، فعبرت عن أملها في أن "لا يندثر هذا النمط الموسيقي، فجميل أن نعود إلى عاداتنا القديمة وثقافتنا وتقاليدنا". وتشير إلى أن نجليها "سالم" و"أنيس"، وهما في العشرينات، تعلما أصول السطمبالي ومقاماته منذ الصغر، وأصبحا ضمن فرقة "سيدي علي الأسمر".

وتشير دراسات موسيقية تونسية إلى أن السطمبالي، كان سبباً في بروز مقام موسيقي تونسي يدعى "طبع الرصد عبيدي 9"، في إحالة للفظة العبوديّة، وهو ما أكده لنا "الينّا" صالح الورغلي. جدير بالذّكر أنّ تونس عرفت بمكان لتجارة الرقيق طوال قرون طويلة، قبل أن يتم تحرير "العبيد الأفارقة"، بموجب "قانون إلغاء الرق" الصادر في عهد حاكم تونس أحمد باي عام 1846.

(الأناضول)

ذات صلة

الصورة
عيد التحرر من العبودية بأميركا

منوعات

شهدت احتفالات ذكرى التحرر من العبودية في الولايات المتحدة الهتاف والغناء من أجل تحرير فلسطين، وذلك في الفعالية التي أقيمت في واشنطن.
الصورة

سياسة

تقدّم ملك هولندا فيليم ألكسندر، اليوم السبت، بالاعتذار رسمياً عن ممارسة بلاده العبودية خلال الحقبة الاستعمارية، وذلك في الذكرى السنوية الـ150 لتحرير العبيد في المستعمرات السابقة.
الصورة
Naseer Shamma

رياضة

أكد الموسيقار العراقي، نصير شمة، في حديثه مع "العربي الجديد، على رغبته برؤية منتخب "أسود الرافدين" في المونديال القادم، مشيداً بما فعلته قطر، التي تستعد لاستضافة بطولة كأس العالم 2022، التي تنطلق في العشرين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.

الصورة

منوعات

يمثّل حفل الافتتاح لبطولة نهائيات كأس العالم لكرة القدم، مدخلاً موجزاً يعبّر عن تظاهرة كُبرى، غاية المشاركين فيها تحقيق مجد عالمي، عبر التتويج ورفع الكأس الذهبية عالياً. مجدٌ آخر يناله البلد المستضيف للبطولة، يعبّر عنه بطرق شتى.
المساهمون