يبدو أن خفوت الحراك الفني وتوقف المهرجانات لسبب أو لآخر في فصلي الشتاء والخريف، يجعل بعض الكتاب والفنانين يسنّون أقلامهم في اتجاه كتابة أو إطلاق تصريحات ما، تحرك المياه الراكدة في المستنقع الفني.
ولأن نهايات فصل الخريف وبدايات فصل الشتاء في كل عام، تبدو رومانسية أكثر، قلما تجد في هذا التوقيت السنوي من أحد لا "يتعربش" ساق الشجرة ليصل إلى قمتها،
في محاولة للظهور أمام الجمهور المتعطش لإنتاجات الشجرة الباسقة، ومحاولة لفت النظر "خصوصاً إن كان صحافياً أو ناقداً"، وإما إن كان فناناً بات يخفت نجمه، وما من وسيلة لإبقائه أشهراً إضافية في دائرة الضوء سوى التهجم على زميله، لتبدأ المناوشات بينه وبين جمهور الطرف الآخر.
وعليه... لا أعرف سبباً محدداً لغاية الآن يدفع مجموعة من نجوم الغناء العربي إلى التطاول على زملائهم الفنانين بشكل دوري ومستمر، حتى أن بعضهم لا يكتفي بالتلميح متجاوزاً ذلك إلى التصريح بالقدح والذم ضد زميله الفنان المنافس بمناسبة ومن دون مناسبة، وسرعان ما تهدأ الأمور عندما يسارع الفنان إلى نفي ما قيل متهماً الإعلاميين في "أغلب الأحيان" ثمّ الجمهور بسوء تفسير قصده.
والمثير في الموضوع، أننا تعودنا أن يهاجم فنانّ ناشئ فناناً كبيراً، كي يحظى بتسليط الضوء الإعلامي عليه ليشتهر، لكن ما يحدث حالياً، أن هناك تنافساً كبيراً بين أصحاب التجارب المكرسة فنياً على الهجوم على بعضهم بعضاً سواء بالتلميح أو بالتصريح، ولكن من دون معرفة الأسباب والمسببات.
أما المسلسل الذي يتجدد كل موسم، هو ظهور ناقد صحافي، يصحو فجأة من سباته ليطلق تصريحاً هنا أو هناك، في اتجاه أحد نجوم الساحة الغنائية، وهدف الناقد منه "تصويب الأخطاء التي تشوب مسيرة الفنان لا أكثر"، مذيلاً مقاله الذي يبحث فيه عن الشهرة في ثنايا السطور التي خطها بعبارة "والله من وراء القصد".
ما سبق يقودنا مباشرة إلى الفنان كاظم الساهر: الذي بات هدفاً للهجوم الأمثل خلال الفترة الماضية، إذ يمكن ببساطة خلال العامين الماضيين، إحصاء مجموعة كبيرة من التصريحات الصحافية اللاذعة التي انتقدته "فنياً وشخصياً" والتي تزيد في مجملها عن خمسة أو ستة تصريحات مباشرة، اكتفى معها الساهر "كالعادة" بالصمت، وتولى عنه جمهوره "كالعادة" الدفاع عن فنانهم المفضل.
يبدو أن موسم الهجوم على كاظم الساهر يتجدد حالياً، الأمس مثلاً، تناقلت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مقالاً لكاتب عراقي مغمور عربياً، يتهم فيه الساهر بالجحود اتجاه أبناء بلده العراق، ويطالبه بموقف يشابه موقف الفنان المصري، أحمد حلمي، في أولى حلقات برنامج "أربز غوت تالينت" عندما ترحم على الشهداء الذين يسقطون في مصر يومياً، بل وزاد على ذلك بمطالبة الساهر زيارة العراق، مستنكراً عليه الزيارة التي قام بها قبل عدة سنوات مع وفد يونيسيف.
كاتب المقال، الذي لم ينس أن يؤكد أن الساهر آزره إبان محنة مرضه قبل عدة سنوات، رمى مكرمة الساهر وراء ظهره، وسن سكينه وبدأ التشهير بثالث الأنهار العراقية بعد دجلة والفرات، متناسياً أن الأوضاع الأمنية في العراق لا تسمح لأحد أن يمشي مطمئناً على حياته، وهذا ما أكده أكثر من إعلامي عراقي يلتقيهم أهل الإعلام العرب في أكثر من عاصمة عربية، كما تناسى أن الساهر طيلة مشواره الفني، لم يبخل على وطنه بعائدات بعض الحفلات التي أحياها، فضلاً عن توجيهه مجموعة مهمة من الأغنيات إلى جمهوره العراقي وموقع يوتيوب أهم من يحصي هذه الأغنيات.
من ينسى أن أغنية "تذكر.. كلما صليت ليلاً، ملايين تلوك الصخر خبزاً"، جعلت الشيخ الراحل، زايد آل نهيان، يسير سفناً محملة بالأغذية والأدوية للأطفال العراقيين المحاصرين في عام 1997.
الجميع يعلم بأن كاظم الساهر سيصبح صيداً سهلاً إن دخل العراق زائراً وسيتم اعتقاله أو اغتياله، من الجماعات الإرهابية أو التكفيرية هناك، فهو بمثابة "كنز ثمين" لمثل الذين يطالبون "بفدية" مقابل أي شخصية مشهورة، وأكثر من يعلم بذلك، هو كاتب المقال المذكور أعلاه، فهل سياسيو بلده، يجرأون أن يشموا الهواء في شوارع العاصمة العراقية بغداد، حتى تتطلب من فنان بحجم الساهر؛ أن يحيي حفلاً هناك أو أن يلتقي جمهوره. أيضاً... هل سيتكفل كاتب المقال وأمثاله رواتب مئات العائلات الفقيرة التي تنتظر من كاظم راتباً آخر كل شهر؟ أو هل سيتكلف من هم بتفكيره علاج الحالات المرضية الكثيرة التي يعالجها كاظم ولا يخبر أحداً عنها؟
ما يثير التساؤل ختاماً... هل أصبح كاظم الساهر..."الجدار الأسهل" كي يقتص منه زملاؤه وغيرهم، بمناسبة أو من دونها، متأكدين أنه لم ولن يرد.