تتطلع موريتانيا إلى استغلال الثروة الغازية المكتشفة في المحيط الأطلسي لإنعاش اقتصادها وإخراج البلاد من براثن الفقر والحاجة، خاصة مع إعلان الشركات العاملة في مجال التنقيب عن اكتشاف كميات كبيرة، بينما تسعى شركات عملاقة للعمل في الساحل الموريتاني.
وتبلغ حصة موريتانيا من حقل الغاز "السلحفاة احميم" المشترك مع جارتها الجنوبية السنغال، نحو مليار دولار سنوياً من عائدات إنتاج المرحلة الأولى، مما يعني زيارة إيرادات البلاد بنحو 20 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي.
وحسب أرقام وزارة الطاقة والنفط، فإن إنتاج الحقل في المرحلة الأولى سيصل إلى 2.5 مليون طن سنوياً، وسترفع في المرحلتين المقبلتين ليصل إلى 10 ملايين طن سنوياً خلال مدة المشروع التي تبلغ 30 عاماً.
يأمل الموريتانيون أن تساهم الاكتشافات في إحداث تحوّل اقتصادي، إلا أن عددا من المراقبين يخشون تبديد العائدات، على اعتبار أن موريتانيا كانت تملك عدة فرص للإقلاع الاقتصادي بوجود ثروات طبيعية مهمة كالنفط والحديد والثروة السمكية والذهب، لكن هذه الثروات لم تستغل كما يجب وضاع مخزونها بسبب النهب والفساد المالي.
ويطرح سوء استغلال الثروات الطبيعية في موريتانيا أسئلة حول مدى أهمية اكتشاف ثروات جديدة في ظل انتشار الفساد وسوء التسيير ومدى استفادة القطاع الاقتصادي، خاصة من عائدات الغاز في ظل وجود أنظمة لا تستغل عائدات الثروات الطبيعية لتحقيق نهضة اقتصادية حقيقية.
يقول الباحث الاقتصادي الشيخ ولد ادومو، لـ"العربي الجديد": "المشكلة في موريتانيا لا تكمن في قلة الثروات الطبيعية أو جودتها، بل في حسن استغلالها، فبسبب الفساد المستشري في البلاد لم يستفد البلد من الحديد الذي يبلغ إنتاجه 13 مليون طن سنويا، ومن الثروة السمكية حيث يعد الساحل الموريتاني من أغنى سواحل العالم، كما لم تستفد من الذهب ولا من النفط، رغم أن تعداد سكان البلاد لا يتجاوز 4.5 ملايين نسمة".
ويضيف أن "طريقة تسيير الثروات الطبيعية هي المفصل في مدى استفادة البلاد منها، فإذا التزم الرئيس الجديد محمد ولد الغزواني بمبدأ الشفافية والحكامة الرشيدة وحسن التيسير، فإن أي ثروة مكتشفة سيكون لها أثر إيجابي على الاقتصاد وعلى البلاد ككل".
ويأمل ولد ادومو ألا يكون مصير الغاز مشابها لمصير الثروات السابقة، قائلا "هذه الثروة قد تتبخر وتذهب أدراج الرياح إذا استمرت سياسة النهب والفساد المالي، في بلد تعيش نسبة كبيرة من سكانه تحت خط الفقر، وجميع المؤشرات تؤكد أن هذه الموارد قادرة على أن تجعل موريتانيا من أغنى دول المنطقة، لو سيرت بشكل شفاف اعتبارا لقلة سكان البلد".
ورغم أجواء التشاؤم التي تطبع مرحلة قرب استغلال الغاز، إلا أن الموريتانيين يتطلعون لبدء إنتاجه، آملين أن تؤثر مداخيله تأثيرا إيجابيا على اقتصاد البلاد، خاصة أن التوقعات الجديدة لشركات التنقيب تؤكد أن هناك كميات كبيرة من الغاز تصل إلى 50 تريليون قدم مكعب في المياه الإقليمية لموريتانيا.
ووقّعت موريتانيا مع جارتها الجنوبية السنغال مؤخرا اتفاقية تسويق المرحلة الأولى من حقل الغاز المشترك بين البلدين "السلحفاة احميم"، الذي تقدر احتياطاته بـ 25 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي عالي الجودة. وتم اكتشاف الحقل من قبل شركة "كوسموس انرجي" الأميركية عام 2015، وهو الأكبر في غرب أفريقيا، وبلغت نسبة إنجاز أعمال تطوير الحقل، حسب الحكومة الموريتانية، 25 في المائة حتى ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويقول عالي ولد باب أمين، خبير الطاقة الموريتاني، إن "الحقل في منطقة تتوفر على ميزات عديدة تجعلها مفضَّلة للمنتجين، منها أنها قريبة من الشاطئ وقريبة أيضا من أوروبا وأميركا. كما أن هناك سهولة في استخراج الغاز، وبالتالي رُخص تكلفة الإنتاج إضافة إلى الجودة".
ويشير إلى أن للمشروع فوائد اقتصادية كثيرة، منها توفير آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، إضافة إلى إنتاج الكهرباء من الغاز الطبيعي واستغلالها في المجال الصناعي، وتنفيذ مشاريع اجتماعية التزمت بها شركة كوزموس إنرجي في مجالي التعليم والصحة.
ويؤكد أن من فوائده أيضا تحسين مناخ الأعمال والاستثمار في موريتانيا وتعزيز مكانة البلد كقطب اقتصادي فاعل في منطقة غرب أفريقيا. وتمتلك شركة "بريتش بتروليوم" البريطانية الحصة الرئيسية في الحقل بنسبة 62 في المائة، بعد أن وقّعت عقد شراكة مع "كوزموس إنرجي" الأميركية.
وواصلت شركتا "كوسموس" و"بريتيش بتروليوم" أعمال الحفر والتنقيب عن الغاز الطبيعي في الساحل الموريتاني، وتوصلتا إلى اكتشافات جديدة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في منطقة قبالة الشواطئ الموريتانية تعرف باسم "بئر الله". وقالت الشركتان إن هذا الاكتشاف من أكبر الاكتشافات الغازية لهما العام الماضي، وأنهما ستواصلان أعمال التنقيب داخل المياه الإقليمية الموريتانية السنغالية.