موريتانيات مهجورات

03 ابريل 2015
المجتمع يحمّل المرأة مسؤولية غياب الزوج (فرانس برس)
+ الخط -

في موريتانيا نساء "معلّقات" هجرهن أزواجهن، ولم ينلن الطلاق لأسباب عديدة. مثل هؤلاء يعشن في ظروف صعبة تزداد صعوبة بوجود أبناء معهن يعيشون بدورهم مأساة غياب الأب ومعاناة الأم.
من جهتها، تقول فاطمة بنت الطالب (43 عاما، ربة بيت) إنّها عانت كثيرا من هجر زوجها الذي تركها وتخلى عن أداء واجباته، وأهمل رعاية أطفاله، ولم يحسم العلاقة الزوجية بينهما بعد. وتضيف: "هجرني قبل 3 سنوات، بسبب مشاكل عائلية، وانقطع الاتصال بيننا، رغم أننا نعيش في المدينة نفسها".

وقادت فاطمة رحلة للبحث عن زوجها، ظناً منها أنّ مكروهاً لحق به، إلى أنّ تأكدت أنّه هجرها متعمداً، فبدأت ملاحقته للحصول على الطلاق. لكنّ الزوج ما زال يتهرب، رافضاً ذلك.
وتتابع فاطمة أنّ "وضع المرأة المهجورة مرتبك في مواجهة مجتمع لا يرحم، ويحمّل المرأة مسؤولية غياب الزوج". وتضيف: "أواجه صعوبات في استصدار الأوراق، وإنهاء المعاملات التي تحتاج موافقة الزوج أو ثبوت الطلاق والسفر بالطفلتين، وتأمين تكاليف المعيشة". مع العلم أنّ النساء المهجورات لا يحق لهن التصرف بممتلكات الأبناء إلا بموافقة عائلة الزوج.
بدورهم، يعتبر الباحثون أنّ الهجر والإهمال يمثلان أكبر عقاب للمرأة الموريتانية، وهما أشد وقعاً على المرأة من الطلاق.

ويترك بعض الأزواج زوجاتهم معلقات عقابا لهن، أو بسبب ظروف مرتبطة بالهجرة إلى الدول الأفريقية. ويرى الباحث الاجتماعي أحمدو ولد الزين في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ "ظاهرة هجر الزوجات تهدد كيانات الأسر، وترفع نسبة المعيلات إلى مستويات قياسية، وتحبط عزيمة المقبلات على الزواج، فالهجر يصبح الهاجس الأول لديهن".
وعن أسباب الظاهرة، يقول الباحث: "تنتشر بسبب عدم الإحساس بالمسؤولية، وسهولة الزواج، وانتشار العقد العرفي الذي لا يعني أنّ الزواج غير معترف به اجتماعياً كما في دول أخرى. فالعقد العرفي في موريتانيا يتم بحضور عالم دين وعائلتي الزوجين، لكنه لا يتضمن شروطا تضمن حق الزوجة، كما في العقد الرسمي".

ويضيف: "كما أنّ تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية يجعل استمرار الحياة الزوجية أمرا مستحيلاً يدفع بعض الرجال إلى الهجرة للخارج، وتحديداً إلى الدول الأفريقية، وترك الزوجة عند أهلها ترشيدا للمصاريف. وهو ما يشكل بداية تملص الزوج من مسؤولياته تجاهها وهجرها".
ويشير ولد الزين إلى ناحية أخرى للهجر "فبعض الأزواج يهجرون زوجاتهم كنوع من العقاب، ويرفضون تطليقهن أو العودة إليهن، ويستغلون ضعف القوانين وسلبية المجتمع وتحكم العرف، لإطالة مدة الهجر وتحطيم نفسية الزوجة".
ويدعو الباحث إلى تحديث قوانين الأحوال الشخصية، وسن عقوبات مالية على الأزواج هاجري زوجاتهم، للحد من انتشار هذه المعاملة بين الموريتانيين.

أما من الجهة القانونية، فيقول المحامي إبراهيم ولد محمد الحافظ لـ"العربي الجديد" إنّ القوانين الحالية لا تعالج هذه الظاهرة التي تشهد انتشارا، وتولّد مشاكل أسرية واجتماعية عديدة.
ومن واقع تجربته يقول: "أحياناً يكون الهجر على مراحل، تبدأ بهجر البيت والبقاء على اتصال بالأسرة، وتنتهي باختفاء الزوج ورفضه التواصل مع أسرته. وأحياناً أخرى يكون الهجر نهائيا، لمعاقبة الزوجة، أو للزواج من أخرى".
ويضيف أنّ "الاستهتار بواجبات بيت الزوجية وترك الزوجة من دون طلاق ولا نفقة كريمة، كنوع من الانتقام منها، وللتعبير عن اللامبالاة تجاهها، سلوك سيئ بات الأزواج يلجأون إليه، ما يرفع أعداد المهجورات في السنوات الأخيرة".

ويؤكد ولد محمد أنّ العرف الاجتماعي الذي يعيب على المرأة المطالبة بحقوقها ومقاضاة الزوج يساهم بدوره في انتشار الظاهرة. ويعتبر أنّ سن قوانين جديدة تواكب مشاكل الأسرة كفيل بالحد من الظاهرة.
المساهمون