موجة شبابية في الحياة السياسية التونسية... هل يتنحّى "الشيوخ"؟

16 اغسطس 2016
يكرّس تعيين الشاهد زحفاً شبابياً للمراكز الرئيسية (العربي الجديد)
+ الخط -
تبدو الصورة العامة للمشهد السياسي التونسي مقترنة بسيطرة الشيوخ و"بارونات السياسة"، واحتكارهم الصف الأول في تحديد القرار الفاصل، غير أن الحقيقة قد تكون مخالفة لهذا الانطباع السائد، أو لعلها متجهة نحو التغيير تدريجياً، والذي بدأت ملامحه تظهر في الفترة الأخيرة. ويكفي التمعن في الحركة الداخلية التي تشهدها الأحزاب التونسية لملاحظة هذه التغيرات التي تهيئ لصعود جيل جديد من الساسة، بدأ يزحف نحو مواقع القرار، على الرغم من أنه يشارك في رسم بعض تفاصيله في المواقع الثانوية منذ فترة. لكن شيئاً ما بصدد الحدوث داخل المؤسسات الحزبية والمجتمعية والإدارية يمهد بالفعل لتغييرات جوهرية في المشهد التونسي، إذا ما نجح هذا الجيل في إثبات جدارته أولاً، وإقناع "الشيوخ" بأهليته للحكم.

ويبقى السؤال عما إذا كان هؤلاء الشيوخ سيفسحون الطريق أمام أبنائهم وتلاميذهم، ويقبلون بالتنحي، ولو تدريجياً، عن مراكزهم المتقدمة في صناعة القرار الوطني، إذ تكفي إطلالة سريعة على الوضع الحالي لتتبيّن سيطرتهم المطلقة على المشهد. فالباجي قائد السبسي على رأس الجمهورية، والحبيب الصيد على رأس الحكومة التي غادرها أخيراً، وراشد الغنوشي في رئاسة حركة النهضة، وعصام الشابي في زعامة الحزب الجمهوري (قبل أن يغادر منذ أشهر)، وحمّة الهمامي يقود الجبهة الشعبية اليسارية، ومنصف المرزوقي في قيادة حراك تونس الإرادة (وإن كان يصغرهم بسنوات)، والقائمة طويلة في هذا المجال من دون اعتبار الكوادر العليا في الدولة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن متغيرات مهمة طرأت في الآونة الأخيرة على رأس هذه الأحزاب، دفعت الشباب السياسي إلى الانتفاضة، والاقتناع بجدارته، ليقفز إلى مقدمة المؤسسات الفاعلة في الدولة، بدءاً بتعيين يوسف الشاهد على رأس الحكومة الجديدة، وهو في بداية عقده الرابع.

بالإضافة إلى الشاهد، أحدث انتخاب زياد العذاري أميناً عاماً جديداً لحركة النهضة، مفعول الصدمة الإيجابية، فهو من مواليد مارس/آذار 1975 في سوسة. شغل خطة المتحدث الرسم باسم حركة النهضة، وغيّر صورتها الاتصالية في فترة حرجة من تاريخها. انتخب نائبا عن الحركة في المجلس الوطني التأسيسي، وتولى حقيبة وزارة التكوين المهني والتشغيل في حكومتَي الحبيب الصيد الأولى والثانية. حصل العذاري على أربع شهادات في الدراسات "مرحلة ثالثة" من جامعة السربون ومعهد الدراسات السياسية في باريس. هو عضو مؤسس لرابطة حقوق الإنسان في جامعة السربون، وعضو بمنظمة الشفافية الدولية في فرنسا.

أمّا سمير ديلو، مواليد عام 1966 في تونس، فهو محامٍ وعضو بالمكتب التنفيذي لحركة النهضة. شغل خطة المتحدث الرسمي باسم الحكومة، ووزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية في حكومة حمادي الجبالي. كان مناضلاً معروفاً قبل الثورة، وتم إيقافه ومنعه من جميع المدارس العمومية بسبب مشاركته في أحداث الخبز الشهيرة، كما تمت إدانته عام 1991 وحبسه لأكثر من 10 سنوات. انتخب في المجلس التأسيسي للحركة، وهو من القيادات المهمة في النهضة، وقام بدور مؤثر في مؤتمرها الأخير، وقد يكون مرشحاً لحقيبة وزارية في حكومة الشاهد.






في الواقع، إن القيادات الشابة في "النهضة" كثيرة، لعلّ أبرزها؛ لطفي زيتون، مواليد 1964، المستشار السياسي للغنوشي، ويقود تيار التجديد والتحديث في النهضة، وهو الذي دفع بشكل واضح نحو الفصل بين الدعوي والسياسي. هو إعلامي وباحث متخصص في السياسة والتاريخ، فضلاً عن عبد اللطيف المكي، وزير الصحة الأسبق، وهو أحد قيادات التيار المعارض في الحركة.

ومن بين الأسماء التي لفتت الانتباه بعد الثورة، ياسين إبراهيم، زعيم حزب آفاق تونس الليبرالي، من مواليد عام 1966. هو رجل أعمال كُلّف بحقيبة للنقل والتجهيز مباشرة بعد الثورة في حكومة محمد الغنوشي، ويشغل منصب وزير التنمية في الحكومة الحالية. ويبدو أنه سيتفرغ نهائياً للحزب وسيغادر الحكومة بعد قرار مكتبه السياسي، أول من أمس الثلاثاء، لأسباب عدة. وفي الحزب ذاته، يشغل وليد صفر، مواليد عام 1974، خطة المتحدث الرسمي وعضو المكتب السياسي.

أمّا النائب إياد الدهماني، مواليد 1977، أصبح عضواً في المجلس الوطني التأسيسي عن الحزب الجمهوري، ويشغل ذات الخطة اليوم بمجلس نواب الشعب، ويترأس لجنة المالية، ويُتداول اسمه في حكومة الشاهد الجديدة كالنائب مهدي بن غربية، مواليد عام 1973، الذي بدأ حياته النضالية مع حركة النهضة، وحكم عليه بالسجن لمدة 7 سنوات، بالإضافة إلى 5 سنوات من الرقابة الإدارية بسبب الانتماء لحزب سياسي غير مرخّص له. غادر بن غريبة الحركة، وتم انتخابه عضواً في المجلس الوطني التأسيسي عن الحزب الديمقراطي التقدمي، ليكون بعد ذلك من المؤسسين للتحالف الديمقراطي، وهو رئيس لناد رياضي عريق، ومرشح بقوة في حكومة الشاهد.

وفي المشهد ذاته، أصبح سليم الرياحي، رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر، رقماً مهماً في الساحة التونسية. هو رجل أعمال ثري، ورئيس النادي الأفريقي (أعرق الأندية الرياضية في تونس). عاش الرياحي، مواليد عام 1972، في ليبيا إثر انتقال والده إليها عام 1980 بعد طرده من وزارة العدل التونسية. يستثمر الرياحي أمواله في قطاعات النفط والطاقة والطيران والعقارات، وأصبح واحداً من صناع القرار في تونس.







وفي الحزب ذاته، برز اسم محسن حسن، مواليد 1970، الأستاذ الجامعي والخبير والمستشار لدى منظمات دولية عدة. حاصل على شهادات عدة في القطاعات المالية والاقتصادية. انتخب نائباً في مجلس نواب الشعب، ويشغل حسن منصب وزير التجارة في الحكومة الحالية.

وبالقرب من الرئيس السبسي، يشغل سليم العزابي، مواليد 1978، منصب مدير الديوان الرئاسي، حاصل على شهادة تخصّص في المالية من المدرسة العليا للتجارة في باريس. التحق بحزب نداء تونس عام 2013، وشغل خطة المنسق التنفيذي للحملة الانتخابية للباجي قائد السبسي ومساعداً لرئيس الحملة محسن مرزوق آنذاك.

ومرزوق بدوره، 50 عاماً، شغل مهمة الوزير المستشار السياسي لدى السبسي، قبل أن يغادرها إلى "نداء تونس" ثم ينفصل عنه لتأسيس حزبه الجديد حركة مشروع تونس. هو حقوقي وجامعي حصل على شهادة الإجازة في علم الاجتماع والبحث المعمّق في الاختصاص ذاته. كان مرزوق قيادياً يسارياً في الجامعة، في أوج الصراع الطلابي بين اليساريين والإسلاميين. تولى مسؤوليات القيادة في مؤسسات خارج تونس من بينها خطة منسق تنفيذي عام لمركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية، و"فريدوم هاوس" الأميركية.

ومن بين منافسي السبسي في الانتخابات الرئاسية، منصف المرزوقي، الذي اعتمد أيضاً على كفاءة شابة، هو عدنان منصر، مواليد 1966، مؤرخ وأستاذ محاضر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في سوسة، ورئيس حملة المرزوقي الرئاسية ومدير ديوانه الرئاسي السابق. يشغل منصر، حالياً، منصب الأمين العام لحراك تونس الإرادة، وهو من الأصوات السياسية العالية في البلاد.

ووفقاً لمراقبين، فإن معظم الأحزاب التي يتزعمها شيوخ، أو أشخاص تجاوزوا الستين من عمرهم، أصبح يعوّل على أصوات شابة تدير أحزابها أو تتحدث باسمها، وهي، في الغالب، من تضع سياسات الحزب وتقوم بتنفيذها. وأصبحت هذه الأصوات اليوم أرقاماً مهمة في الساحة السياسية التونسية، وبدأت تتقدم نحو مراكز القرار الأولى، مغادرة الصف الثاني أو مكان الظل. وإذا لم يتح لهم الجيل الأول هذه الفرصة، بحسب المراقبين أنفسهم، فإنّ إحباطهم سيضيع فرصة ضخ دماء جديدة في البلاد.