مواطن وموظف وحرامي

03 ابريل 2016
بين هؤلاء وهؤلاء يقف المواطن متفرجاً (Getty)
+ الخط -
السيدات والسادة
لا يجب أن ينسيكم المسدس الموجه إلى صدوركم من قبل رجل الأمن في مصر (المخبر/ أمين الشرطة/ ضابط الجيش أو الشرطة) أن هذا الشخص هو آخر طابور طويل من المستفيدين من بقاء النظام السياسي الحالي في مصر بدون تغير حقيقي وجذري في طبيعته وشكله، وأن رجل الأمن يكون بذلك ممثلاً لقمة جبل الجليد الذي يختفي أغلبه أسفل الماء دون أن نراه.


كان هذا الموجز وإليكم الأنباء بالتفصيل
لثلاث مرات في التاريخ على الأقل كان يمكن لرجال الأعمال والصناعة والتجار أن يكون لهم دور إيجابي في تشكيل مستقبل مصر..

المرة الأولى أثناء فترة الحملة الفرنسية، حيث كان للتجار والصناع دور كبير في مقاومة الحملة الفرنسية، وقيامهم بدور وطني مشهود كان محل تقدير لدى قطاعات واسعة من الشعب، لكن هذه المرحلة انتهت بمجيء محمد علي الذي قضى على هذه الطبقة الوطنية التي تشكلت أثناء الحملة الفرنسية بمن فيهم رجال الصناعة والتجارة والأعمال، في سبيل بناء دولة تخدم أهدافه الشخصية لا أهداف شعبه.

المرة الثانية كانت بعد الحرب العالمية الأولى عندما زاد نشاط الصناعة والتجارة المصرية الوطنية في مقابل الاحتلال الإنجليزي، وأنتجت هذه الطبقة نماذج مثل طلعت حرب الذي كان مثالاً لطبقة تسعى لتأسيس استقلاليتها بعيداً عن السلطة وتدافع عن مصالحها الوطنية دون انحياز لا للإنجليز المستعمرين ولا لطبقة القصر الحاكمة، وكان يمكن لها أن تملك إرادتها وتصنع قرارها لولا مجيء عبد الناصر ليقضي عليها في سبيل بناء دولته التي تخدم عسكره، ويقوم بتنمية تابعة لسلطة الدولة وإدارتها ولا تخرج عن فلكها ولا مصالحها، فأنتج طبقات جديدة تابعة لا قائدة.

أما المرة الثالثة فكان دورهم مختلفاً، فمع صعود جمال مبارك في بداية الألفية صعدت معه طبقة كبار رجال الأعمال بشكل ملحوظ، لكنها في هذا الصعود كان ينظر إليها بكثير من الشك والريبة على عكس المرات السابقة ولم تنقطع التعليقات التي تصفهم بأنهم "حرامية"، صاحبت ذلك الصعود إصلاحات اقتصادية واسعة من أجل فتح السوق المصري لرجال الأعمال، وتنظيم قوانين وقواعد تسهل عملهم داخل الاقتصاد مثل إصلاح قانون الضرائب على سبيل المثال وغيرها من الإجراءات التي ساعدت على تسريع وتيرة النمو والناتج القومي لكنها كانت تزيد في نفس الوقت من تسارع معدلات الفقر وعدم المساواة، ولم يستفد المواطن كثيراً من هذه النمو الذي كان لصالح فئة ضيقة، ولما تسارعت وتيرة النمو جاءت الحكومة التي كان أغلبها من رجال الأعمال لتدير بنفسها البلد (السلطة التنفيذية)، ودخل قطاع منهم مجلس الشعب (السلطة التشريعية) وكأن طبقة كبار رجال الأعمال (الرأسماليين) قد أحكموا السيطرة على حكم مصر، لكن هذا في الحقيقة لم يتم بدون دعم من البيروقراطية المصرية وموظفيها، وهذه طبقة أخرى يجب أن نسلط عليها الضوء.

حتى حكم المماليك، كان من "يحكم" مصر هو الذي "يديرها "، وهو الذي يملك، إلى حد كبير، السلطة والثروة: وهم المماليك، لكن محمد علي كان أول من أنشأ الجهاز الإداري للدولة المصرية من المصريين ليفصل بذلك، لأول مرة، بين أهل الإدارة وأهل الحكم في مصر، لم يكن نفوذ الطبقة الجديدة من الموظفين كبيراً لكن مع الوقت تنامى نفوذهم وأصبح العمل في سلك الدولة البيروقراطي مصاحباً لزيادة في النفوذ والثروة.

ارتفعت وتيرة النفوذ والثروة مع قدوم الاحتلال الإنجليزي، وارتفع أكثر مع مشروع عبد الناصر الذي أدخل عدداً كبيراً من الموظفين في سلك الدولة، ثم تبعه في نفس النهج السادات، وإلى ما بعد ثورة 25 يناير كانت هناك أعداد متزايدة تنضم إلى الجهاز البيروقراطي لكن في نفس الوقت، وللمفارقة، كانت كفاءة هذا الجهاز تقل!.

موظف الدولة بداية من آخر السلم الوظيفي إلى أعلاه حيث الوزراء ورئيس الوزراء كان يتغاضى عن المقابل المادي الضعيف جداً الذي يحصل عليه كراتب من الدولة في مقابل معرفته أنه قادر على استخدام موقعه داخل الجهاز البيروقراطي للدولة من أجل الحصول على النفوذ الذي يحفظ له مصالحه ويكسبه مكانة اجتماعية مرموقة، أو للحصول على الثروة والمال سواء بطرق قانونية أو غير قانونية، وبذلك تحول جهاز الدولة الإداري البيروقراطي إلى أحد مصادر القوة، لكن الموظفين كانوا بحاجة إلى كبار رجال الأعمال حتى يحصلوا منهم على الثروة، وكان رجال الأعمال في حاجة للموظفين حتى ينهوا مصالحهم الاقتصادية، وانتهى بنا المطاف في آخر عشر سنوات في حكم مبارك إلى تحالف قوي ومتين، بين كبار رجال الأعمال (الرأسماليين) وبين كبار رجال الإدراة (البيروقراطيين)، تبادل فيه الطرفان المواقع في رأس السلطة، فكان هناك بعض رجال الأعمال وزراء، وانتقل كبار رجال البيروقراطية إلى البيزنس والاقتصاد، وكان يحمي هذا التحالف الداخلية صاحبة العصا الغليظة، وتم التقليل من دور الجيش الذي كانت له مشاريع اقتصادية (وبهذا يشبه طبقة رجال الأعمال)، وله رجال جيش سابقون في الجهاز البيروقراطي للدولة (وبذلك يشبه البيروقراطيين)، وبين هؤلاء وهؤلاء يقف المواطن متفرجاً!

جاءت ثورة يناير، سقطت الداخلية ونزل الجيش لحماية الدولة والبحث أيضاً عن مصالحه التي ضاعت ودوره الذي تقلص، وبعد انقلاب 3 يوليو/ تموز أصبح الطريق سهلاً أمامه ليكون أكبر رجل أعمال في مصر وأهم رجل إدارة أيضاً.

لقد جمع الجيش في هذه اللحظة التاريخية بين الموظفين ورجال الأعمال بداخله، ثم أصبح منافساً لهم في خارجه.

أيها المواطن المصري البسيط
قد يكون مهماً على المدى القصير إذا أردنا تغييراً حقيقياً في مصر إعادة ضبط العلاقات المدنية العسكرية وإخضاع الجيش لسلطة المدنيين، وإعادة بناء جهاز الداخلية، لكن الأهم على المدى المتوسط والطويل بناء رأسمال وطني حقيقي خارج عن سيطرة السلطة، وإصلاح الجهاز البيروقراطي للدولة عبر تقليص نفوذه وزيادة فعاليته وبناء بدائل خارجه.

(مصر)