مهن لا تعرف العيد في مصر

31 ديسمبر 2017
يمضي في عمله لتوفير "رغيف العيش" (محمود حمص/فرانس برس)
+ الخط -

مواسم الأعياد في مصر ترتبط عموماً بالإجازات، وينتظرها الكلّ بشغف للحصول على الراحة ولتبادل الزيارات وللسفر في أحيان كثيرة بهدف الاستجمام بعيداً عن القاهرة وزحامها بالإضافة إلى كسر الروتين اليومي. هذه الليلة هي ليلة رأس السنة الميلادية التي يحتفل أهل العالم كلّه بها، والتي يبحث مصريون كثيرون خلالها عن حفلة أو سهرة أو سفرة إلى إحدى المدن السياحية، لوداع العام الذي ينقضي. بالتزامن مع ذلك، ثمّة أناس يعملون في مهن لا تعرف الراحة في هذه الليلة ولا مواسم الأعياد ولا في غيرها. وتتنوّع هذه المهن لتشمل الأطباء ورجال الإسعاف وعمّال النظافة في الشوارع والضباط والصحافيين وعمال الديليفري (خدمات التوصيل) وغيرهم.

تعالوا معاً نتخيّل مستشفى من دون أطباء أو ممرضين. بالتأكيد هو أمر صعب الحدوث، بل من المستحيلات. فالمستشفى يعني عموماً أقسام الطوارئ ووحدات العناية المركزة وأقساما أخرى مختلفة، وهو أشبه بخليّة نحل لا يتوقّف العمل فيها، لا في الحالات الحرجة ولا في متابعة حالات أخرى تتلقى العلاج. في هذا السياق، يقول الدكتور إسلام الشواف (43 عاماً) إنّ "الإجازة في العيد هي بمثابة حلم لأيّ طبيب يصعب تحقّقه. ففي مواسم الأعياد عادة، تزيد الحالات الصحية التي تستلزم متابعة متخصصة مثل حالات التلبّك المعوي، إذ إنّها تُعَدّ أيضاً مواسم للأكل. كذلك، تزداد للأسف حوادث الطرقات، وهو ما يستوجب أنّ تبقى المستشفيات بمعظمها وكذلك الذين يعملون فيها من أطباء وممرّضين وتقنيين وعمّال نظافة في حالة تأهّب". إلى هؤلاء، تأتي مهمّة رجال الإسعاف لـ "إنقاذ ضحايا الأعياد" الذين تزداد أعدادهم في هذه المواسم بصورة مؤسفة، إذ إنّ احتمالات وقوع حوادث مختلفة تزداد وسط الازدحام في الأماكن العامة، كذلك الأمر بالنسبة إلى الأزمات الصحية التي قد تطرأ نتيجة الإسراف في تناول أطعمة مختلفة.

من جهتها، تقول كريستينا (30 عاماً) وهي ممرّضة في المستشفى القبطي في العباسية، إنّ "مهنتنا لا تعرف الراحة ولا الإجازات، تحديداً في الأعياد، لذلك نعمل بنظام الورديات. مثلاً، إذا عملت في الفترة الصباحية في العيد، يعني أنّني سوف أحصل على راحة في المساء. لكن في أحيان كثيرة، من الممكن أن أداوم ورديّتَين أو ثلاث لأتمكّن من الحصول على إجازة يوم بعد انتهاء العيد".

من جهة أخرى، نساء كثيرات يرفعنَ في العيد شعار "لا للمطبخ"، فيكون الاعتماد على الوجبات الجاهزة، سواء عن طريق تناول الطعام في الخارج أو إحضارها إلى المنزل عن طريق عمّال الديليفري. لذلك، تعمل المطاعم في الغالب بكامل طاقتها. ويقول حسن (21 عاماً) الذي يعمل في مجال توصيل طلبات أحد مطاعم الوجبات السريعة: "أنا مغترب. حصلت على دبلوم التجارة وبعدها تركت محافظتي في الصعيد وجئت إلى القاهرة بحثاً عن لقمة العيش. ولم أجد فرصة عمل إلا في هذا المجال". يضيف حسن أنّ "الأعياد هي مواسم عمل بالنسبة إلينا، وأحياناً تزيد ساعات العمل عن المعدّلات الطبيعية في الأيام العادية. وبعد انتهاء أيام العيد، نتّفق مع صاحب العمل على الاستفادة من إجازاتنا تباعاً بالتناوب".


ومن المهن التي لا تعرف الراحة كذلك، والتي يمثّل العيد بالنسبة إلى المشتغلين فيها يوم عمل طويلا وشاقا، هي محال "الحلاقة" و"الكوافير" بكلّ العاملين فيها. فهذه الفئة العاملة في مجال تصفيف الشعر، لا ترتاح أبداً، إذ تفتح المحال أبوابها لساعات طويلة. فهي تكتظّ في مثل هذه المواسم بالزبائن، لا سيّما ليلة العيد.

جورج مجدي (48 عاماً) مصفّف شعر للسيدات، يقول إنّ "كلّ العاملين في محلّي يحصلون على إجازاتهم الأسبوعية بالتناوب في الأيام العادية. أمّا في العيد، فنحن لا نعرف الإجازات إطلاقاً. هو يوم عمل طويل وممتد لكلّ العاملين في المحل". يضيف أنّ "الازدحام يكون شديداً جداً، إذ إنّ السيدات اللواتي يرغبنَ في تجميل أنفسهنّ كثيرات في هذه الفترة. وفي أحيان كثيرة، يتواصل العمل عندنا على مدى أيام، تسبق العيد وتلحقه، خصوصاً وأنّ الأعياد تُعدّ كذلك مواسم للزواج".

من جهتهم، لا يعرف الخبازون الراحة، إذ لا غنى عنهم في الأعياد. ويمضي هؤلاء في عملهم لتوفير "رغيف العيش" للمواطنين، بل ويبذلون جهداً مضاعفاً بالمقارنة مع الأيام العادية، وتكون مهمّتهم أكثر صعوبة نظراً إلى مضاعفة طلبيات المواطنين التي تزداد كثيراً في العيد".
إلى هؤلاء، يأتي الصحافيون والإعلاميون الذين يضطرون إلى تغطية الأحداث ونقل فرحة المواطنين بالعيد وتنزّههم في الأماكن العامة، بل وتغطية كلّ فعاليات العيد. وهؤلاء دائماً محرومون من الاستمتاع بالعيد برفقة العائلة والأصدقاء.

أمّا عمّال محطات الوقود، فمهنتهم خدمية في المقام الأول. وبينما يستمتع المواطنون برفقة عائلاتهم بالتنزّه والمرح، يستمرّ العاملون في تلك المحطان بتأدية واجبهم. ويقول حسين صابر (25 عاماً) الذي يعمل في إحدى تلك المحطات، إنّه "في الأعياد بدل الوردية نعمل اثنتَين. هذا موسم عمل بالنسبة إلينا، خصوصاً وأنّ حركة السفر تزيد من القاهرة وإليها، وكذلك في داخلها. وعندما يبدأ العيد نقول أنا وزملائي في العمل: أهلاً بالشقا. فالعيد بالنسبة إلينا مجرّد موسم عمل وشقاء".

وتجدر الإشارة إلى أنّ المطاعم والسوبر ماركت لا تغلق أبوابها نهائياً، فالشعب المصري يعشق الطعام في المقام الأول، وما بالك في الأعياد. بالتالي يستمرّ العمل في تلك المهن الخدمية على مدار الساعة، ويُستقبل الزبائن بالترحيب.
دلالات