أبطال الإغاثة في المغرب

31 ديسمبر 2017
رجال الإطفاء جاهزون لأيّ طارئ (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -
تشهد ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة في المغرب، التي تسمى عند كثيرين "بوناني" وهو اختزال للتعبير الفرنسي "سنة سعيدة"، كثيراً من الاحتفالات التي يتطلع فيها المحتفلون إلى عام جديد أفضل مما سبق.

في المقابل، يعيش العاملون في مهن الإسعاف والإغاثة والإطفاء (الوقاية المدنية) ورجال الأمن الليلة بأعصاب مشدودة. هم لا يحتفلون بل يواكبون الاحتفالات وما يقع على هامشها من حوادث سير وإصابات وحرائق أيضاً.

في ليلة رأس السنة تعمد أسر مغربية كثيرة إلى الاحتفال عن طريق شراء الحلويات، إذ تعرض المحلات تشكيلة تساير مختلف الأذواق والقدرات المادية، ويقتني الأغنياء أفخر أنواع الحلوى عكس الفقراء. عندما تبقى الاحتفالات في المنازل فهي لا تسبب أيّ أذى عادة، لكنّ المشكلة بالنسبة لعمال الوقاية المدنية هي الاحتفالات في الخارج التي تتسم بالصخب والمغامرة والجنوح إلى الانحراف في أحيان كثيرة. تضج شوارع كبريات مدن المملكة، خصوصاً الرباط والدار البيضاء ومراكش وطنجة وأغادير بحركة كثيفة للمشاة والسيارات ورواد المقاهي والعلب الليلية التي تنتعش في هذه الليلة بشكل كبير، وهو ما يفسر وقوع عدد من الحوادث التي تعقد مهام رجال الوقاية المدنية.

ينتهي كثير من الاحتفالات التي تشهدها ليلة رأس سنة من كلّ عام في المغرب بإصابات وجروح بين متشاحنين، وحوادث سير تكون أحياناً قاتلة، ما يزيد من متاعب رجال الإسعاف والإغاثة ممن يكونون في أقصى درجات التأهب للتدخل، وتفادي خسائر أكبر إلى أن تنتهي ليلة "بوناني".


يروي أحد موظفي "الوقاية المدنية" طالباً عدم الكشف عن هويته لأنّه غير مخول للحديث إلى الصحافة، في تصريحات لـ"العربي الجديد" كيف تسير الأمور لدى مزاولي هذه المهنة ليلة رأس السنة الجديدة، أنّ هذه الليلة حدث استثنائي يتطلب أقصى درجات الحيطة والحذر والتأهب والاستعداد البدني والنفسي. يوضح أنّ العمل عند رجال الإغاثة لا ينطلق ليلة رأس السنة كما قد يعتقد كثيرون، ولا ينتهي بمرور الليلة فقط، بل هناك أعمال ومهام وتدريبات كثيرة ينفذها المغيثون أياماً قبل حلول رأس السنة الجديدة، من قبيل التدريب على كيفية التعاطي مع حالات مشابهة بسرعة وفعالية أكبر. يتابع أنّ "التدريب طوال أيام قبل حلول رأس السنة الميلادية يرتكز على شقين رئيسيين، الأول هو الجانب البدني باعتبار أنّ رجل الإغاثة يجب أن يكون طوال الليل مستعداً بدنياً ويتمتع بصحة جيدة تمكنه من التدخل سريعاً، والثاني هو الذي يتعلق بالجانب النفسي والذهني، فالحوادث تكثر في هذه الليلة بشكل غير مسبوق، ما يستدعي حضوراً ذهنياً قوياً، ومقاومة نفسية أمام أي شعور بالتهاون أو الضعف". يضيف أنّ ليلة رأس السنة تحلّ وعمال الوقاية المدنية ومسؤولو الجهاز متأهبون للاحتفالات، ومستعدون لتقديم الخدمات الإغاثية للضحايا إن وُجدوا في وقت وجيز: "الدقيقة في مثل هذه المهنة تعني الكثير بالنسبة للمصابين والضحايا".

حول طبيعة الأشخاص الذين تجري إغاثتهم عادة في ليلة رأس السنة، يتابع عامل الوقاية المدنية أنّ أغلبهم يتعرضون لحوادث سير بسبب قلة الانتباه والإسراع لحضور مواعيد معينة، أو القيادة تحت تأثير كحول ما يفقد الشباب خصوصاً القدرة على القيادة السليمة، ويؤدي إلى حوادث سير تتدخل بسببها عناصر الوقاية المدنية.

ليلة رأس السنة تقض مضجع العاملين في مجال الإسعاف الطبي أيضاً، إذ تمر الليلة طويلة ومليئة بتوافد إصابات وجرحى كثيرين على أقسام المسعفين. وهو ما يعيده أحمد بنور، وهو موظف في الإسعافات بالرباط، في حديثه إلى "العربي الجديد" إلى "كثرة المشاحنات التي تقع بين زبائن الحانات التي تستقبل رواداً غير معتادين في هذه الليلة تحديداً". يتابع أنّ اكتظاظ العلب الليلة والحانات بزبائن ليلة رأس السنة غالباً ما يفضي إلى خصومات ومشاحنات تنتهي في كثير من الأحيان إلى التراشق بالقوارير الزجاجية والكراسي والأواني، وأحياناً تستخدم الأسلحة البيضاء، وكلها حوادث تتطلب تدخل الإسعاف في هذه الليلة.

يسجل بنور أنّ امتلاء الشوارع أيضاً، خصوصاً في المناطق والأحياء الشعبية، بالمخمورين والمنحرفين خلال هذه الليلة، إما تعبيراً عن نشوة الاحتفال أو تمرداً على القوانين، أو بغية سرقة الأموال والممتلكات، يؤدي أيضاً إلى اصطدامات بين الناس، بالضرب والطعن ومختلف وسائل العنف: "جميعها حالات تجعل ليلة رأس السنة الميلادية طويلة لا تكاد تنتهي" كما يقول.
دلالات