تعيش الكثير من المهن التقليدية في الأردن أيامها الأخيرة، بعدما داستها عجلات التطور. فجيل اليوم قد لا يعرف ولا يتذكر الكثير من المهن، فيما جيل القرن الماضي ما زالوا يعيشون ذكريات المهن الجميلة ويحنون لأيامها الخوالي.
الحياكة أو "الخياطة"، واحدة من أبرز تلك المهن، التي لم تعد تصلح للعصر الحالي، كما يقول ممتهنوها، فبعد أن كان الناس يفصلون ملبوساتهم لدى الخياطين، أصبح الكل يشتري الملابس الجاهزة، بكلفة أقل حتى من ثمن القماش.
تقول الحاجة أم ياسر سليم، إنها امتهنت الخياطة لأكثر من 25 عامًا، وتحول منزلها إلى ما يشبه المشغل، وباتت مقصداً للنساء بعد أن شاعت شهرتها. كانت تخيط الملابس النسائية بجميع أنواعها، وحتى جهاز العرائس، وكان لديها ثلاث ماكينات، لكل واحدة وظيفتها الخاصة.
اقرأ أيضاً: المهن "الغريبة".. عراقيّون رفضوا الاستسلام للبطالة
وتشير أم ياسر إلى تغير الأحوال، وفتح الأسواق، حيث نشط استيراد الملابس "ع الموضة"، بأسعار رخيصة. وتتابع "تكدست الملابس في الأسواق، وهذا وجه ضربات متتالية لعملنا، الذي بدأ يفقد رونقه وزبائنه، حتى اضطررت أخيرًا لتحويل عملي إلى إصلاح الملابس، أو تقصيرها، لكن هذا العمل لم يكن مجديًا، فقررت أخيرًا بيع الماكينات بثمن زهد، وتخليت عن مهنة لازمتني عمرًا".
المواطن إسماعيل زكي، كان يعمل في مصانع حياكة، تورد الملبوسات للمحال تجارية، وتجار الجملة، لكن هذه المصانع توقفت، وتم تسريحه وعشرات العمال المهرة. وقال إنه وجد نفسه مجبرًا على البحث عن مهنة جديدة، لإعالة أسرته التي يبلغ عدد أفرادها تسعة. وانتقد زكي سياسات السلطة، التي فتحت باب الاستيراد على مصراعيه، دون أن تراعي حقوق القطاعات المتضررة جراء ذلك.
التنجيد أو الندافة مهنة الأجداد أو مهنة الفقراء كما يسميها البعض، بدأت تنحسر وتختفي ويهجرها أصحابها.
الحاج شرف عطا "منجد" قال: "المهنة أخذت بالانحسار بسبب البضاعة الأجنبية. في السابق كانت الحجوزات لدينا تستمر لأشهر لكثرة الطلب، أما اليوم فالعمل بات قليلاً ولا يسد متطلبات الحياة ومعيشتنا". ولا يخفي الحاج عطا تفكيره الجدي بترك المهنة والبحث عن أخرى تدر عليه ربحاً جيداً، بعد أن تركها إخوته وأبناؤه، معرباً عن خشيته بأن تلفظ هذه المهنة أنفاسها الأخيرة.
اقرأ أيضاً: متعة العمل.. نساء ورجال يطوّعون الظروف لصالحهم
ولم تكن مهنة "الساعاتي"، أفضل حالاً، وشهدت تراجعاً بعد التطور التكنولوجي، واندثار الساعات اليدوية، واعتماد الناس على الساعات الرقمية في هواتفهم النقالة.
وبالرغم من الصعوبات وتراجع أعداد الزبائن، إلا أن أبو فادي بهار، في العقد الخامس من عمره، يكابد للحفاظ على مهنته. يجلس أمام بسطته، تحت يافطة كتب عليها "تصليح ساعات". فقد أتقن إصلاح ساعات الحائط، والقواميس الإلكترونية الناطقة، والآلات الحاسبة، ويأمل إتقان إصلاح الهواتف النقالة. وقال: "أصلح الساعات منذ أكثر من عشرين عامًا، واكتسبت الخبرة من تفكيك الساعات وتركيب أجزائها وإصلاحها".
الفرواتي الحاج أبو ابراهيم السوري صار يمشي متكئاً على عكازيه، يحب المهنة التي ورثها عن والده، ويقول بلهجته السورية: "جينا قبل 35 سنة إلى الأردن، ومن يومها واحنا شغلتنا الفرو، تنظيف وصناعة، بس اليوم ما ضل منها إشي".
ويضع إبراهيم آلة خياطة الفراء أمام متجره بعدما توقف عن استعمالها إلا في حالات تصليح الفراء قديم، كما يحتفظ بآلات أخرى مثل "أزي" وهي مبرشة لتنظيف جلد الفراء و"الدنيء" وهي آلة يدوية لسحب وتطرية الجلد وتطويعه. ويقول "عمرها أكتر من مية سنة ومستحيل أبيعها، حتى لو ما بستعملها". ويعلق أبو إبراهيم بصوته المنخفض "الفرواتية كلهم بطلوا يشتغلوا، شغلتنا ماتت".
اقرأ أيضاً: 21 مهنة للمستقبل