في المغرب، بين كل مهرجان سينمائي ومهرجان سينمائي آخر هناك مهرجان سينمائي. إنه واقع لا تخطئه العين في بلد يسعى إلى تكريس مظهر الانفتاح على تجارب الفن السابع، سواء في الداخل أو الخارج، وذلك بدعم حكومي واضح لعدد من هذه التظاهرات السينمائية.
قرابة 30 مهرجاناً سينمائياً تنظم كلّ عام في المغرب، بمعدل أكثر من مهرجانين سينمائيين في الشهر الواحد، وهو معدل قد يكون غير مسبوق في كثير من البلدان العربية، مردّه رغبة حكومية في تحويل المملكة إلى مركز للصناعة والفرجة السينمائية، يدعمها احتواء البلاد على أحد أكبر الاستديوهات السينمائية الطبيعية في العالم، وهي مدينة ورزازات التي توصف بهوليوود أفريقيا والعالم العربي.
ورغم الانتقادات الكثيرة التي توجه إلى سياسة تنظيم المهرجانات السينمائية في المغرب، بمناسبة أو بدون مناسبة، خاصة في فصل الصيف، إلا أن الدولة ممثلة في وزارة الثقافة والاتصال ماضية في تمويل الكثير من المهرجانات بحسب درجة إشعاعها واستقطابها الدولي والإقليمي.
ويعد المهرجان الدولي للفيلم في مدينة مراكش الذي ينظم سنوياً في ديسمبر/ كانون الأول، أحد أبرز المهرجانات السينمائية التي تشهدها المملكة، حيث تحضره أسماء ونجوم لامعة في مجال الفن السابع، وتتبارى أفلام وإنتاجات سينمائية دولية على النجمة الذهبية والجائزة الكبرى للمهرجان.
هذا المهرجان تحديداً لا يفتأ يثير الكثير من السجال والجدل كل سنة يتم تنظيمه فيها، رغم أنه تقرر إلغاء دورة 2017 بسبب "الانكباب على تحديد وإعطاء دينامية للتغيير". الجدل يدور بين داعمين لاستمراره لأنه يستقطب أسماء عالمية تحتك بها السينما المحلية، كما يستقطب ما يسمى السياحة السينمائية، وبين رافضين له "لميزانيته المالية الباهظة التي يجدر أن تذهب إلى التنمية ومكافحة البطالة".
وبالإضافة إلى مهرجان مراكش الدولي الذي سبق له أن استضاف نجوماً عالميين من طينة شارون ستون وجريمي أيرونز وجولييت بينوش وأوليفر ستون وسير ريدلي سكوت، فإن هناك برمجة مكثفة لمهرجانات سينمائية أخرى غالباً ما تنطلق ابتداءً من شهر مارس/ آذار وتتكاثر في أشهر الصيف.
من هذه المهرجانات السينمائية، المحلية والدولية، التي تشهدها البلاد بوتيرة سنوية، هناك مهرجان الفيلم القصير المتوسطي في طنجة، ومهرجان العالم العربي للفيلم القصير، والمهرجان المغاربي للفيلم الروائي القصير في وجدة، والمهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا، ومهرجان إفني الدولي سينما الجنوب، والمهرجان الوطني للفيلم الأمازيغي، ومهرجان السينما الأفريقية بخريبكة، وملتقيات سينمائية أخرى كثيرة. يقول الناقد السينمائي فؤاد زويرق، في حديث إلى "العربي الجديد"، إنه "في ظل الاستنزاف المتواصل للقاعات السينمائية بالمغرب، السبيل الوحيد لإتاحة الفرصة أمام المشاهد المغربي للتعرف على السينما بكافة أجناسها ومدارسها هو تنظيم المهرجانات السينمائية".
ويوضح زويرق فكرته بالقول: "لا يعقل أن تصل القاعات السينمائية اليوم إلى أقل من 30 قاعة فقط بعدما كانت في بداية الثمانينيات 250 قاعة، من دون أن يكون هناك بديل آخر لاحتضان الأفلام وتقديمها للجمهور"، معيداً ذلك إلى ما سماه "فشل تدابير وآليات الاشتغال داخل منظومتنا السينمائية".
واسترسل الناقد بأن "التظاهرات السينمائية حققت بعض طموحات الجمهور المغربي في انتظار التفكير في مخطط جدي قادر على مواجهة هذه الكارثة الخطيرة التي ستُجهز على ما تبقى من ثقافة التلقي والمشاهدة"، داعياً إلى أن تكون الاحتفالات والمناسبات السينمائية أكثر حضوراً في الصيف.
وبخلاف الفكرة الرائجة بوجود زخم كثيف في المهرجانات السينمائية، قال زويرق إنه "لا يرى هذا الزخم، بل يجدها أقل مما ينبغي أن تكون عليه"، مورداً أنه في الصيف تكون قابلية الاستمتاع بالفن والإبداع عموماً أكثر من باقي الفصول، خصوصاً أنه موسم العطل والجميع لديه فائض من الوقت يؤهله نفسياً للحضور والاستكشاف".
يكمل المتحدث: "حتى إن كان هناك زخم، أجدها ظاهرة صحية قادرة على المساهمة في تكريس الممارسة السينمائية كفعل ثقافي توعوي".
من جانبه، يؤكد محمد نبيل، وهو كاتب ومخرج سينمائي مغربي مقيم في برلين، ضمن تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن كثرة المهرجانات السينمائية في المغرب لها دلالات كثيرة، الأولى أن المغرب يعرف عملية إغلاق غير مسبوقة للقاعات السينمائية وعزوف الجمهور عن الدخول لهذه القاعات. ويتوافق نبيل مع رأي زويرق بأن "المهرجانات تعوض القاعة السينمائية بشكل من الأشكال، غير أن هذا التعويض غير سليم، لأنه يتعارض مع المنطلقات الصحيحة والمنظومة السينمائية"، مشدداً على أن "السينما هي إبداع وصناعة وإنتاج وتوزيع داخل القاعات".
الدلالة الثانية، يضيف نبيل، تتمثل في الاهتمام المتزايد بالصورة السينمائية وبالصورة السمعية البصرية أكثر حالياً بحكم التحولات التي يعيشها العالم، بالرغم من التراجع الثقافي الملموس والمسجل في المغرب، واصفاً إياه بكونه "حالة بؤس ثقافية مخيفة".
وتابع صاحب فيلم "صمت الزنازين" بأن "هذه الدلالات تخفي وراءها ظاهرة تطفل عميقة وخطيرة لبعض الأشخاص ممن لا علاقة لهم بالسينما ولا يفهمون في منظومة الفن السابع وعلاقتها بالمهرجان السينمائي". وأبرز نبيل أن "المهرجان السينمائي يجب أن يكون مؤسسة تنظر بأعين مهنية كونية، تكون وتنتج وتساهم في عملية الإنتاج السينمائي، وليس طقساً مناسباتياً محكوماً عليه بالموت أثناء ولادته".