وصلت الدفعة الثانية من مهجّري حي الوعر إلى منطقة سوسيان في ريف حلب الشمالي. والتقى "العربي الجديد" المهجّرين، حيث تحدّثوا عن الحياة الجديدة التي تنتظرهم، والطريق الطويلة التي ساروا فيها من حي الوعر في مدينة حمص وصولا إلى الباب وجرابلس.
استغرقت رحلة التّهجير أكثر من أربع وعشرين ساعة متواصلة، وفقا لما قاله فارس حمص، عضو مجلس قيادة الثورة في حمص، في حديثه مع "العربي الجديد"، مضيفا "كان الخوف ملازما لنا على طول الطريق من غدر عصابات النّظام، وكانت الحافلات تقلّ أربعمائة شاب مسلح من مقاتلي المعارضة، لم تفارق أصابعهم زناد البندقية حتى وصلنا".
وتابع فارس: "وصلنا إلى منطقة سوسيان، ونزلنا في مدرسة قديمة وثلاثة مخيمات معدّة لاستقبالنا. قالوا لنا إنها مكان الاستراحة. بعد دقائق عادوا وقالوا لنا ابقوا هنا وسوف نقوم بتأمين منازل وخيام لكم، ويمكنكم الاستقرار هنا. لا يوجد في المكان سوى حمام واحد وخزان ماء واحد، والمهجّرون عددهم ألفا شخص، معظمهم نساء وأطفال. لم نقبل باقتراحهم، فقام جزء منا وتابع المسير إلى جرابلس، والباقي دخل إلى مدينة الباب، وأنا وعائلتي منهم".
ويضيف: "لقد جئت إلى مدينة الباب رغم أنها ليست آمنة، فالألغام تملؤها، لكن هناك بعض الأحياء تم تمشيطها وتأمينها من قبل الجيش السوري الحر. لقد خذلنا عند وصولنا، لا يوجد أي تنظم.. كل شيء مبعثر، لا وجود للائتلاف ولا الحكومة المؤقتة، لقد أقنعونا بالخروج من حي الوعر، وكان الكلام عندما وصلنا مختلفا. نقوم الآن بالسعي إلى تأمين 150 شقة في المدينة لإيواء العائلات التي بقيت هنا، ولا نعلم ما سيكتب الله لنا في الأيام القادمة".
وقال محمد صالح لـ"العربي الجديد": لقد وصلنا إلى منطقة "زوغرة" الحدودية مع تركيا، قرب جرابلس 20 كلم غرب المدينة. نقوم الآن بنصب الخيام، أتوقع أن يكون الجو في الأيام القادمة حارا، لقد أخبرونا بأنهم سيقومون بجمع كافة الحماصنة في هذه المنطقة وإقامة مخيم كبير لهم".
وأضاف "نحن لم ندخل إلى الباب لأنها مدينة مليئة بالألغام، ونتوقع أن يعود النظام إلى قصفها مرة أخرى، لم نخرج من حي الوعر هربا من الموت لنعود إليه في الباب".
بدوره، تحدث جاسر رسلان، والذي هجّر مع زوجته الحامل في الدفعة الأولى، أنه يقيم في قرية "جامل" بالقرب من مدينة جرابلس، في مخيم ترعاه منظمة "آفاد" التركية، مشيرا إلى أن المخيم يحظى باهتمام جيد، فكل شيء متوفر حتى شبكة الإنترنت، والخدمات الطبية متوفرة، لكن هناك معاناة في تحصيل المياه".
وفكّر جاسر رسلان في الخروج من المخيم والبحث عن منزل يستأجره، وذلك قبل قدوم موعد ولادة زوجته، وفقا لقوله، حيث اقترح أحد المدنيين في المنطقة أن يعطيه غرفة في منزله مجانا بدل الإيجار، ويوجد بالقرب من الغرفة حمام ومطبخ خارجيّان يمكنه استخدامهما، فقبل محمد وغادر المخيم.
وأوضح "من يملك المال يمكنه شراء قطعة أرض والبناء فوقها، حيث لا أحد يمنعه، والبناء مسموح به، وهناك كثيرون يقومون باتباع هذه الخطوة، إضافة إلى أن مواد البناء واليد العاملة متوفّرتان في المنطقة".
وأكّد أنه "توجد في مدينة الباب تقريبا عدّة أبنية حديثة وفارغة، لكن الكثير من المهجرين يخافون من الألغام، والكثيرون يعتمدون على التنقل هنا بالدراجة النارية، ويبلغ سعرها 300 دولار تقريبا، ويقومون عبر الدراجة بالبحث عن منزل لاستئجاره في أرياف جرابلس".
من جانبه، قال صالح محمد، إنه تم تعيينه عاملا في الخدمات الكهربائية لأحد المشافي الميدانية، ويعاني من إصابة حرب، إذ قام بإجراء عدة عمليات، وينتظر السماح له بالعبور إلى تركيا من أجل إكمال علاجه، لكنه سوف يدخل من دون مرافق، وسيبقى طفله وزوجته في مخيم "زوغرة".
وأوضح أن "كل من يغادر المخيم لا يحصل على المساعدة من قبل المنظمات عليه أن يتدبر أمره بنفسه، كل من يخرج يأخذون منه الأغطية وسعرها غال هنا، إضافة إلى الفرش مثل السجاد".
وقال سالم الخادلي، والذي كان من عناصر "الجيش السوري الحر" في الوعر، لقد خرج في الدفعة الأولى والثانية قرابة 800 مقاتل بسلاحهم الفردي، إضافة إلى أكثر من ألف ما بين سن السادسة عشرة والأربعين من الذكور، كلهم الآن عاطلون عن العمل، وبعضهم بدأ بالالتحاق بفصائل "درع الفرات".
ويرى الخادلي أن عدم وجود فرص عمل "سيدفع بالكثير من الشباب إلى الالتحاق بجبهات القتال، كما أن الكثير من القادة الميدانيين في قوات "درع الفرات" من مدينة حمص الذين هجروا سابقا من أحياء باباعمرو والخالدية وباب السباع وغيرها من المناطق التي هجرها النظام السوري.
وكانت قوات "درع الفرات" قد سيطرت على مدينة جرابلس، في أغسطس/آب الماضي، وسيطرت على مدينة الباب، في فبراير/شباط، بعد شهور من المعارك العنيفة مع تنظيم "الدولة الإسلامية" "داعش"، وتشكّل قوات "درع الفرات" فصائل من المعارضة السورية المسلحة وقوات من الجيش التركي.