منذ بداية الثورة السورية، يعاني مواطنون سوريون من تعقيدات جديدة كل يوم، تُفرض على تنقّلهم في المطارات الأجنبية، حتى أصبحت الدول التي تسمح لحاملي جواز السفر السوري الدخول إليها قليلة جدًا، وأصبح الحصول على تأشيرةٍ لأغلب هذه الدول صعبًا للغاية.
وبسبب تصاعد الأحداث ووتيرة العنف على الأراضي السورية، فإن السفر يفرض نفسه كخيارٍ لا مناص منه، ولكن بسبب التضييق على الشعب السوري، بات أغلب السوريين يبحثون عن حمل جنسية أخرى، فلجؤوا إلى دولٍ تعتمد تسهيلات في إجراءات التجنيس، ليتمكنوا من السفر إلى بقية دول العالم.
في روسيا، يسعى سوريون مقيمون في أراضيها للحصول على الجنسية، فحامل جواز السفر الروسي بإمكانه الحصول على تأشيرة "شينغن" للاتحاد الأوروبي، وتأشيرة دول أخرى غير متاحة للسوريين.
السوريون والقانون
ورغم أن لائحة القوانين التي تبيّن شروط حصول الأجانب على الجنسية الروسية واضحة جدًا، إلا أن السوريين يجدون صعوبة بالغة في الحصول على الجنسية منذ اندلاع الثورة السورية، وهذا ما نتلمّسه في قصص عدد من السوريين الذين التقينا بهم.
يقول الشاب الفلسطيني السوري حازم: "عندما وفدت إلى روسيا عام 2010، تزوّجت من فتاة روسية جمعتني بها قصّة حب على الإنترنت، وكان من الشائع في البلاد أنه بعد ثلاث سنوات يحقّ لي أن أطالب بالجنسية، وقبل انقضاء هذه المدة، رُزقت بفتاة منحوها على الفور جنسية روسية، بموجب قانون يخوّل للأجنبي الحصول على الجنسية، إذا كان أحد الوالدين أو الجدين روسيًا".
ويستطرد حازم، أنه بعد تمام ثلاث سنوات على زواجه، استفسر عن إجراءات الجنسية وفوجئ بإرسال خبير اجتماعي إليه، لدراسة وضعه الأسري، فمدّد له المدّة الزمنية التي يحقّ لي فيها المطالبة بالجنسية إلى سنتين، أي أنه لم يتمكّن من تقديم طلب الحصول على الجنسية إلا بعد خمسة أعوام من زواجه.
وفي عام 2015، يردف المتحدث: "قُبلت أوراقي للحصول على الجنسية، إلا أنني لم أتمكن من تجاوز مراحل اختبار اللغة، على الرغم من أنني أتكلّم الروسية بطلاقة، فكان من المفترض أن أحقّق نتيجة تتجاوز 90% في فحص اللغة، رغم أن الأجانب المستوفين للشروط يُطلب منهم عادةً تجاوز اللغة بنسبة 50% فقط، وإضافةً لذلك خضعت لاختبارات جديدة تتعلّق بالأدب الروسي والسياسة الروسية والقانون أيضًا، مما زاد الوضع تعقيداً".
ويخضع حازم الآن لحصص تعليمية خاصّة، من المفترض أن تساعده على تجاوز هذه الامتحانات في السنوات المقبلة، لأنه لا يستطيع التقدّم مجددًا بطلب الحصول على الجنسية، سوى مرّة واحدة في السنة، على حدّ تعبيره.
تحالف ضد الشعب
الشاب السوري عامر أيضًا، لم يتمكّن من الحصول على الجنسية الروسية، وأخبرنا بقصّته: "وفدت إلى روسيا عام 2008، لدراسة الإخراج السينمائي في جامعة (سان بطرسبورغ) الحكومية للسينما والتلفزيون، وتخرّجت عام 2013، ولم أرغب في العودة إلى سورية، فتقدّمت بطلب للحصول على الجنسية الروسية، لأنني استوفيت شرط التواجد في روسيا بشكل قانوني لمدة خمس سنوات متتالية، وأتكلّم الروسية بشكل ممتاز، ولكن لم يتم قبول طلبي".
يوضّح عامر، أنه يصعب التنقل في روسيا بدون إقامة نظامية، مما اضطره إلى التسجيل في جامعة خاصّة لتعلّم الأدب الروسي، ويتمكّن من الحصول على إقامة لمدة عام. وفي ذلك الوقت سعى إلى امتلاك عقار بمبلغ 12 ألف دولار ليدعم محاولته في الحصول على الجنسية، وتقدّم في العام الموالي بطلبه، ولكنهم أخبروه بأنه يجب أن يمتلك عقارًا تتجاوز قيمته 23 ألف دولار للحصول على الجنسية الروسية، ولم يساعده العقار الذي اشتراه، سوى بالحصول على إقامة دائمة لمدّة ثلاث سنوات قابلة للتجديد.
إن تضييق روسيا لم يكن محصورًا على السوريين الموجودين في روسيا فقط، وإنما شمل السوريين خارجها، فزادت الشروط للحصول على "الفيزا" لدخول أراضيها، وهذا ما يبدو واضحًا من خلال قصة دانة، فتاة سورية متواجدة في لبنان، تقول في حديث إلى "جيل"، إن زوجة أخيها الروسية قامت بتقديم طلب لدعوتها وزوجها من أجل حضور حفل زفافها في موسكو، وقُبل طلب حضورها، ورُفض طلب زوجها، لأنه متخلّف عن الخدمة العسكرية في سورية. تضيف دانة: "تم فتح تحقيق مع زوجة أخي لمعرفة صلة القرابة التي تربطها بزوجي، وذلك بسبب تخوّف السلطات الروسية من احتمالية أن يكون زوجي إرهابيًا".
لماذا لا يقاتل السوريون؟
إن هذه التعقيدات في الحصول على الجنسية و"الفيزا"، جزءٌ لا يتجزأ من سياسة روسيا المؤيّدة للنظام السوري، فتلك الضغوطات هدفها عودة السوريين إلى سورية، وتجنيدهم للمشاركة في الحرب التي دخلت فيها القوّات الروسية بشكل مباشر منذ أكثر من عام. فروسيا اليوم، لا تؤمن بحقّ السوريين في الحياة، وهذا الإيمان يبدو واضحًا من خلال السؤال الذي طرحته الصحافية الروسية على بشار الأسد في لقائهما على "كومسومو لسكايا برافدا"، والذي حمل نبرة توبيخ، إذ قالت صحافية القناة: "عندما أكون في دمشق وأرى شبابًا في المقاهي منذ الصباح أسأل نفسي من هؤلاء الشباب؟ ولماذا ليسوا على الجبهة؟"، لتؤكّد على النظرة الروسية للشعب السوري، والتي ترى أن مكانه الوحيد هو على جبهات القتال تحت لوائهم، لمواجهة من يطلقون عليهم تسمية "إرهابيين".