24 أكتوبر 2024
من ينافس من في تونس؟
مع اتضاح الصورة العامة لأسماء المرشحين للانتخابات الرئاسية التونسية، في انتظار الإعلان الرسمي عن القائمة النهائية، يمكن القول إن مختلف القوى السياسية والتوجهات الأيديولوجية قد سجلت حضورها في السباق الانتخابي، إما من خلال مرشح حزبي معلن أو مرشح مدعوم من قوى وائتلافات سياسية مختلفة. غير أن ما يميز الانتخابات الرئاسية الحالية اضمحلال خطوط التمايز تقريبا بين المرشحين، وتحول المنافسة من حالة الاستقطاب الثنائي الذي كان مهيمنا على انتخابات 2014، في مختلف مراحلها، إلى حالة من التنافس الشامل بين الجميع، في محاولة محمومة للوصول إلى قصر قرطاج.
وعلى الرغم من أن منصب الرئاسة لم يعد له النفوذ الذي كان عليه زمن الحكم المطلق، وهيمنة الحزب الواحد، إلا أن جاذبية المنصب لا تزال مسيطرة على الأذهان، باعتبار رمزية الموقع الذي تسعى كل القوى السياسية إلى الوصول إليه، فالصراع التقليدي بين قوى المنظومة القديمة وقوى ما بعد الثورة الذي تحكّم في المزاج العام في أثناء الانتخابات الرئاسية الماضية لم يعد حاضرا بالقوة والتأثير نفسيهما مع ظهور وجوه جديدة، تمارس السياسة بشكلها الفوضوي، إذا صح التعبير، بمعنى أنها شخصياتٌ لا تستند إلى أحزاب محدّدة، بقدر ما تركز على ترويج خطاب شعبوي، أو التلاعب بمشاعر قطاع من الناخبين، عبر أدوات الدعاية، فمرشحو المنظومة القديمة أو المحسوبون عليها، سواء المعتدلون منهم أمثال عبد الكريم الزبيدي أو الإقصائيون (عبير موسى)، فشلوا في تعبئة الجمهور العام لصالح توجهاتهم على النحو الذي جرى في الانتخابات الماضية التي فاز فيها الباجي قائد السبسي في مواجهة مرشح قوى الثورة، منصف المرزوقي. ذلك أن عدد المرشحين الذين يراهنون على القاعدة الانتخابية نفسها التي منحت أصواتها للسبسي تجاوز الحد الذي يجعل الأمر محسوما لأحدهم، في ظل وجود يوسف الشاهد (رئيس الحكومة) ومهدي جمعة (رئيس حكومة سابق) وسلمى اللومي ونبيل القروي، وقد أصبح التنازع بين هؤلاء معلنا وجليا، سواء من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ونشر الإشاعات والأخبار المتناقضة، فقد حاول المرشح مهدي جمعة ترويج خبر انسحاب الزبيدي لصالحه، في محاولة لخلط الأوراق، نفاها الأخير وشن هجوما مضادا على منافسه. فيما يواصل رئيس الحكومة الحالي (رغم تنازله عن منصبه لينوبه وزير من حلفائه) حملاتِه لتبييض صورته أمام الناخبين، من خلال إجراءات دعائية ظل في سنوات حكمه يرفض اتخاذها. وليصل الصراع إلى مداه مع تحريك قضية الفساد المالي ضد المرشح نبيل القروي الذي وجد نفسه في السجن في انتظار حكم القضاء. صراع حاد بين مرشحي المنظومة القديمة يوحي بحالةٍ من التشظّي ستلحق الأصوات التي ستتوزع بينهم بنسب متفاوتة، ما لا يمنح أحدهم أسبقية الفوز أو على الأقل تحقيق تقدم واضح في الدور الأول، حتى وإن صعد إلى الدور الثاني.
في الجهة المقابلة، فشل المرشحون المتقاربون من حيث البرامج والتوجهات في إيجاد مجال
للتوافق، ودعم شخصية واحدة، ففي مقابل المرزوقي نجد محمد عبو وقيس سعيد. ويراهن ثلاثتهم على القاعدة الانتخابية نفسها. وفي ظل وجود مرشح لحركة النهضة، هو عبد الفتاح مورو، ومرشح آخر مستقيل منها، هو حمادي الجبالي، يبدو أن الأصوات ستتوزع على طيف واسع من الأسماء، مع أسبقية واضحة لمورو، وإلى حد ما المنصف المرزوقي.
يعود الدافع الذي جعل القوى السياسية المختلفة ترمي بثقلها وراء مرشحين مختلفين في الانتخابات الرئاسية إلى اضطراب الروزنامة الانتخابية، بعد وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، الأمر الذي جعل الرئاسية تسبق الانتخابات التشريعية، وهو ما يعني، في حساب الأحزاب، أن من سيغيب عن مشهد الانتخابات الرئاسية سيجد نفسه عاجزا عن تفعيل حملته التشريعية في المرحلة اللاحقة، في ظل حالة الاستقطاب الواسع للناخبين، واجتذابهم لصالح هذا التوجه أو ذاك.
أصبح المشهد الانتخابي التونسي محكوما بنوعٍ من الضبابية التي تجعل من الصعب التوقع بصورة حاسمة أسماء من سيتنافس في الدور الثاني، من دون أن ينفي هذا وجود أسماء تحظى بأسبقيةٍ على غيرها في ظل مرشحين كثيرين، ومن الأكيد أيضا أن النتائج ستحسم لصالح هذا الطرف أو ذاك، من خلال فروق صغيرة في عدد الأصوات، وهو ما يجعل الدور الثاني محكوما بحساباتٍ مختلفة. والبحث عن حلفاء وداعمين من أجل الوصول إلى أعلى هرم السلطة، تشويق، على الرغم من غرابته وحدّته، يمنح الانتخابات التونسية فرادتها في محيط عربي يفوز الرؤساء فيه بنسب خيالية، تجعل الانتخابات هناك أشبه بالكوميديا الساخرة.
في الجهة المقابلة، فشل المرشحون المتقاربون من حيث البرامج والتوجهات في إيجاد مجال
يعود الدافع الذي جعل القوى السياسية المختلفة ترمي بثقلها وراء مرشحين مختلفين في الانتخابات الرئاسية إلى اضطراب الروزنامة الانتخابية، بعد وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، الأمر الذي جعل الرئاسية تسبق الانتخابات التشريعية، وهو ما يعني، في حساب الأحزاب، أن من سيغيب عن مشهد الانتخابات الرئاسية سيجد نفسه عاجزا عن تفعيل حملته التشريعية في المرحلة اللاحقة، في ظل حالة الاستقطاب الواسع للناخبين، واجتذابهم لصالح هذا التوجه أو ذاك.
أصبح المشهد الانتخابي التونسي محكوما بنوعٍ من الضبابية التي تجعل من الصعب التوقع بصورة حاسمة أسماء من سيتنافس في الدور الثاني، من دون أن ينفي هذا وجود أسماء تحظى بأسبقيةٍ على غيرها في ظل مرشحين كثيرين، ومن الأكيد أيضا أن النتائج ستحسم لصالح هذا الطرف أو ذاك، من خلال فروق صغيرة في عدد الأصوات، وهو ما يجعل الدور الثاني محكوما بحساباتٍ مختلفة. والبحث عن حلفاء وداعمين من أجل الوصول إلى أعلى هرم السلطة، تشويق، على الرغم من غرابته وحدّته، يمنح الانتخابات التونسية فرادتها في محيط عربي يفوز الرؤساء فيه بنسب خيالية، تجعل الانتخابات هناك أشبه بالكوميديا الساخرة.